أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه | يا أَلَمي تَجعَلُ نَفسي طَرِبَه |
أَشرِق عَلى قَلبي بِهيّاً نيِّرا | فَيورِقَ الشَوكُ بِهِ وَيُزهِرا |
يا هَيكَلا كُهّانُهُ القلوبُ | بَخورُهُ الأَدمُعُ وَالشُحوبُ |
أَسمَعُ أَجراسَكَ من بَعيد | فَهي تُناديني إِلى السُجودِ |
وَدَقَّ نِصفُ اللَيلِ في السُكونِ | فَاِختَلَجَ الشاعِرُ كَالظُنونِ |
وَقالَ إِنَّ تَعَبَ الضَميرِ | يَصعَدُ من مَجاهِلِ القُبورِ |
يا لَيلُ يا مَسارِبَ الفَواجِعِ | يا قِرَبَ الدِماءِ وَالمَدامِعِ |
كَم من خِلِيٍّ فيكَ يَستَريحُ | وَكَم شَقِيٍّ بائِسٍ يَنوحُ |
أُرقُد قَريرَ العَينِ يا خِلِيُّ | وَانتَ فَاِشقَ أَيُّها الشَقِيُّ |
فَاللَيلُ مِلكُ المُترفِ السَعيدِ | وَمِلكُ كُلذِ تَعِسٍ شَريدا |
غَلواءُ يا نِبراسَ قَلبي البائِسِ | يا أَمَلّا في ظُلُماتِ اليائِسِ |
يا مَرهَماً لِقَلبِيَ المَوجوعِ | يا مَلَكاً يَطوفُ في دُموعي |
أُحبُّ فيكِ صورَةً عَذراءَ | وَإِن تَكُن أَصباغُها شَوهاء |
يا صورَةً تَجري بِها السَعادَه | أَلحبُّ فيها دونَهُ العِبادَه |
يا أَرَجَ المُروج وَالأَكهامِ | يا وَتَراً أَسمَعَني أَنغامي |
مَجَّدتُ آلامَكِ في الزُهورِ | في وَهَجِ الأَنوارِ في الطُيورِ |
في بَسَمات الصُبحِ في الأَصائِل | في القَمحِ في تَمَوُّجِ السَنابِل |
في أَدمُعِ الأَيِّمِ وَاليَتيمِ | في صَرخَةِ البَريءِ وَالمَظلومِ |
يا زَهرَةً تائِبَةً مقدَّسَه | يا خُبر قُربانةِ نَفسي التَعِسَه |
أَحمَدُكِ اليَومَ كامسِ وَغَدا | وَكُلّما غابَ النَهارُ وَبَدا |
وَكُلَّما بَلَّلتُ بِالدُموعِ | شِعراً شَقِيّاً قُدَّ من ضُلوعي |
وَقد أَحَسَّت فَترَةً بِروحِها | تَطَّرِحُ الأَوهام من جُروحِها |
وَرَفَعَت اليهِ عيناً ذائِبَه | كَأَنَّها صورَةُ نَفسٍ تائِبَه |
لكِنَّها عادَت إِلى جُنونِها | وَثارَت النيرانُ في عُيونِها |
وَكانَ قَد أَوشَكَ أَن يُقَبِّلا | جَبينَها المُضطَربَ المُشتَعِلا |
حينَ اِستَحالَت جَمرَةً مُلتَهِبَه | تَراجَعَت عَنهُ خُطىً مُضطَرِبَه |
وَبعد فِكرٍ قالَتِ الحَياةُ | عَقارِبٌ من جَسَدي تَقتاتُ |
دَعني فَلا أَبرَحُ يا حَبيبي | أَعيشُ في ماضِيَّ في ذَنوبي |
في حَمأَةِ الضَميرِ في اوجاعي | في بُؤرَةِ الديدانِ وَالأَفاعي |
أَيَستَطيعُ الطيبُ في القارورَه | أَن يَغسِلَ الأَوساخَ في القاذورَه |
دَعني وَخلِّ نَفسَكَ العَذراءَ | عَذراءَ لا تَرجِسُ في غَلواءَ |
وَاِستَرجِعِ القُبلاتِ من خَدَّيّا | مَغفِرَةٌ ثَقيلَةٌ عَليّا |
فَقالَ إِنَّ دَمعَةً تَطَهَّرَت | تَكفي لِغَسلِ النَفس مَهما قَذِرَت |
فَأَدمُعُ التَوبَةِ وَالغُفرانِ | أَقدَسُ يا غَلواءَ من القُربانِ |
فهي خَميرُ الأَلَمِ المَعجونِ | وَفَلذَةُ القُلوبِ في العُيون |
وَسُبحَةُ النُفوسِ في العَذابِ | تُجمَعُ في سِلكٍ من الأَهدابِ |
وَهي عَصيرٌ من لُبانٍ طاهِر | تَعقُدُهُ الآلامُ في المَحاجِر |
وَلُؤلوءٌ في قَعرِ بَحرٍ خاطي | يَقذِفُهُ الموجُ إِلى الشَواطىء |
مَرَّت ثَوانٍ كُلُّها أَحلامُ | لَم يَتَخَلَّل سُكرَها كَلامُ |
كان بِها الاِثنانِ يُصغِيانِ | إِلأى نَزاع الأَلَمِ السَكرانِ |
إِذا بِهِ يَقولُ يا غَلواءُ | هذا الشَقا تَبارَكَ الشَقاء |
هذا الشَقا يا غَلوَ يا حَبيبَتي | يا أُختِ يا عَروسس يا رَفيقَتي |
هذا الشَقا في مَطهَرِ التَكفيرِ | آخِرُ حدٍّ لِشَقا الضَمير |
غَلواءُ فِردوسُ الحَياةِ ههنا | فَأَنتِ لم تَزني بل الوَهمُ زِنى |
إِحتَفِظي بِقُدسِ تَذكارِ الشَقا | فَهو طَريقٌ لِلعَفافِ وَالتُقى |
إِنَّ الشَقاء سُلَّمٌ إِلى السَما | فَعَدنُ ميراثٌ لِمَن تَأَلَّما |
وَثَمَنُ السَعادَةِ الخَلّابَه | لَيسَ يُوازي ثَمَنَ الكَآبَه |
وَشُفيت غَلواءُ من أَوهامِها | لكِنَّها لَم تُشفَ من آلامِها |