زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
زارَتْ وقَدْ صَرَفَ العِنانَ الغَيْهَبُ | والصُّبْحُ يُنشر منه بَنْدٌ مُذْهَبُ |
والزَّهْرُ في نَهْر المجرَّة ِ بعضها | يطْفو بِصِفْحَتِها وبعضٌ يَرْسُبُ |
وكأنما الفَلَكُ المُكَوْكَبُ غادة ٌ | زُفَّت وحَلَّ لها الحُلِيّ المَغْرِبُ |
والدَّوْحُ صلَّى بالتَّحيات التي | ألْقَى بمَسْمَعِهِ النَّسيمُ الطَّيب |
والطَّيرُ قد نَفَضَ الجناحَ مُؤذّنا | والوُرْقُ تَتْلُو والبلابِلُ تَخْطُب |
بِكْرٌ من الحيّ الحلال ببابل | تُنْمَى إلى هارُوتِهِ إذْ تُنْسَب |
محْجوبَة ٌ في خَدْرِ طِرْسٍ دُونها | للحُسْنِ من غُرِّ المعاني مَرْكَبُ |
ممْنوعَة ُ الأبياتِ بالبيضِ الظّبا | فالنّجْمُ للطُّرَّاقِ منها أقْرَب |
ألباب ربّاتُ الحِجالِ بلِ الحِجا | كيف اهْتَدَيْتَ وما اسْتبانَ المذْهبُ |
قد كُنْتُ أقْنَعُ منك في سِنة ِ الكَرى | بالطَّيفِ فضلا عن مزارِ يَقْرُب |
ويئسْتُ إذ عاقَتْكَ أحراسُ العِدا | عن زَوْرتي وتألَّفوا وتألَّبوا |
تالله لو أرسلتَ طيفَكَ لانْثَنى | خَوْفَ القواطِعِ خائفا يترقَّبُ |
فأبيْتَ إلا أن تُبَرِّدَ غُلّة ً | لو عُلِّلَتْ بالبحْرِ كانت تَلْهَبُ |
فَرَغَ الإلاهُ عن الحُظوظِ فَعَدِّ عن | حظٍ تَكِدُّ له فحظُّك يطلبُ |
قسماً بِمُهْديك الذي أنوارُه | كالشمسِ إلا أنها لا تَغْربُ |
لنَعَشت مني مُهْجة ً مَطْلُولة ً | وأنلْتني فوقَ الذي أنا أطلبُ |
إيهٍ أبا حسَنٍ بأي عبارة | أثْنِي على عُلْياكَ عَزَّ المطلبُ |
طَوَّقتني منها قِلادَة مَفْخرٍ | في مثلها باغي المكارِمِ يَرْغَبُ |
هذا وكم لك منْ يدٍ مَشفُوعة ٍ | لا يسْتَقلُّ بحمْلِها لي مَنْكِبُ |
وإليكَها كالبَحْر قِيسَ بمذْنَبٍ | والشمسُ نازَعَها الضِّياءَ الكَوْكَبُ |
وتوَخَّني بالعُذْرِ إنَّ قريحتي | كالضَّرْع جفَّ وشحَّ مما يُحْلبُ |
أمَّا دُعاؤكَ لي فعِلْمي أنَّه | ما إنْ له إلا العِنايَة َ مُوجِب |
والوقْتُ فيه للقَبُولِ مَظِنَّة ٌ | وبِساطُ حالِ الوقتِ عنه يُعْربُ |
هذا جنًى غَرَسَتْه كفُّ رِضاكَ لي | فهَصَرْتُه وهو الكثيرُ الأطْيَبُ |
ونَتِجَة ٌ قَدَّمْتُ عند قِياسها | ما يوجب الإحسانَ لا ما يَسْلُبُ |
لكنْ غَدَوْت برغم أنفي قاعِدا | والدّمعُ من عيني يفيضُ ويَسْكُبُ |
وتنازعَ القَصْدانِ عَزْمي عندها | فالضّعفُ يُمْسك والتَّشوُّقَ يَجْذبُ |
والعزْمُ بين المقصِدَين مُرَدَّدٌ | والقلبُ بين الحالتينِ مُذَبْذَبُ |
ولو أنني ألْفيَتُ طِرْفاً يُرْتَضى | للفَرِّ والتأويلُ فيه يُجَنَّبُ |
وإذا تَبَيَّنَتِ المقاصِدُ لم يكن | فيها أخو جِدٍّ كمن هو يلْعبُ |
لبذلتُ فيه كلّ ما مَلكَتْ يدي | وحثَثْتُه للحرْبِ فيما أحْسِبُ |
وهزَزْتُ فيه كلّ أسمَرَ ذابلٍ | يشْقَى بطَعْنتِه العدُوُّ الأصهَبُ |
ما بِنْتُ عنه لفَرْطِ جبنٍ فاضِحٍ | كلا فما قلبي لذُعْرٍ يَنْحَبُ |
والحتْفُ غاية ُ من يرُوحُ ويغتدي | فإذا فررْتَ إليه منه المهْرَبُ |
وحَذَرْتَ لي عُقْبى القطيعة جاهداً | وهي الطَّريقة ُ والسَّبيلُ الأصْوبُ |
لكن لديَّ فراسة ٌ معضْودَة ٌ | فإذا ظَننْتُ فإنها لا تكْذِبُ |
والشّرْعُ يعتبرُ الظُّنونَ وسيما | ظنٌّ يكادٌ الحقُّ فيه يَغْلبُ |
كِلْني لعلمي في صحابي إنني | بهِمُ خبيرٌ ماهرٌ ومُجَرِّبُ |
لك ظاهِرٌ منهم حَكَمْتَ به ولي | منهُم بواطِنٌ عن عِيانِك غُيَّبُ |
سِيانِ منهم واصلٌ أو هاجِرٌ | أو عاذِرٌ أو عاذِلٌ ومُؤنِّبُ |
مهما جفاني صاحِبٌ في الناس لي | سَعة ٌ وفي عرْضِ البسيطة ِ مَذْهبُ |
لا تسْتَقِرُّ على التّنافُس صُحْبَة ٌ | وموَدّة ُ الأكفاءِ أمرٌ يَصْعُب |
والماءُ إن ألف الثَّواء تغيَّرتْ | أوصافُه وعلا عليه الطُّحْلُبُ |
إنّ الصّداقة َ لفْظة ٌ مدْلُولها | في الدّهْرِ كالعنْقاءِ بل هو أغْربُ |
كم فضّة ٍ فُضَّتْ وكم من ضَيْعة ٍ | ضاعت وكم ذهبٍ رأينا يَذْهبُ |
إلا الصداقَة َ فهي ذُخْرٌ خالدٌ | أسْمى وأسْنى ما اكْتَسَبْتَ وتَكْسِبُ |
وإذا رَضِيَت وقد رَضِيتَ فليس لي | عِلْمٌ بمن يرضى ومن يغْضَب |
وإذا بَقيتَ فلستُ أبكي مَنْ مَضَى | لم لا وأنت الأهلُ عِنْدي والأبُ |
أمحلَ والدي الذي لجَنابِه | آوي وفي مَرْضاتِهِ أتَقَلَّبُ |
خيَّرتَني بين المُقام أو السُّرى | والأمرُ يُفْصِحُ بالمسير ويُعْرِب |
فترجَّحَ العزْمُ الحثيثُ وساقِطٌ | حُكْمُ الإباحة ِ ما اسْتبانَ الأوجب |
ووعَدَت بالعذْرِ الجميلِ وإنني | لأخافُ من يَبْغي عليَّ ويَعْتِبُ |
نَبهَت لمَّا نِمْتُ عنك مُؤمَّلا | يُرْدِي الأعادي منك ماضٍ مُقْضِب |
فامدُدْ لها كُفّا بُنَيَّة ساعة ٍ | لكن أبوها دونَ فَخْرٍ مُنْجِب |
وإذا أتَتْكَ عشية ً فامْدُدْ لها | عَرَضْتَ لنا أصلا فقلنا الرَّبرب |