من أي الأنهارِ الدّفقُ الأعمى هذا؟ |
كم كُنتَ شفيفاً |
أبيضَ |
حين تحدّرْتَ من السّفحِ |
لقطفِ الجوريّةِ |
من حُضنِ الوادي. |
كم كُنتَ بسيطاً، |
يُغريكَ البوحُ |
فتسري في الأرضِ العطشى .. |
قُلتَ بأنّ معينَكَ لا يفنى، |
ففنيتَ وأفنيتْ. |
كيفَ تشِفُّ كقُمصانِ الصيفِ عن الّلوزِ؟ |
أما تخشى أن يكوي روحَكَ بردُ الغفلةِ؟ |
أو تنسى الجورِيّةُ مِعطفها |
من فرطِ الخَدرِ الّليلِيِّ على شُبّاكِ الكونِ؟ |
كأنكَ لا تدري أن الساعةَ جاوزتِ الحدَّ |
وأن الرّيحَ المجنونةَ لا يعنيها الوردْ. |
أستارُ الخيمةِ ذوّبها غَزَلُ النّجمِ القُطبِيِّ |
وتسأَلُ من أينَ يجيءُ البردْ! |
كُنْ ما شِئتَ |
وقِفْ ما شِئتَ على بابِ الصّبحِ |
بأوراقِ الليلِ الحُبلي بالهذيانِ |
وقُل إنّك أغويتَ الغاوين فتابوا |
ودعوتَ الشُّعراءَ فآبوا |
وتماهيتَ مع الألطافِ المبثوثةِ في الغيبِ |
فكُنْتَ الألطفَ والأبهى .. |
من أيِّ الأنهارِ نَفَذْتَ حثيثاً |
تترقْرقُ في أحداقِ العُشاقِ |
لتَقذِفَ في صحنِ الصّبحِ عُصارةَ روحِكَ |
من أيّ سماءٍ هذا الماءُ استوحى رِقّتهُ في الليلِ؟ |
وأيُّ الطّينِ سيحمِلهُ |
ويُحَمِّلُهُ سرّ الخلقِ الأمثلْ؟ |
جاوزْتَ الحدَّ كساعةِ عُمرِكَ |
أدْخَلْتَ النّخلَ بغيرِ مواسِمِهِ |
وسريتَ بروحِ حمامتِكَ البيضاءِ |
على كفِّ الفرحةِ في غاباتِ النّجْمِ |
وعُدتَ حزيناً |
تتحسّسُ ماءَ الوردِ على غُرّتِها |
وتضُمُّ جناحيها في صدركَ |
علّكَ توغِلُ أكثرَ في أسرارِ الطّيرِ |
وتخرُجَ أكثرَ جهلاً بالخوفِ |
وعِلماً بالجهلِ |
بحالاتِ العِشقِ القُصوى .. |