طلعتْ فتاة الليل من صبح الهواء، فأورقت تيناً وزيتونا ً وألقت |
للنخيل تحية الآتين من سفرٍ فأينعت الوجوه شقائقاً ونمتْ |
حبيبات الندى مطرا ًَ على تعب القرى |
قمراً على الباب العتيق لعالَمٍ نسي الحديث الطفل، والكلمَ |
المذابَ مع ارتخاءِ النهرِ أولَ ما ظهرْ |
نسيَ التطلعَ للقمرْ |
طلعت على مد البصرْ. |
جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ |
دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ |
قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا |
قمراً على وجع القمرْ. |
دمعتْ ... مشتْ |
مشت الدروب على خطاها واكتفتْ |
بالصمت حين تحدثتْ: |
اللوح أسود |
فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة |
واحتموا بوجوهكم |
وتبينوا أن جاءكم نبأُ |
هذا أنا تعَبٌ، ومرساةٌ، وقيدٌ رافضٌ للقيد |
(من يزرع قلوب الناس يُحصد: ذا زمان الحصد |
من يسرق يُجازى بالتي...) |
وضعت يديها فوق نافذة الكلام وأسرجت خيلاً |
لعنق الشمس |
واحتفلت بميلاد الحروفِ |
وأطلقت عصفورها للبوح في طرق السماءِ: |
لا تزرعوا قمحا ًمن قبل أن يجد الفؤاد طريقة للناس.. |
لا تركبوا بحرً من قبل أن يجد الحمام مكانه في القلب.. لا |
لا تطلبوا أجراً على وجع الكلام، وحرقة القلب المضرج |
قبل أن يفد الحمام. |
قالت.. وأسدلت الكلام. |
تتذكر الآن البدايةَ |
مفرق الطرق القديمة.. |
كان "شام" |
(إن تغرس السكين في الظهر ستغرسْ |
ألف سكين بظهركْ) |
جلست على طرف الكلام |
هذا معاويةُ الذي.. |
ويضج طفل البوح في فمها ويشتعل الكلام: |
لا تقرأوا التاريخ |
زيفٌ ما يسطِّره الذيول |
كفاكمو زيفاً على زيف ٍ |
سنيُّ العمر مرت ما قرأت حقيقة |
مرت كما مرت على الصحراء صائفة الغمام |
تعبٌ وحال الناس في الأرض التعب |
أن جاءكم نبـأ ٌ.. |
فهذا ساحل الرؤيا وإن عجَّت به ريح الشمال |
تظل أصوات النوارس، صرخة الحيواتِ ملء رماله |
فتبينوا أن جاءكم نبـأ. |
دخلت على الحجرات في القلب المشاع |
وجدت رماداً |
ملؤه وطنٌ، وأسئلةٌ تثار ولا إجابة في المنابر |
لا إجابة في رحيق السيف |
وجدت نخيلا ً واقفا ً بالباب منحنيا ً |
جداولَ جف فيها الطين |
أسرابا ً من الوجع المهاجر |
لا أمان |
ولا مكان |
ودمعتين نوافذ التوق الذي أدمنته عاماً فعاما ً |
ثم نمت على الحجارة.. لم أخن |
كشفتْ وكم كشفت عن الأوراق في حجراته |
وأنا أصيح: قصيدتي وجه الزمن |
صرختْ.. صرختُ وما فتئتُ أردد الصلوات في روحي |
وأسترق الوطن: |
كلا وربِّ السيف والكلمات والمدن الخرافه. |
ما ناشني فرحٌ |
ولا دونت اسمي في دواوين الخلافه. |
مضت الفصول |
خلعت جلدي |
يا بلادا ً باعها السمسار للسمسار |
وأستبق الغزاة إلى ملابسها |
وتجار الصحافه. |
لهفي على وطنٍ يغادرنا |
ليسكن في المحافل والفنادق |
تترك الصحراء أنجمها |
وتبحر في ملفات العويل |
وواجهات النشرة الأولى |
وأقبية الفراغ |
وتترك الأنهار أبناء القرى |
لتنام في برك السباحه. |
طلَبتْ موانئ |
فتَّشتْ في السفْن عن وطنٍ بديل |
تعبتْ من البحث الطويل |
تعبتْ من الركض الذي يمتد من فرح الأجنة |
وانطلاقات الجذور |
إلى انحناءات الكهولْ |
تعبت من الوطن البخيلْ. |
وطنٌ سرابْ |
غابٌ من القيم الخرافة |
وانتماءٌ مرَّغ الوحل به أنف السحابْ |
وطنٌ |
عيونٌ فيه تستسقي |
وتُسقى جمره |
جيفٌ تفتش عن غرابْ. |
وطنٌ ترابْ |
يقف النخيل وكم يطول الوقت بالنخل |
وكم ينأى السحابْ |
وطنٌ ضبابْ |
إن تدرك الأطراف تدركْك المنية يا معذب |
فالتئم بالتربة العذراء |
وليكن الغيابْ |
غابٌ وغابْ |
لا أرض في الأرض التي تهب السوادْ |
لا أرض في الأرض اليبابْ |
وطنٌ ترابْ |
وطنٌ ضبابْ |
وطنٌ سرابْ |
سرابْ |
سرابْ |
طلبتْ مداداً |
جف ماء البحر |
صرختها استحالتْ نبتةً في غرَّة الصحراء |
دمعتها استحالتْ قطرةً |
(الغيث في الصحراء لا يأتي |
إذا تعبتْ أكفُّ الريح وانهزم الجوادْ). |
طلبتْ مزيداً من مدادْ |
وطلبتُ منها أن نكونْ |
أبقيتُ في يدها يديَّ |
فكفتْ الدنيا عن التجديف |
ذا بحرٌ |
وقفنا |
والسموات انتهتْ فينا |
وكنا راحتين تحوطان الشمسْ |
شفةٌ وشمسْ |
لغةٌ ترطِّب مبسمين |
حمامةٌ ترتاد ساحتنا |
نُحِبُّ |
نُحِبُّ |
يا الله نحن الحبُّ |
نحن الصرخة الأولى |
ولون الماء والأشياءْ. |
لوَّنـّـا الجداول |
فاستدار الماء بالأسماك |
واحتفلتْ على يدنا بميلاد الهواءْ. |
ولوَّنـّـا البلابل في صباحٍ غائمٍ بالحب |
أسكنَّـا حناجرها مفاتيح الغناءْ |
ولوَّنـّـا القبائلَ |
ذاب فصُّ الملح |
والصحراءُ |
من بحرٍ إلى بحرٍ |
وهبناها مساء الخير، والكلمات |
فرحتَنا |
ـ نُحِبُّ .. نُحِبُّ |
دفءَ اللحظة الأولى |
وطعمَ الخبز ممزوجاً بطعمِ الرمل |
وجه النخلة العفويَّ |
نحن الحبُّ |
نحن الحبُّ |
ما كذَب الهوى قسما ً |
ولا كذَبتْ يدان تحوِّطان الشمسْ |
جاءت على شفةٍ وشمسْ |
طلعتْ خديجة من تفاصيل الهواء فأشرقتْ |
ونمتْ على يدها القرى |
ونما الهوى أبداً |
وما كذَبَ الهوى |
كلا وما كذبتْ تراتيل القرى. |
كلا وما كذبتْ تراتيل القرى. |