معلقة عبيد بن الأبرص
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ | فَالقُطَبِيّاتُ فَالذُّنوبُ |
فَراكِسٌ فَثُعَيلِباتٌ | فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ |
فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ | لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ |
إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً | وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ |
أَرضٌ تَوارَثَها الجُدودُ | فَكُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ |
إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِكاً | وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ |
عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ | كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ |
واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ | أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ |
أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ | لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ |
أَو جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ | لِلماءِ مِن تَحتِهِ قَسيبُ |
تَصبو وَأَنَّى لَكَ التَّصابِي | أَنّى وَقَد راعَكَ المَشيبُ |
إِن تَكُ حالَت وَحُوِّلَ أَهلُها | فَلا بَديءٌ وَلا عَجيبُ |
أَو يَكُ أَقفَرَ مِنها جَوُّها | وَعادَها المَحلُ وَالجُدوبُ |
فَكُلُّ ذي نِعمَةٍ مَخلوسٌ | وَكُلُّ ذي أَمَلٍ مَكذوبُ |
وَكُلُّ ذي إِبِلٍ مَوروثٌ | وَكُلُّ ذي سَلَبٍ مَسلوبُ |
وَكُلُّ ذي غَيبَةٍ يَؤوبُ | وَغائِبُ المَوتِ لا يَؤوبُ |
أَعاقِرٌ مِثلُ ذاتِ رِحمٍ | أَم غَانِمٌ مِثلُ مَن يَخيبُ |
أَفلِحْ بِمَا شِئتَ قَد يُبلَغُ | بالضَّعفِ وَقَد يُخدَعُ الأَرِيبُ |
لاَ يَعِظُ النَّاسُ مَن لاَ يَعِظِ | الدَّهرُ وَلا يَنفَعُ التَلبيبُ |
إِلّا سَجِيّاتِ ما القُلوبِ | وَكَم يَصيرَنَّ شانِئاً حَبيبُ |
سَاعِد بِأَرضٍ تَكُونُ فِيهَا | وَلا تَقُل إِنَّنِي غَريبُ |
قَد يوصَلُ النازِحُ النائي وَقَد | يُقطَعُ ذو السُهمَةِ القَريبُ |
مَن يَسلِ النَّاسَ يَحرِموهُ | وَسائِلُ اللهِ لا يَخيبُ |
وَالمَرءُ مَا عَاشَ فِي تَكذِيبٍ | طولُ الحَياةِ لَهُ تَعذيبُ |
بَل رُبَّ ماءٍ وَرَدتُ آجِنٍ | سَبيلُهُ خائِفٌ جَديبُ |
ريشُ الحَمامِ عَلى أَرجائِهِ | لِلقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ |
قَطَعتُهُ غُدوَةً مُشيحاً | وَصاحِبي بادِنٌ خَبوبُ |
عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقارُها | كَأَنَّ حارِكَها كَثيبُ |
أَخلَفَ ما بازِلاً سَديسُها | لا حِقَّةٌ هِي وَلا نَيوبُ |
كَأَنَّها مِن حَميرِ غابٍ | جَونٌ بِصَفحَتِهِ نُدوبُ |
أَو شَبَبٌ يَحفِرُ الرُخامى | تَلُفُّهُ شَمأَلٌ هُبوبُ |
فَذاكَ عَصرٌ وَقَد أَراني | تَحمِلُني نَهدَةٌ سُرحوبُ |
مُضَبَّرٌ خَلقُها تَضبيراً | يَنشَقُّ عَن وَجهِها السَبيبُ |
زَيتِيَّةٌ ناعِمٌ عُروقُها | وَلَيِّنٌ أَسرُها رَطيبُ |
كَأَنَّها لِقوَةٌ طَلوبُ | تُخزَنُ في وَكرِها القُلوبُ |
باتَت عَلى إِرَمٍ عَذوباً | كَأَنَّها شَيخَةٌ رَقوبُ |
فَأَصبَحَت في غَداةِ قِرَّةٍ | يَسقُطُ عَن ريشِها الضَريبُ |
فَأَبصَرَت ثَعلَباً مِن ساعَةٍ | وَدونَهُ سَبسَبٌ جَديبُ |
فَنَفَضَت ريشَها وَاِنتَفَضَت | وَهيَ مِن نَهضَةٍ قَريبُ |
يَدِبُّ مِن حِسِّها دَبيباً | وَالعَينُ حِملاقُها مَقلوبُ |
فَنَهَضَت نَحوَهُ حَثيثَةً | وَحَرَدَت حَردَةً تَسيبُ |
فَاِشتالَ وَاِرتاعَ مِن حَسيسِها | وَفِعلَهُ يَفعَلُ المَذؤوبُ |
فَأَدرَكَتهُ فَطَرَّحَتهُ | وَالصَيدُ مِن تَحتِها مَكروبُ |
فَجَدَّلَتهُ فَطَرَّحَتهُ | فَكَدَّحَت وَجهَهُ الجَبوبُ |
يَضغو وَمِخلَبُها في دَفِّهِ | لا بُدَّ حَيزومُهُ مَنقوبُ |