الليل حيثُ حللن فيه نهارُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
الليل حيثُ حللن فيه نهارُ | فلذا ليالي وصلهنَّ قصارُ |
يا صاح أبصر في السراب ظواعناً | كالدرِّ يطفو فوقه التيارُ |
تقف العيونُ إذا وقفنَ وأينما | دارت بهنَّ العيسُ فهي تدار |
أرأيتَ من عنِّفت فيه فقال لي | أمَّا الوجوهُ فإنها أقمار |
فاسفح بنجد ماء عينك إنما | للعامريّة كل نجد دار |
ولها به من كلّ ماء مشربٌ | وبكلّ مسقط مزنة ٍ آثارُ |
قوم إذا ما المزنُ طنَّب طنبوا | أو سار نحو ديارِ قوم ساروا |
فتوقَّ أعينَ عامر وسيوفها | كلٌّ وجدك صارمٌ بتار |
إياك إياك العيونَ فإنها | قضُبٌ وأشفارُ الجفون شفارُ |
لم أدر إذ ودّعنني أمقبّل | لحلاوة في الرّيق أم مشتار |
ألبسنني سربالَ ضمٍّ ما له | إلا رؤوسُ نهودها أزرار |
أجني الرُّضاب من الغصون وحبذا | وتلك الغصونُ وحبّذا الأثمار |
في روضة ٍ جمعت لمرتاد الصّبا | أمراً يحلُّ لمثله ويُسار |
بوجوههن ووشيهنَّ ونورها | إن الثلاثة َ عندك النّوار |
إن أظلمت قطعُ الرّياض أضالها | نوّارُها فكأنها الأنوار |
وتمازجت حتى كأنّ قطينها | مما تضمّنَ نبتُ أرض قار |
من كلّ بدرٍ يستسر زمانه | ولكلِّ بدرٍ مطلعٌ وسرار |
لا يرتجى درك لثأري عنده | جرح الحداءة والمهاة جبار |
في طرفها يقضي غرارٌ من كرى ً | ولكل ماضي الشّفرتين غرار |
أوليت طرفك ناشبٌ أم سائف | أم نافثٌ للسحر أم خمار |
قد كنت أعذلُ في الهوى قدماً وقد | يرمي الطبيب بغير ما يختار |
خضتُ الأمور وعمتُ في غمراتها | ومن الأمور مخائض وغمار |
فرأيت دهري قد يضيءُ وليس من | شأن الزمان الضوء والإسفار |
وصحوت من سكر الصبا ولربما | يعتادني في الحين منهُ خُمار |
وحصرتُ نفسي بالعفاف عن التي | تصمُ الكريمَ وفي العفاف حصار |
فظفرت من كفّ المظفّر بالمنى | إذ ساعدت بلقائه الأقدار |
ملكٌ له مننٌ تملكني بها | وبمثلها يتملك الأحرار |
أضحى مقرَّاً للضيوف وماله | ضيفٌ وليس لهُ لديه قرار |
ينبيك عنهُ ولو تنكّر بشرهُ | إن البشاشة للكريم شعار |
جمع الإله لهُ العلى وبه كما | جُمعت بطرف الرّقدة الأشفار |
فالوجهُ بدرٌ والعزيمة ُ صارمٌ | والكفُّ برٌّ والبنان بحار |
يعدي اللئيمَ بجوده فلو انه | حجرٌ جرت في عرضه الأنهار |
ما طرّز القرطاسَ إلا طرزّت | أيدي العدى مهجاً عليه تمار |
وتمجُّ في قرطاسهِ أقلامهُ | ظلماً مواقع نقسها أنوار |
فصريرها في سمعنا من حسنه | نغمٌ وفي سمع الأعادي نار |
تقصُ الليوثَ الغُلب وهي ضعائف | وتطولُ سمرَ الخطّ وهي قصار |
إن المخالب في يدي ليث الشّرى | قضبٌ وفي يد غيره أظفار |
ما كل من حمدتهُ كابن عليٍّ ال | أقلام يحمدهُ القنا الخطار |
هلاّ سالتَ بني كلاب بأسهُ | والنقعُ بين الجحفلين مثار |
والبيضُ تطفو في الدماء كأنها | حببٌ ومسفوح الدماء عقار |
تهدي الأسنة ُ كلّ رمح طائش | لنحورهم فكأنها أبصار |
زرعوا وقد حصدوا فإن يتعرّضوا | أخرى فهذا المهر والمضمار |
كرّوا فلم ينفعهم إقدامهم | ومضوا فلم ينفعهم الإدبار |
وقفلتَ عنهم غانماً وقلوبهم | فيها لخوفك عسكرٌ جرّار |
قد حار شعري في علاك كأنها | شمسٌ وطرفُ المرء ثمَّ يحار |
فافرج أبا الفرج الخُطوبَ فقد غدت | وصروفها سور عليَّ يدار |
يخفي الزمانُ فضائلي فكأنني | وكأنها في قلبه إضمار |
لم أخفَ إلا للعلوّ وإنما | تخطي السهى لعلوّه الأبصار |
نفديك من غير الزمان ولم تزل | بفداءِ مثلك تُذخرُ الأعمار |