هَل غَيْرُ ظِلِّكَ لِلْعُفاة ِ مَقِيلُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
هَل غَيْرُ ظِلِّكَ لِلْعُفاة ِ مَقِيلُ | أَمْ غَيْرُ عَفْوِكَ لِلْجُناة ِ مُقِيلُ |
شرفَ المعالي ظلتَ مفتوناً بها | فَوُعُورُها أَبَداً عَلَيْكَ سُهُولُ |
وَخُلِقْتَ مُعْتَلِياً عَلَى الرُّتَبِ الْعُلى | فعظيمُ ما في ناظريكَ ضئيلُ |
ما كانَ مثلكَ قطُّ في جيلٍ مضى | فَلْيَفْخَرَنْ ما شاءَ هذَا الْجيِلُ |
كمْ في سيوفكَ آية ٌ قدْ غادرتْ | متألِّهاً منْ رأيهُ التَّعطيلُ |
بِيضٌ حَقَنَّ مِنَ الدِّماءِ حَرَامَها | وحلالُها بشفارها مطلولُ |
خافَتْ عَوَادِيَكَ الْمُلُوكُ فَرُسْلُها | عنْ رهبة ٍ أبداً إليكَ مثولُ |
وَلَطالَما زَادَ التَّخَوُّفُ فَالْتَقى | بجنابِ ملككَ مرسلٌ وسولُ |
تأتيكَ طائعة ً إذا استدعيتها | وَلَها إِذا لَمْ تَدْعُها تطِفيلُ |
ألهى عدوَّكَ عنكَ لحظة ُ ناظرٍ | وَشُهُودُ بِشْرِكَ بِالنَّوَالِ عُدُولُ |
بشرٌ تكفَّلَ بالغنى إيماضهُ | ما كلُّ برقٍ بالذَّهابِ كفيلُ |
ويدٌ ترى أموالها بنوالها | جُمَلاً تَوَلّى هَدْمَها التَّفْصِيلُ |
فالنُّجحُ يا سيفَ الخلافة ِ معوزٌ | حَتَّى يُناخَ بِبابِكَ التَّأْمِيلُ |
حرمٌ لإكرامِ الوفودِ مؤهَّلٌ | ففناؤهُ أبداً بهمْ مأهولُ |
وَالظَّاعِنُونَ مُواصِلُوكَ يَدَ النَّدى | حتّى كأنَّهمُ لديكَ نزولُ |
مجدٌ بحيثُ تحلُّ ليسَ بنازحٍ | وحديثهُ في الخافقينَ يجولُ |
فَهَلِ الرِّياحُ حَمَلْنَ ذِكْرَكَ فَاسْتَوى | عَرْضُ الْبَسِيطَة ِ عِنْدَهُ وَالطُّولُ |
أخجلتَ منهمرَ الحيا بمكارمٍ | يُخْبِرْنَ أَنَّكَ لِلْكِرامِ سَلِيلُ |
ثَمَرُ الْغُصُونِ تُبِينُ عَنْ أَعْرَاقِها | أَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْغُيُوثِ سُيُولُ |
ما مَجْدُ قَوْمِكَ غامِضاً وَجَمِيعُ ما | تأتيهِ منْ حسنٍ لهُ تأويلُ |
لا كالَّذي إنْ عدَّ يوماً فخرهُ | فعلى مآثرِ أوَّليهِ يحيلُ |
بَلَغَتْ بِكَ الْأَمَدَ الْبَعِيدِ فَضائِلٌ | لأَقِلّهَا يُسْتَوْجَبُ التَّفْضِيلُ |
منها لدى سوقِ الثَّناءِ بضائعٌ | حلَّتْ وفي سوقِ العفاة ِ كبولُ |
وَأَرى الَّذي أَدْرَكْتَ وَهْوَ الْمُنْتَهى | مُسْتَصْغَراً فِيما إِلَيْهِ تَؤُولُ |
كمْ قدْ فصلتَ بلحظة ٍ وبلفظة ٍ | ما الخطبُ يقصرُ عنهُ وهوَ طويلُ |
سَعْيٌ تَبَتَّلَ لِلسُّموِّ وَهَيْبَة ٌ | سلمتْ منَ الأكفاءِ فهيَ بتولُ |
ضَمَّنْتَها أَنْ لاَ تَخافَ وَإِنْ نَأَى | عَنْكَ الصَّرِيخُ فَلاَ يُخافُ سَبِيلُ |
شَرُفَتْ بِوَطْئِكَ أَرْضُنا فَبِوَاجِبٍ | أَنْ يُسْتَقَلَّ لِتُرْبِها التَّقْبِيلُ |
فَدِمَشْقُ لَيْسَ لها نَظِيرٌ فِي الدُّنا | وَكَذَاكَ مالَكَ فِي الْمُلُوكِ عَدِيلُ |
ظلَّتْ ترجِّي أنْ تعنَّ إقامة ٌ | حيناً وتخشى أنْ يعنَّ رحيلُ |
وَجَمِيعُ ما تَحْوِي تَبَاعَدَ أَوْ دَنا | ما لِلْخُطُوبِ يَدٌ إِلَيْهِ تَطُولُ |
نكَّلتَ بالأحداثِ لمَّا أنْ عدتْ | فلصرفها عمَّا حميتَ نكولُ |
فَأَقِمْ فَذِكْرُكَ لِلْعَوَاصِمِ عِصْمَة ٌ | يُخشى وَإِنْ بَعُدَ الْهِزَبْرُ الْغِيلُ |
رُعْتَ الْقُلُوبَ وَظَلَّ ما قُلِّدْتَهُ | في جفنهِ وكأنَّهُ مسلولُ |
سيفٌ يميتُ ولا يعاودُ غمدهُ | حتّى تموتَ ضغائنٌ وذحولُ |
إنْ غيركَ اتَّخذَ الدِّلاصَ مذيَّلاً | فَرَقاً فَإِنَّكَ لِلدِّلاَصِ مُذِيلُ |
يا منْ قواضبهُ تشايعُ عزمهُ | وَلِأَجْلِ ذَاكَ تَصِلُّ حِينَ يَصُولُ |
ما دُونَ أَمْرِكَ فِي الْمَمَالِكِ حَاجِزٌ | قلْ ما تشاءُ فإنَّهُ مفعولُ |
وانشرْ على أرضِ العراقِ سحائباً | |
أمطارهنَّ دمُ العدى وبروقها | لَمْعُ الصَّوَارِمِ وَکلُّرعُودُ صَلِيلُ |
فلعلَّ دجلة َ أنْ توسَّطَ ملكَ منْ | حَفَّ الْفُرَاتُ بِمُلْكِهِ وَالنِّيلُ |
أَبَنِي نُمَيْرٍ مَا الْجَزِيرَة ُ مَعْقِلاً | إنْ زارها منْ ذي الجيوشِ رعيلُ |
لا يضمرنَّ سفيهكمْ برضاكمُ | غدراً فأمُّ الغادرينَ ثكولُ |
فَلَقَدْ أَرَدْتُمْ نَصْرَ نَصْرٍ ضَلَّة ً | وَالْحَقُّ يُقْسِمُ أَنَّهُ مَخْذُولُ |
كانَتْ سُيُوفُكُمُ بَوَارِقَ زِبْرِجٍ | أَجْلى عَنِ الْكَعْبِيِّ وَهْوَ قَتيِلُ |
أتخونكمْ عندَ اللِّقاءِ صوارمٌ | وَتَخُونُكُمْ بَعْدَ الفِرارِ عُقُولُ |
منْ لمْ يرعهُ الهولُ وهوَ بعينهِ | لَمْ يَثْنِهِ عَنْ عَزْمِهِ التَّهْوِيلُ |
هلْ يستعدُّ الخفَّ عبئاً مثقلاً | منْ يستخفُّ العبءَ وهوَ ثقيلُ |
فَتَجَنَّبُوا سَرْح الْمُظَفَّرِ إِنَّهُ | نَعَمٌ بِأَشْطَانِ الْقَنَا مَعْقُولُ |
أو فارقبوا وشكَ الرَّدى في عزمة ٍ | بَيْنَ الْعَزَائِمِ وَالْقُلُوبِ تَحُولُ |
سيفيَّة ٍ عضديَّة ٍ شرفيَّة ٍ | حدُّ الزَّمانِ بحدِّها مفلولُ |
تُجْلى بِها الْأَزْمانُ وَهِيَ حَنَادِسٌ | وَيَدِقُّ فِيها الْخَطْبُ وَهْوَ جَلِيلُ |
لاَ تَأْمَنُوا رَبَّ الْجُيُوشِ إِذَا غَزَتْ | فَلَها بِهَامَاتِ الرِّجَالِ قُفُولُ |
مَنْ يَطَّبِيهِ الطِّرْفُ يَحْمِلُ فَارِساً | متلبِّباً لا الطَّرفُ وهوَ كحيلُ |
وَيَرُوقُهُ الْأَسَلُ الْمُحَطَّمُ في الْعِدى | يَوْمَ الْوَغى لاَ الْخَدُّ وَهْوَ أَسِيلُ |
ملكٌ تردّى بالمهابة ِ والنُّهى | هَذِي الْعُلى لاَ التَّاجُ وَالْإِكْلِيلُ |
ذُو الْبَأْس لَوْ فِي النَّاسِ فُضَّ يَسِيرُهُ | لاَ نْصانَ مُبْتَذَلٌ وَعَزَّ ذَلِيلُ |
وَالْجُودِ لَوْ بَلَغُوا مَدى مِعْشارِهِ | لمْ يبقَ بينَ الخافقينَ بخيلُ |
يختصُّ بالعلياءِ حينَ ينالها | ضَنّاً بِها وَيَعُمُّ حِينَ يُنِيلُ |
للهِ ما تأتي فكلُّ نباهة ٍ | تعدوكَ في ذا الخلقِ فهيَ خمولُ |
لَمَّا اشْتَكَتْ خَيْلُ الْوَغى مِن بَعْدِها | إدمانَ ركضكَ والكلامُ صهيلُ |
أَسْكَنْتها ظِلَّ الْقُصُورِ وَلَمْ تَزَلْ | مِنْ قَبْلُ فِي ظِلِّ الْوَشِيجِ تَقَيلُ |
وَمَنَحْتَها خَيْرَ الْأَنامِ مَقُودَة ً | ولها منَ النُّصحِ الصَّريحِ دليلُ |
شُقْرٌ لَوَ کنَّ اللَّيلَ أُلْبِسَ قُمْصَها | أوْ خالطتهُ لعادَ وهوَ أصيلُ |
قرنتْ بدهمٍ لونها منْ لونهِ | ونجومهُ غررٌ لها وحجولُ |
وغرائبُ الألوانِ ظلَّ مقصِّراً | عنْ وصفها التَّشبيهُ والتَّمثيلُ |
كفلتْ لها أعناقها وعروقها | بِالسَّبْقِ وَالطِّرْفُ الطَّمُوحُ رَسِيلُ |
مَعْنُونَة ٌ سِرْبٌ بِها مَطْرُودَة ٌ | متقنَّصٌ سربٌ بها مشلولُ |
طالتْ على الجردِ السَّلاهبِ بسطة ً | حَتّى ادَّعاها شَدْقَمٌ وَجَدِيلُ |
لَمْ يَكْفِها الْإِسْرَاجُ يَوْمَ بَعَثْتَها | شَرَّ الْعُيُونِ فَعَمَّها التَّجْلِيلُ |
وتجفَّلتْ مرحاً فكمْ منْ قائلٍ | أيقادُ وحشٌ أمْ تقادُ خيولُ |
أَسْلاَبُ مَنْ أَرْدَيْتَ مِنْ شُوسِ الْعِدى | ما عِنْدَ مَنْ يَسْخُو بِتِلْكَ غُلُولُ |
يا مَنْ يَذِلُّ الْمالُ عِنْدَ سُؤَالِهِ | أذلَّ السُّؤالِ وغيرهُ المسؤولُ |
إِنْ كانَ هذَا الْفَضْلُ تاجاً لِلْعُلى | فمدائحي التَّرصيعُ والتَّكليلُ |
إنِّي برغمِ عدايَ ممنوعُ الحمى | ما هَزَّ هذَا الْقَيْلَ هذَا القِيلُ |
وليَ المحامدُ لنْ يطاولَ ربُّها | حَتَّى يَطُولَ الْفاضِلَ الْمَفْضُولُ |
مَا كُنْتُ أُحْسِنُ ذَا الْمَقالَ وَإِنَّما | علَّمتني بنداكَ كيفَ أقولُ |
ذلَّلتَ لي صعبَ القوافي منعماً | فالقولُ جزلٌ والعطاءُ جزيلُ |
ما عشتَ فالأيَّامُ أعيادٌ لنا | فَرْضٌ لَها التَّعْظِيمُ وَالتَّبْجِيلُ |
فاسلمْ لدينٍ قدْ غدوتَ تحوطهُ | فَعَلَيْهِ ظِلٌّ مِنْ سُطاكَ ظَلِيلُ |
وَرَعِيَّة ٍ أَغْنَيْتَها وَحَمَيْتَها | فدعاؤها بثنائها موصولُ |
إِنَّا نَصُولُ عَلَى الْخُطُوبِ بِأَنْعُمٍ | منها بأيدينا قنى ً ونصولُ |
لاَ زِلْتَ تَحْكُمُ فِي الْأَنامِ مُخَوَّلاً | ملكاً يزولُ الدَّهرُ قبلَ يزولُ |