حازكِ البينُ حين أصبحت بدراً
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
حازكِ البينُ حين أصبحت بدراً | إن للبدر في التنقُّل عذرا |
فارحلي إن أردتِ أو فأقيمي | أعظم الله للهوى فيَّ أجرا |
لا تقولي لقاؤُنا بعد عشر | لستُ ممن يعيشُ بعدكِ عشرا |
كلما قلتُ قد تنكّر َقلبي | من هوى خلّة ٍ تعلَّقَ أخرى |
همُّهُ كلّ غادة ٍ يشبه اللؤُ | لؤُ منها لوناً ولفظاً وثغرا |
ذات وجه يجلو لك الشمس وهناً | تحت فرع يُدجى لك الليل ظهرا |
حدرَ الدمعُ كحلها فوقَ خدٍّ | كان طرساً في الحسن والدمع سطرا |
إنّ يومَ الفراق غيرُ حميدٍ | ردَّ جزع العيون بالدمع دُرّا |
منع الغمض حين أمسى وأضحى | سالكاً بين كل جفنين بحرا |
كل جفن يرى أخاهُولا يس | طيعَ خوضاً ولا يصادف عبرا |
ولعهدي بعاذل لي فيها | ظلَّ يوم الفراق ينشُد صبرا |
سائلاً سائلَ المدامع لما | نهرتهُ أجرى لهُ النهر نهرا |
إنّ خُلفَ الميعاد منك طباعٌ | فعدينا إذ تفضَّلتِ هجرا |
وسقامُ الجفون أسقمني في | ك فليت الجفونَ تبرا فأبرا |
هل أعارت خيالك الريح ظهراً | فهو يغدو شهراً ويرتاح شهرا |
زارني في دمشق من أرض نجدٍ | لك طيف أسرى ففكك أسرى |
فاجتلينا بدورَ نجدٍ بأرض ال | شام بعد الهدوّ بدراً فبدرا |
وأراد الخيال لثمي فصير | تُ لثامي دون المراشفِ سترا |
فاصرفي الكأس من رضابك عني | حاشَ لله أن أرَشَّف خمرا |
ولو أن الرضابَ غيرُ مدامٍ | لم تكوني في حالة ِ الصّحو سكرى |
قد كفانا الخيالُ منك ولو زر | تِ لأصبحتُ مثل طيفك ذكرا |
قد قطعتُ الزمان عوماً وخوضاً | وجرعتُ الخطوب حلواً ومراً |
وتبينتُ الدهر حتى لو ارتا | بَ بأمر شفيتهُ منهُ خبرا |
فإذا العيشُ في الغنى فإذا فات | ك فالحظْ بعينيك العيشَ شزرا |
عدَّ ذا الفقرَ ميِّتاً وكساهُ | كفناً بالياً ومأواهُ قبرا |
وإذا شئت معدناً من نضار | فاشهرِ البتر إن في البتر تبرا |
واجنب الخيل فوق كل نجاة ٍ | تكتسي بالسراب طوراً وتعرا |
كلما مرّت الركابُ بأرضٍ | كتبت أسطراً من الدّم حمرا |
ثم أتبعتها الحوافرَ نقطاً | فغدت تنقري لمن ليس يقرا |
تتبارى بكلِّ خبتٍ رحيب | يشبه ابن الحسين خلقاً وصدرا |
لو تكلّفنهُ خيالات حبٍّ | أصبحت بينهُ لواغبَ حسرى |
فإذا قابلت محمداً العيس | فقبّل مناسمَ العيس شكرا |
إنّ أمراً حدا إليهِ ركابي | هو بي محسنٌ ولو كان شرا |
من إذا شمتَ وجههُ بعد عسر | قلبَ اللهُ ذلك العسرَ يسرا |
وإذا قلَّ نيلهُ كان بحراً | وإذا ضاقَ صدرهُ كان برّا |
وإذا فاض في نوالٍ وبأس | غرّق الخافقين نفعاً وضرّا |
بأس من يأمن المنية في الحرب | وجدوى من ليس يحذرُ فقرا |
ملكٌ بشرهُ يبشِّرُ راجي | هِ وللغيث قبل يمطرُ بشرى |
عبّر البشر منهُ عن عتق أصل | إن في الصارم العتيق لأثرا |
صحّة من ولادة ٍ عنونتهُ | بحروف من النّبوة تقرا |
فلهُ رؤية ٌ تقود إليهِ | طاعة العالمين طوعاً وقسرا |
هو بعض النبيّ والله قد صا | غ جميع النبي والبعض طهرا |
وابن بنت النبي مشبههُ عل | ماً وحلماً واسماً وسراً وجهرا |
نسب ليس فيه إلا نبيٌّ | أو إمامٌ من العيوب معرّى |
ضمنت راحتاهُ جوداً معيناً | فهو يزدادُ حين ينزح عذرا |
يتبع الرمح أمره إن عش | رين ذراعاً بالرأي تخدم شبرا |
ولديه دنياً لمن رام دنيا | ولديه أُخرى لمن رام أُخرى |
قسمت باعهُ العلا فغدى لل | يُمن يمنى منهُ ولليسر يسرى |
أقفل الحلم سمعهُ عن قبيح | إن في أكثر الوقار لوقرا |
مستبد إذا استمدّ برأيٍ | يترك الليل بالإضاءة فجرا |
وإذا راش بالأنامل منهُ | قلماً واستمدَّ ساءَ وضرَّا |
قلم دبَّر الأقاليمَ حتى | قال فيه أهل التناسخ إمرا |
مدت العمر مدّة منه في السلم | وأخرى في الحرب تبترُ عمرا |
وترى في شباته الرُّزء والرز | ق وفيها البوارُ والبرُّ مجرى |
ظفراً في يد الأماني تلقاهُ | وتلقاهُ للمنيّة ظفرا |
لا تقيم الأموالُ عندك يوماً | فإلى كم يكون مالك سفرا |
أنصف المال من نوالك يا منْ | بيديه أمر المظالم طرّا |
حرتَ في بذله وأحكامك العدل | فإن كان قد أساءَ فغفرا |
ترتقي الدّست والمنابرَ والخي | ل فتختالُ كلُّها بك كبرا |
لو جرت في المنابر الروحُ ظلت | من سواكم عيدانها تتبرّا |
كلما اعتاق همتي بحرُ يأسٍ | مدَّ من فوقهِ رجاؤك جسرا |
والتقى بي في كل أرضٍ ثناء | لك أهدى من النجوم وأسرى |
وعجيبٌ أنّي اعتمدت بنظمي | أحسن العالمين نظماً ونثرا |
فكأني حبوتُ داودَ درعاً | بعدما ليَّنَ الحديد وأجرى |
ومن الشعر في الحضيض حضيضٌ | ومن الشعر في الكواكب شعرى |
وادّعائي للنّقد عندك لغوٌ | أنت أهدى لما يقال وأدرى |
أنت بحرُ الندى فلا زلتَ مدّاً | لا رأينا بساحل لك جزرا |