أَنَاخَ عَلَيَّ الهَمُّ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أَنَاخَ عَلَيَّ الهَمُّ مِنْ كُلِّ جَانِبِ | بَيَاضُ عَذَارى في سَوَادِ المَطالِبِ |
وَكُنْتُ أَظُنُّ الأَرْبَعِينَ تَصُدُّهُ | فما قبلتْ فيها شهادة ُ حاسبِ |
طلبتُ الصبا منْ بعدِها فكأنمَا | علقتُ بأعجازِ النجومِ الغواربِ |
وما ساءني فقدُ الشبابِ وإنمَا | بكيتُ على شطرٍ من العمرِ ذاهبِ |
ولاَ راعني شيبُ الذوائبِ بعدهُ | وعندي همومٌ قبلَ خلقِ الذوائبِ |
وَلَكِنَّهُ وَافى وَمَا أَطْلَقَ الصِّبَا | عناني ولا قضَّى الشبابُ مآربي |
وَمَا كُنْتُ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرَ أَنَّهُ | وفَى ليَ لمَّا خانني كلُّ صاحبِ |
بَكَى النَّاسُ أَطْلالَ الدِّيَارِ وَلَيْتَني | وجدتُ دياراً للدموعِ السواكبِ |
وَقَالوا زِيَادٌ رَاحَ عَازِبَ هِمَّة ٍ | وَمَنْ لِفُؤادي بالهمُوم العَوَازِبِ |
أَأَحْبَابَنَا هَلْ تَسْمَعُونَ عَلَى النَّوَى | تَحِيَّة َ عاَن أَوْ شَكِيَّة َ عَاتِبِ |
ولوْ حملتْ ريحُ الشمالِ إليكمُ | سَلاماً طَلَبْنَا مِثْلَهُ في الجَنَائبِ |
ذكرتكمُ منْ بعدِ عشرينَ حجة ً | لَقَدْ دَرَسَتْ أَسْرَارُكُمْ في التُّرَائبِ |
وَمَا أَدَّعي أَنِّي أحِنُّ إِلَيْكُمُ | وَيَمْنَعُني الأَعْدَاء مِنْ كُلِّ جَانِبِ |
وَلا أَنا بِالمُشْتَاقِ إِنْ قُلْتُ بَيْنَنَا | طوالُ العوالي أوْ طوالُ السباسبِ |
فما لقلوبِ العاشقينَ مزية ٌ | إذَا نظرتْ أفكارُهَا في العواقبِ |
ولا الشوقُ إلاَّ في صدورٍ تعودتْ | لِقَاء الأَعادي في لِقَاءِ الحَبَائِبِ |
جَزَى الله عَنَّا العِيسَ خَيْراً فَطَالَمَا | فَرَقْتُ بِهَا بَيْني وَبَيْنَ النَّوَائِبِ |
كَفَتْنَا ثَقِيلَ الهَمِّ حَتَّى كَأَنَّمَا | رَمَيْنَا بِهِ فَوْقَ الذُّرَى وَالغَوَارِبِ |
وإنْ صدقتْ في ناصرِ الدولة ِ المنَى | فَمَا هِي إِلاَّ مِنْ أَيَادي الرَّكَائبِ |
فتى ً حارتِ الأقدارُ منْ عزماتهِ | على أنهَا معروفة ٌ بالعجائبِ |
وأدركَ أعقابَ الأمورِ بفكرهِ | كأَنَّ لَهَا عيناً عَلَى كُلِّ غَائبِ |
لَهُ نَسَبٌ كَالشَّمْسِ أَشْرَقَ نُورُهُ | عَلَى طُولِ أياَّم السِّنينِ الذَّوَاهِبِ |
إذا دجتِ الأحسابُ لاحتْ نجومهُ | ثواقبَ منْ قبلِ النجومِ الثواقبِ |
جيادكَ يومَ النيلِ ذكرنَ أهلهُ | بِمَا صَنَعَتْ أَمَّلتُها في قُبَاقِبِ |
سَقَتْ تِلْكَ أَكْنافَ المَشَارِقِ وَابِلَ | الدماءِ وجادتْ هذهِ في المغاربِ |
تَرَكْنَ دِيَاراً لا تَبين لِعَارِفِ | وَخُضْنَ بِحَاراً لا تَحِلُّ لِشَارِبِ |
وَقَدْ سَمِعُوا أَخْبَارَهَا في سِوَاهُمُ | فما قنِعُوا إلاَّ ببعضِ التجاربِ |
إذا كانَ عقلُ المرءِ أدنى خلالهِ | فمَا هوَ إلاَّ ثغرة للمصائبِ |
وَكَمْ حَبَسَ القُمْرِيَّ حُسْنُ غِنَائِه | وقيدتِ البازيَّ حجنُ المخالبِ |
طلعتَ عليهمْ والسيوفُ كأنهَا | ضرائبُ ممَّا كسرتَ في الضرائبِ |
بَقِيَّة آثارِ اللِّقَانِ وآلِسٌ | وفضلة ُ أيام الحمَى والذنائبِ |
تحدثُ عنْ تلكَ المنايا فلولهَا | وقد كتبتْ أخبارهَا في الكتائبِ |
قواضبُ إلاَّ أنهَا في أناملٍ | تَكَادُ تَقُدُّ الهَامَ قَبْلَ القَوَاضِبِ |
حميتَ بهَا سربَ الخلافة ِ بعدَ ما | تَرَامَتْ بِهِ أَيْدي العَبيدِ اللَّوَاعِبِ |
وَأَبْعَدْتَ عَنْ تَدْبِيرِهَا كَلَّ مَائقٍ | حديثُ المُنى فيها حديثُ المناسبِ |
وكنتَ إذا أشرعتَ رأيكَ في العدَى | طَعَنْتَ بِهِ قَبْلَ الرِّمَاح السَّوالِبِ |
وَقَدْ يُبْصِرُ الرَّأَيَ الفَتَى وَهُوَ عَاجِزٌ | وَرُبَّ حُسَام سَلَّهُ غَيْرُ ضَارِبِ |
كأنَّ المدَى في كُلِّ شيءٍ طلبتهُ | دنَا لكَ حتَّى نلتهُ غيرَ طالبِ |
يظنُّ العدَى أنِّي مدحتكَ للغنَى | وَمَا الشِّعْرُ عِنْدي مِنْ كَريم المكَاسِبِ |
وَمَا شِئتُ إلا أَنْ تَتِمَّ صِفَاتُهُ | وللدرِّ معنى ً في نحورِ الكواعبِ |
كَأَنِّي إِذَا أَنْشَدْتُ فِيْكَ قَصِيْدَة | نثرتُ عليهمْ طالعاتِ الكواكبِ |
وَلَكِنَّهَا مَنْسِيَّة ُ الذِّكْرِ فِيكُمُ | تسائلُ عنْ أحسابكمْ كلَّ راكبِ |
وَوَالله مَا صِدْقُ الثَّناء بَضَائع | عَلَيْكَ وَلا حُسْنُ الرَّجَّاءِ بِخَائِبِ |
وفيكمْ روى الناسُ المديحَ ومنكمُ | تعلمَ فيهِ القومُ بذلَ الرغائبِ |
أَعِنِّي عَلَى نَيْلِ الكَوَاكِبِ في العُلا | فأنتَ الذي صيرتَها في مطالبي |
ودَعْني وصدقُ القولِ فيكَ لعلهُ | يُكَفِّر عَنْ تِلْكِ القَوافي الكَواذِبِ |
غَرَائبُ مَيْنٍ في سِوَاكَ كَثِيرة | ولكنني منهنَّ أولُ تائبِ |
وَمَا كُنْتُ لمَاَّ أَعْرَض البَحْرُ زَاخِراً | أقلبُ طرفي في جهامِ السحائبِ |
طويتُ إليكَ الباخلينَ كأنمَا | سريتُ إلى شمسِ الضحَى في الغياهبِ |
وَكَانَ سَبِيلُ الجُود في الأَرْضِ وَاحِداً | فمَا عرفَ الناسُ اختلافَ المذاهبِ |
وَشَرَّفَني قَصْدي إلَيْكَ وَإِنَّمَا | يُبَينُ بِقَصْدِ البَيْتِ فَضْلُ المُحَارِبِ |
فمنْ كانَ يبغي في المديحِ مواهباً | فَإنَّ مَديحي فيكَ بَعْضُ المَواهِبِ |