الرحلةُ لم تبدأ بعدُ .. |
ولم يبدأ بعدُ العَدُّ |
ولا المدُّ استوفى حُجّتَهُ |
لنفيضَ زُرافاتٍ نحو البحرْ .. |
أو نُغرِقَ نوقَ النّعمانِ البيضَ |
بِعُقرِ الصّحراءْ. |
الرّحلةُ أشرِعةٌ |
تبحثُ عن ماءٍ |
يحمِلُها نحو العُمقِ الأعمقِ، |
والماءُ الظامىءُ |
يبحث في جُبّك يا يوسُفُ |
عن شَربةِ ماءْ. |
آيتُنا في السّفَرِ المُضني |
أنّا أحياءٌ، |
نتحرّى ما يُشبِهُ تُربتَنا |
في هذي الأحياءْ . |
نورِقُ في الجدبِ |
ونهمي في الصيفِ |
سحاباً أبيضَ |
في ناحيةٍ، |
غادرها البدوُ |
إلى مُدُنِ السّكّرْ . |
آيتُنا أنّا شجرٌ |
في كُلِّ مواسِمِهِ أخضَرْ . |
تُشبِعُنا البسمةُ، |
حينَ تُطِلُّ من القلبِ علينا |
فنجودُ بلا حدٍّ .. |
ونجودُ إذا ما جُعنا للبسمةِ أكثرْ . |
الرحلةُ لم تبدأْ بعدُ، |
وما ذاك سِوى عَرَقِ الطّلقِ |
وما تلكَ سوى الزفراتِ الأولى |
قبلَ بُزوغِ الفجرِ على قافِلتي .. |
هيّأتُ الرّكْبَ، |
وعطّرْتُ الصّبحَ بدُهنِ العودِ، |
وحمّلْتُ الناقةَ ما خَفّ |
وناديتُ نِساءَ الحيِّ : |
أنِ اسْرَحْنَ بِأغنامِ القريةِ |
كالمُعتادِ |
وخبّئنَ الدّمعَ بأحداقِ القلبِ |
لعلّ الناقةَ تمضي بسلامٍ .. |
مازالَ الوقتُ |
على شفةِ الوادي |
يتفتّحُ، |
والطّيرُ تُوشوِشُ للطّيرِ |
أغاني اللّحظةِ .. |
اللحظةُ تمتدُّ زماناً |
والرّحلةُ لم تبدأْ بعدُ، |
ولم يبدأ بعدُ العدُّ، |
ورجلاي تغوصانِ إلى الرّكبةِ |
في عَرَقِ الطلقِ |
كأنّ الكونَ سيولدُ ثانِيةً |
في قامةِ أصغرِ مخلوقٍ |
ليكونَ بهيئتهِ الأخرى |
أقربَ للفهمِ |
ونُصبِحَ أقربَ للمعنى .. |
يا صاحبَ سجني |
أنبئني |
ما فتوى هذا الوعيِ المُهلِكِ ؟ |
والرّدّةُ تأخُذُنا غصبا. |
الرّدّةُ يا ابنَ غُلاةِ العُشّاقِ، |
تُحاصِرُ فينا الفُلّ الأبيضَ |
حتى يسوَدّ |
وتترُكُنا للشارِعِ نَهْبا. |
ما فتوى أن نحيا غُرباءَ |
ونُدفَنَ في غُربتِنا .. |
ونُحنّي شيبَ الغُربةِ |
كي يرضى عنّا الشرقُ |
فتأخُذُنا الرّدّةُ غربا. |
ما فتوى أن نهوي |
في هذا البئرِ الكونِيّ ؟ |
ونُتْقِنَ كُلّ لُغاتِ الكونِ ؟ |
لِنأمنَ مَكرَ الأيامِ، |
ونَلحنَ في الحُبّ |
ونبقى عُرْبا. |
الرحلةُ لم تبدأ بعدُ |
ولم نقطعْ بعدُ السلمَ |
ولمْ نوصِلْ بعدُ الحَربا. |