أترى الكنانة كيف تعبث بالدم
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أترى الكنانة كيف تعبث بالدم | الله للشهداء إن لم ترحم |
أدنى المراتب في الصبابة عندها | تلف المحب وطول وجد المغرم |
تزجي تحيتها فيكذب دونها | أمل الملول ومطمع المتبرم |
ضل امرؤٌ قتلته مصر فلم يصن | عهد الولي لها وحق المنعم |
معشوقة ٌ يجري مع الدم حبها | في قلب نصرانيها والمسلم |
المستبد بنا يريد فنرتضي | ويسومنا خوض الحتوف فنرتمي |
الآخذ الشهداء أخذ مناجزٍ | والمستبيح دم الشهيد الأعظم |
بعثته مصر مجاهداً ورمت به | فرمت بجيشٍ للفتوح عرمرم |
خاض الغمار يهد كل كتيبة ٍ | ويهز رايات الكمي المعلم |
متجرداً لله يطلب حقه | ويقيم جانب شعبه المتهدم |
فإذا القياصر بالأرائك تتقي | وإذا الأرائك بالقياصر تحتمي |
كلٌ له فزعٌ وكلٌ جازعٌ | يبغي القرار ولا قرار لمجرم |
الظلم أجمع والأساءة كلها | بغي القوي على الضعيف المرغم |
ومن البلية أن يقال لأمة ٍ | تبغي الحياة حذار أن تتقدمي |
أعدى الذئاب على الممالك من يرى | أن الشعوب فريسة المتهجم |
ويرى الشرائع في عظيم جلالها | سيف المغير ومخلب المتحكم |
قل للحضارة بعد حكم دعاتها | برئت دعاتك منك إن لم تظلمي |
زولي فإن رمت البقاء لحاجة ٍ | تبغين بعد قضاءها قتلثمي |
هل تملكين من الحياة علالة ً | أم تأخذين من الحفاظ بميسم |
كوني كعهدك بين قومك إنهم | تركوك غرقى في الحديد وفي الدم |
مضت الحضارة في جلال حماتها | ومضوا بأبهة الزمان الأقدم |
الرافعين من الممالك شأوها | البالغين بها مكان الأنجم |
المتقين الله في ضعفائها | المانعين حمى الذليل المسلم |
الجامعين على الهداية أهلها | الصادعين غياهب الزمن العمى |
الممطرين الأرض عدلاً كلها | المنبتين بها كبار الأنعم |
في دولة ٍ لله عالية الذرى | دعمت بآيات الكتاب المحكم |
سطع الزمان بها وحم قضاؤها | فرمى الممالك بالزمان المظلم |
يضربن في سبل الغواية والعمى | لا يهتدين إلى السبيل الأقوم |
شعبٌ على شعبٍ يجور وأمة ٌ | تلقي على أخرى مخالب ضيغم |
يشكو الجريح إلى الجريح وجهده | بث الأسى وتوجع المتألم |
فالأرض تسبح في زلازل رجفٍ | والجو يغرق في صواعق رجم |
مهلاً دعاة العدل في الأمم التي | صاح الغزاة بشلوها المتقسم |
نكيت بكم وأصابها من ظلمكم | بطش العسوف وغضبة المتهضم |
هجتم عليها الحادثات ملحة ً | تلوي بأعراف الجمال الجشم |
ردوا الأسنة عن حشاشة أمة ٍ | غضبى الفتوح إلى الأسنة تنتمي |
زأرت فروعت الشعوب وإنما | ذكرت مفاخر عهدها المنصرم |
بعثت إلى أمم السلام رسولها | فأثارها كالمارج المتضرم |
حرباً على المتمردين شديدة ً | ترمي بأسراب المنايا الحوم |
جوالة الغمرات دائبة القوى | تأتي وتذهب بالقضاء المبرم |
هزت يمين محمدٍ بلوائها | ركن السماك وطوحت بالمرزم |
حتى إذا هم الأمين بنفسه | دفع اللواء إليه غير مذمم |
يا سيد الشهداء بعد رفيقه | أرضيت ربك في جهادك فاغنم |
ليس الذي بدأ الجهاد فلم يمت | إلا كبادئ حجة ٍ لم تحتم |
والناس في شرف الحياة وعزها | ضدان من ماضٍ وآخر محجم |
وأجل ما رزق الرجال همامة ً | تنفي عرام المطلب المتجهم |
تتجشم الصعب المخوف وعندها | أن المنية مركب المتجشم |
مأوى الممالك والشعوب ومالهم | وصفوك ظلماً بالغريب المعدم |
لك من يقينك ثروة ٌ إن قدرت | قيست كنوز العالمين بدرهم |
إيمان ذي الإيمان أعظم ثروة ٍ | ويقين ذي الوجدان أفضل منجم |
ضج النعاة فضج كل موحدٍ | وارتج ما بين الحطيم وزمزم |
وتلفتت مصر لتنظر ما جنت | برلين من حدثٍ عميم المأتم |
صدعت ببرقٍ كالصواعق هائلٍ | ورمت بطيرٍ في المشارق أشأم |
واستأثرت بك وهي تعرف ضيفها | عرفان محتفل بمثلك مكرم |
برلين لا تدعي لضيفك حاجة ً | إلا انبعثت لها بغير تلوم |
إن يغتبط بك لا يضع لك قومه | حق الحفي ولا يد المتكرم |
أرأيت مطمع فاتحٍ لم ينقلب | وشهدت مصرع فارسٍ لم يهزم |
لا تجحديه على التغرب حقه | فإذا جهلت مكانه فتعلمي |
إن كنت ملء الجحفلين فإنه | ملء الأسنة والظبى والأسهم |
مصر اللبانة لا أصابك ما بها | من مأتمٍ جللٍ وعيشٍ علقم |
سئمت مصابرة الخطوب ومن يكن | غرض الحوادث كل يومٍ يسأم |
ظمآى إلى ورد الحياة فإن ترد | ترد المنية في لعاب الأرقم |
وإذا الممالك أشرقت أجواؤها | نكيت جوانبها بجو أقتم |
خطر المهب يموج في متنفسٍ | يرمي بآجال النفوس مسمم |
يستعصم الحر الأبي وقد مشى | عزريل بين جوانح المستعصم |
بعثوا بصاحبهم يسائل مالنا | فثوى بمنزلة الأصم الأبكم |
يبغي البيان وقد مضى مأثوره | ومن القضاء بيان ما لم يكتم |
إن الحديث لو استطعنا منعه | حولين موصولين لم نتكلم |
يا مصر حسبك ما رضيت من الأذى | وبرئت من ماضيك إن لم تنقم |
ذهبت عهود المستبد ذميمة ً | ومضى زمان العاجز المستسلم |
إن التي رمت الممالك باعدت | بين المضاجع والشعوب النوم |
الأرض تركض بالشعوب حثيثة ً | فامشي على آثارها وترسمي |
إن كان قيدك لم يحل فإنه | خلق المريب وشيمة المتوهم |
سيري فما بك غير تلك ولا بنا | إلا مراقبة العدى واللوم |
يا نازحاً لم نقض حق بلائه | الله جارك فاغتبط وتنعم |
وانقض همومك عن فؤادك إننا | نلقى الهموم بكل أغلب أضخم |
إن المناكب والنفوس بأسرها | لفداء مصر من المهم المؤلم |
ماذا حفظت لأهلها من حرمة ٍ | وقضيت من حق عليك محتم |
حيتك مصر على البعاد فحيها | ودعت مسلمة ً عليك فسلم |
جاوزت حسن الصنع في خدامها | وكفيت سوء الذكر من لم يخدم |
كذب المضلل لن ينالك سعيه | إلا إذا نال السماء بسلم |
أقسمت مالك في جهادك مشبه | والحر مؤتمنٌ وإن لم يقسم |
ما زلت تسرف في المغارم دائباً | حتى جعلت النفس آخر مغرم |
أي القواضب بعدما قطع الظبي | ولوى الأسنة في الوغى لم يثلم |
رددت صوتي في الرثاء وإنما | رددت من صوت الكنانة في فمي |
حيتك في الملأ العلي وأزلفت | حور الجنان إليك شعر محرم |
أسفي لأوبة راحلٍ لم تقضها | عدة المنى وتحية ٍ لم تنظم |