بكَ اقتضى الدينُ ديناً كانَ قدْ وجبا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
بكَ اقتضى الدينُ ديناً كانَ قدْ وجبا | وَأَنْجَزَ اللّهُ وَعْداً كانَ مُرتَقَباً |
فعاودَ الجدبُ خصباً وَالمباحُ حمى ً | وَالأَمْنُ مُسْتَوطِناً وَالْخَوْفُ مُغْتَرِباً |
أنارَ رأيكَ وَالأيامُ داجية ٌ | فأشرقتْ وَجلاَ تأثيركَ الكربا |
قرنتَ نوراً وَتأثيراً بمنزلة ٍ | لاَ ترْتَقى فَثَمَنْتَ السَّبْعَة َ الشُّهُبا |
ذُدْتَ الأُلى قَهَرُوا الأَمْلاَكَ وَانْتَزَعُوا | ما استحقبتهُ بأطرافِ القنا حقبا |
ضراغمٌ تفرسُ الأبطالَ شردها | عما أرادتْ هزبرٌ يفرسُ النوبا |
لقدْ حمى ملبداً أكنافَ غابتهِ | فَمَا تَظُّنُّ بِهِ الأَعْدَاءُ لَوْ وَثَبا |
جذَّ الرقابَ وَما إنْ سلَّ صارمهُ | وَاستنزلَ الخطبَ مقهوراً وَما ركبا |
وَأَمَّنَ النَّاسَ مَا خَافُوهُ مِنْ فِتَنٍ | ضَاقَ الزَّمَانُ بِأَدْنَاهَا وَإِنْ رَحُبا |
لَمْ تُغْنِ فِيهَا عَنِ الْمُثْرِينَ ثَرْوَتُهُمْ | بَلْ ذُو الْحَلِيَلَة ِ مِنْهُمْ يَحْسُدُ الْعَزَبا |
فكيفَ كشفتَ محجوباً حنادسها | وَالبدرُ لا يكشفُ الظلماءَ محتجبا |
وَلوْ يكونونَ أكفاءً برزتَ لهمْ | بُرُوزَ جَدِّكَ لَمَّا نَكَّسَ الصُّلُبا |
لكِنْ قَعَدْتَ وَأَغْرَيْتَ الْخُطُوبَ بِهِمْ | مُذَلِّلاً مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ مَا صَعُبا |
فِي أَيِّ يَوْمِ نِزَالٍ حَارَبُوكَ فَمَا | دارتْ كؤوسُ المنايا فيهمُ نخبا |
حتى مضى ملكهمْ يشكو وغى ً بلغتْ | فيهِ رضاكَ وَلمْ يبلغْ بها أربا |
شَكْوى الْجَرِيحِ الَّذِي أَعْيَتْ سَلاَمَتُهُ | لاَ مثلَ ما يتشكى الغاربُ القتبا |
وَما نجا تركمانٌ إذْ ندبتَ لهُ | مِنْ عَامِرٍ عُصَباً أَعْزِزْ بِهَا عُصَبَا |
وَلَوْ تَمَهَّلَ مُرْدِيهِ أَتَوْكَ بِهِ | إتيانَ جنَّ سليمانٍ بعرشِ سبا |
وافى بلادكَ مغتراً بمالكها | جهلاً وحيناً فلاقى دونها العطبا |
وَكانتِ التركُ بالأعرابِ جاهلة ً | حتى أتحتَ لها أنْ تعرفَ العربا |
لاَقَوْهُمُ بِرِمَاحٍ طَالَمَا انْحَطَمَتْ | وَاسْتَخْلَفَتْ في الْعِدى الْهِنْدِيَّة َ الْقُضُبا |
وَما ثَنَاها وَإِنْ أَغْمَادُها خَلِقَتْ | صوارمٌ حليتْ أغمادها ذهبا |
جحافلٌ قيضَ اللهُ البوارَ لها | منْ نكبَ الحقَّ في أحكامهِ نكبا |
وَلمْ يفتْ منهمُ إلاّ أغيلمة ٌ | نَجَتْ بِهِمْ مُقْرَباتٌ تَحْمِلُ الأُرَبا |
تنعى إلى القومِ منْ ظنوا بمقدمهِ | والْبَغْيُ مَصْرَعُهُ أَنْ يَمْلِكُوا حَلَبا |
غرابُ بينٍ صموتٌ قبلَ مقتلهِ | حتى إذا ما أتاهُ حينهُ نعبا |
رَجَوْا بِهِ الْغَايَة َ الْقُصْوى فَلا عَجَبٌ | أنِ استطارتْ عصاهمْ بعدهُ شعبا |
كَأَنَّ أَنْفُسَهُمْ أَتْباعُ مُهْجَتِهِ | وَصِدْقَ إِقْدامِهِمْ مِنْ بَعْضِ ماسُلِبَا |
وکلنَّارُ تَخْبُو إذَا مَا غَابَ مُوقِدُهَا | وَالزندُ إنْ لمْ يعنهُ القادحونَ كبا |
فليتركِ البأسُ للأولى بنسبتهِ | فالبأسُ لا شكَّ كعبيٌّ إذا انتسبا |
إنْ ضيعوا الحزمَ لما نازلوا حلبا | فَقَدْ أَصَابُوهُ لَمَّا أَزْمَعُوا هَرَبا |
غَدَاة َ وَلَّوْا عَلَى جُرْدٍ تَشُدُّ بِهِمْ | وَهُمْ يَظُنُّونَ خَوْفاً شَدَّها خَبَبا |
عَنْ هَيْبَة ٍ لَكَ لَمْ تُؤْمَنْ بَوائِقُها | لوْ أنها في الزلالِ العذبِ ما شربا |
دُونَ الْغَنِيمَة ِ أَهْوالٌ تُكَدِّرُها | وَفي الْهَزيمَة ِ مَنْجاة ٌ لِمَنْ هَرَبا |
طودٌ منَ العزَّ ما زالتْ تهبُّ بهِ | رياحُ عزمكَ حتى صيرتهُ هبا |
سموا إلى مرتقى ً صعبٍ فعاقهمُ | جدٌّ رأوا جدهمْ في جنبهِ لعبا |
وَ النجمُ ليسَ بمعلٍ نجمَ صاحبهِ | مالَمْ يُؤَيِّدْهُ جِدٌّ يَخْرُقُ الْحُجُبا |
جَماعَة ٌ عَدِمَتْ دُنْيا وَآخِرَة ً | مَاكُلُّ مَنْ سَاءَ مَحْياً ساءَ مُنْقَلَبا |
وَحَيْثُ حَلَّتْ فَما تَنْفَكُّ تُطرِقُها | جَيْشاً مِنَ الرُّعْبِ لَمْ تَسْمَعْ لَهُ لَجَبا |
كففتَ عنهمْ وَلوْ شئتَ اجتياحهمُ | لمْ تتركْ منهمُ رأساً وَ ذنبا |
فهلْ تعمدتَ بقيا أمة ٍ شهدتْ | ثباتَ جأشكَ حتى تنذرَ الغيبا |
إنْ أقلعتْ غيرُ الأيامِ راغمة ً | فَبَعْدَ أَنْ أَكْثَرَتْ مِنْ صَبْرِكَ الْعَجَبَا |
لمْ يطرقوا الشامَ إلاَّ بعدَ أنْ جمعوا | مِنَ العَشِيرَة ِ مُخْتاراً وَمُغْتَصَبا |
مكايدٌ أوهمتهمْ أنْ تكادَ بها | كانتْ لآسادهمْ عندَ النزالِ زبا |
وَنارُ حربٍ شووا فيها الورى زمناً | فحينَ قارعتهمْ صاروا لها حطبا |
بأيما سببٍ تخشى سعادتهمْ | أَنّى وَقَدْ ذَهَبَتْ في ضِمْنِ ما ذَهَبا |
أَبِالسُّيُوفِ الَّتي فَلَّلْتَ قَاطِعَها | أمْ بالقلوبِ التي أسكنتها الرعبا |
لولاَ كلابٌ لما جاستْ جيوشهمُ | هذِي البِلادَ وَلاَ مَدُّوا بِهَا طُنُبا |
رَامُوا الْمَوَدَّاتِ مِنْ أَعْدَى عُداتِهِمُ | وَذَاكَ رَأْيٌ إِلى غَيْرِ الصَّوابِ صَبا |
فقارعوا عارضاً عمتْ مواطرهُ | وَيَمَّمُوا لَمْعَ بَرْقٍ طَالَما كَذَبا |
كَطَارِدٍ إِبْلَهُ والأْرْضُ مُخْصِبَة ٌ | يَبْغِي سِبَاخاً يُرَجِّي عِنْدَهَا العُشُبا |
حَتّى إِذَا كَذَبَتْ فِيهِمْ ظُنُونُهُمُ | فَاؤُا إِلَيْكَ بِظَنٍّ جَانَبَ کلْكَذِبا |
فردَّ قربكَ عزاً كانَ منتزحاً | عنهمْ وَأطلعَ نجماً كانَ قدْ غربا |
حلوا بهِ الذروة َ العليا وَعاضهمُ | مِنَ النَّبُوِّ مَضَاءً وَالوِهَادِ رُبا |
وَصَادَفُواوَلَداً بَرَّاً بِكَهْلِهِمُ | وَلللمراهقِ منهمْ والداً حدبا |
مِنْ يُجْزِلُ العُرْفَ إِذْ يَرْجُونَهُ رَغَباً | وَيَبْذُلُ الْعَفْوَ إِذْ يَخْشَوْنَهُ رَهَبا |
إِذَا وَحى الْحِقْدُ والشَّحْنَاءُ مَا اجْتَرَمُوا | مَحَا تَجَاوُزُهُ وَالصَّفْحُ مَا كَتَبا |
وَإنْ سطا فالمنايا بعضُ أسهمهِ | وِإِنْ عَفَا خِلْتَهُ لاَ يَعْرِفُ الْغَضَبا |
منْ ردَّ ميتَ المنى حياً وَذاويها | غَضّاً وَلاَءَمَ شَعْبَ الْمُلْكِ فَانْشَعَبا |
رَبُّ الْعَزَائِمِ لَوْ كَانَتْ مُجَسَّمَة ً | لَظَنَّهَا كُلُّ طَرْفٍ نَاظِرٍ شُهُبا |
تَزْدَادُ إِنْ قَصَّرَ الْخَطِّيُ عَنْ غَرَضٍ | طُولاً وَتَمْضِي إِذَا حَدُّ الْحُسَامِ نَبا |
حلَّ السماكَ وَما حلتْ تمائمهُ | عنْ جيدهِ وَحبا العافينَ منذُ حبا |
إِنْ صَالَ كَفَّ الَّليَالي عَنْ إِرَادَتِها | قَهْراً وَإِنْ قالَ طَالَ الأْلْسُنَ الذُّرُبا |
حوى منَ الفضلِ مولوداً بلا تعبٍ | أَضْعافَ ما أَعْجَزَ الطُّلاّبَ مُكْتَسَبا |
صغا إليهِ إلى أنْ صارَ موطنهُ | فَلَوْ عَدَاهُ وَلَنْ يَعْدُوهُ ما اغْتَرَبا |
وأظْهَرَتْ غامِضَ الْمَعْنى بَديهَتَهُ | ففاتَ منْ أتعبَ الأفكارَ مقتضبا |
وراءكَ الخلقُ في فضلٍ وَفي كرمٍ | فَقُلْ لِسَعْيِكَ مَهْلاً تَرْبَحِ التَّعَبا |
وَقِفْ لِذا الأَمَدِ الأْقْصى فَإِنَّكَ مَنْ | حوى منَ المجدِ أضعافَ الذي طلبا |
مجدٌ تفردتَ يا عزَّ الملوكِ بهِ | للحمدِ مجتنياً للذمَّ مجتنبا |
إِنَّ الإِلهَ حَباكَ الْمُلْكَ مَوْهِبَة ً | مِنْهُ وَلَنْ يَسْتَرِدَّ اللّهُ ما وَهَبا |
إنْ عنَّ ذكركَ في بدوٍ وَفي حضرٍ | فدأبهمْ غضُّ أبصارٍ وَفضُّ حبا |
فَأَذْعَنَ الدَّهْرُ حّتَّى ما أَتَيْتَ أَتى | وَما أبيتَ وَإنْ سيئتْ عداكَ أبا |
إِنّي أَنَخْتُ رِكابي في ذَرى مَلِكٍ | لَمْ يُبْقِ لِي في بِلادِ اللّهِ مُضْطَّرَبا |
ما شابَ إنعامهُ منٌّ وَلا عدة ٌ | تجرُّ مطلاً فلولا البشرُ ما قطبا |
طَلْقُ الْمُحَيَّا إِذا ما زُرْتَ مَجْلِسَهُ | حزتَ العلى وَالغنى وَالجاهَ وَالأدبا |
ما زالَ يَسْمَعُ أَشْعارِي وَيَمْدَحُهَا | حتى عددتُ عطاياهُ الجسامَ ربا |
لا أستزيدكَ نعمى بعدَ وصفكَ لي | حسبي انتهائي إلى هذا المدى حسبا |
ترحتَ فضلاً وَإفضالاً فلا برحتْ | تزينُ أوصافكَ الأشعارَ وَالخطبا |
فَخْرُ الْمَدائِحِ أَنْ تُهْدَى إِلَيْكَ كَما | فَخْرُ الْفَضائِلِ أَنْ تُدْعى لَهُنَّ أَبَا |