خليليَّ منْ عليا هلالِ بنِ عامرٍ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
خليليَّ منْ عليا هلالِ بنِ عامرٍ | بِصَنْعَاءِ عوجا اليومَ وانتظراني |
أَلم تَحْلِفا بِالله أَنِّي أَخُوكُمَا | فلمْ تفعلا ما يفعلُ الأخوانِ |
ولم تَحْلِفا بِالله قدْ عَرَفْتُمَا | بذي الشِّيحِ رَبْعاً ثُمَّ لا تَقِفَانِ |
ولا تَزْهدا في الذُّخْرِ عندي وَأَجْمِلاَ | فَإنَّكُمَا بِيْ اليومَ مبتَلِيَانِ |
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنْ لَيْسَ بِالمَرْحِ كُلِّهِ | أَخٌ وصدِيقٌ صالحٌ فَذَراني |
أفي كلِّ يومٍ أنتَ رامٍ بلادها | بِعَيْنَيْنِ إنساناهما غَرِقَانِ |
وعينايَ ما أوفيتُ نشزاً فتنظرا | بِمَأْقَيْهما إلاَّ هما تَكِفَانِ |
أَلاَ فَاحْمِلاَنِي بارَكَ الله فِيكُما | إلَى حَاضِرِ الرَّوْحَاءِ ثُمَّ ذَرَانِي |
على جسرة ِ الأصلابِ ناجية ِ السُّرى | تُقْطِّعُ عَرْضَ البيدِ بِالوَخَذَانِ |
إذا جبنَ موماة ً عرضنَ لمثلها | جَنَادِبُها صَرْعى من الوَخَدَانِ |
ولا تعذلاني في الغواني فإنّني | أَرَى فِي الغواني غَيْرَ ما تَرَيَانِ |
إلمّا على العفراءِ أنّكما غداً | وَمَنْ حَلِيتْ عَيني به ولساني |
فيا واشِيَيْ عفرا دعاني ونظرة ً | تقرُّ بها عينايَ ثمَّ دعاني |
أَغَرَّكما لا بَارَكَ الله فيكما | قميصٌ وَبُرْدا يَمنة ٍ زَهَوانِ |
متى تكشفا عنِّي القميصَ تَبَيَّنا | بِيَ الضُّرَّ من عَفْراء يا فَتَيَانِ |
وَتَعْتَرفَا لَحْماً قليلاً وَأَعْظُماً | دِقَاقاً وَقَلْباً دائمَ الخَفَقانِ |
على كبدي منْ حبِّ عفراءَ قرحة ٌ | وعينايَ منْ وجدٍ بها تكِفانِ |
فعفراءُ أرجى النّاسُ عندي مودّة ً | وعفراء عنّي المُعْرِضُ المتواني |
أُحِبُ ابْنَة َ العُذْرِيِّ حُباً وَإنْ نَأَتْ | وَدانَيْتُ فيها غيرَ ما مُتَدانِ |
إذَا رَامَ قلبي هَجْرَهَا حالَ دونَه | شَفِيعانِ من قَلْبِي لها جَدِلانِ |
إذَا قلتُ لا قالا: بلي، ثمَّ أَصْبَحَا | جَمِعياً على الرَّأْيِ الذي يَرَيانِ |
فيا ربِّ أنتَ المستعانُ على الّذي | تحمّلتُ منْ عفراءَ منذُ زمانِ |
فيا ليتَ كلَّ اثنينِ بينهما هوى ً | منَ النّاسِ والأنعامِ يلتقيانِ |
فَيَقْضِي مُحِبٌّ مِن حَبيبٍ لُبَانة ً | ويرعاهما ربّي فلا يُريانِ |
أَمامي هوى ً لا نومَ دونَ لِقَائِهِ | وَخَلْفِي هوى ً قد شفَّني وبَرَاني |
فمنْ يكُ لم يغرضْ فإنّي وناقتي | بِحَجْرٍ إلَى أَهْلِ الحِمى غَرَضانِ |
تحنُّ فتبدي ما بها منْ صبابة ٍ | وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني |
هوى ناقتي خَلْفِي وقُدَّامي الهوى | وَإنِّي وَإيَّاهَا لَمُخْتَلِفَانِ |
هوايَ عراقيٌّ وتثني زمامها | لبرقٍ إذا لاحَ النجومُ يمانِ |
هوايَ أمامي ليسَ خلفي معرَّجٌ | وشوق قَلوصي في الغُدُو يمانِ |
لعمري إنّي يومَ بصرى وناقتي | لَمُخْتَلِفَا الأَهْواءِ مُصْطَحَبانِ |
فَلَوْ تَرَكَتْنِي ناقتي من حَنِينَها | وما بي منْ وجدٍ إذاً لكفاني |
متى تَجْمعي شوقي وشوقَكِ تُفْدحِي | وما لكِ بِالْعِبْءِ الثَّقِيلِ يَدَانِ |
يا كبدينا منْ مخافة ِ لوعة ِ | الفراقِ ومنْ صرفِ النّوى تجِفانِ |
وإذْ نحن منْ أنْ تشحطَ الدّارُ غربة ً | وإنْ شقَّ البينُ للعصا وجلانِ |
يقولُ ليَ الأصحابُ إذ يعذلونني | أَشَوْقٌ عِراقيٌّ وَأَنْتَ يَمَانِ |
وليسَ يَمانٍ للعِراقيْ بِصَاحِبٍ | عسى في صُرُوفِ الدَّهْرِ يَلْتَقِيانِ |
تحمّلتُ منْ عفراءَ ما ليسَ لي بهِ | ولا للجبالِ الرّاسياتِ يدانِ |
كَأَنَّ قَطاة ٌ عُلِّقَتْ بِجَناحَهَا | على كبدي منْ شدّة ِ الخفقانِ |
جعلتُ لعرّافِ اليمامة ِ حكمهُ | وَعَرّافِ حَجْرٍ إنْ هما شَفيانِي |
فَقالاَ: نَعَمْ نَشْفِي مِنَ الدَّاءِ كُلَّهِ | وقاما مع العُوَّادِ يُبتَدَرانِ |
ودانَيْتُ فيها المُعْرِضُ المُتَوَانِي | لِيَسْتَخْبِرانِي. قُلْتُ: منذ زمانِ |
فما تركا من رُقْيَة ٍ يَعْلمانِها | ولا شُرْبَة ٍ إلاَّ وقد سَقَيَانِي |
فما شفا الدّاءَ الّذي بي كلّهُ | وما ذَخَرَا نُصْحاً، ولا أَلَوانِي |
فقالا: شفاكَ اللهُ، واللهِ ما لنا | بِما ضُمِّنَتْ منكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ |
فرُحْتُ مِنَ العَرّافِ تسقُطُ عِمَّتِي | عَنِ الرَّأْسِ ما أَلْتاثُها بِبَنانِ |
معي صاحبا صِدْقٍ إذَا مِلْتُ مَيْلَة ً | وكانَ بدفّتي نضوتي عدلاني |
ألا أيّها العرّافُ هل أنتَ بائعي | مكانكَ يوماً واحداً بمكاني؟ |
أَلَسْتَ تراني، لا رأَيْتَ، وأَمْسَكَتْ | بسمعكَ روعاتٌ منَ الحدثانِ |
فيا عمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتَلى ً | حليفاً لهمٍّ لازمٍ وهوانِ |
غدرتَ وكانَ الغدرُ منكَ سجيّة ً | فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ |
وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرة ً | وأورثتَ عيني دائمَ الهملانِ |
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلَى مَنْ هويتهُ | وقلبكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ |
وإنّي لأهوى الحشرَ إذ قيلَ إنّني | وعفراءَ يوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ |
وَإنَّا على ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنَا | مِنَ الحبِّ يا عفرا لَمُهْتَجِرانِ |
تحدّثَ أصحابي حديثاً سمعتهُ | ضُحَيّاً وَأَعْنَاقُ المَطِيِّ ثَوانِ |
فقلتُ لهم: كلاّ. وقالوا. جماعة ً | بلى ، والذي يُدْعى بِكلِّ مكانِ |
ألا يا غرابيّ دمنة ِ الدّارِ بيّنا | أَبَا الصَّرْمِ من عفراءَ تَنتحبانِ؟ |
فَإنْ كَانَ حقاً ما تقُولاَنِ فاذهبا | بلحمي إلى وكريكما فكلاني |
إذَنْ تَحْمِلاَ لَحْماً قلِيلاً وَأَعْظُماً | دِقَاقاً وقَلْباً دائمَ الخفَقَانِ |
كُلاَني أَكْلاً لَم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ | ولا تهضما جنبيَّ وازدرداني |
ولا يعلمنَّ النّاسُ ما كانَ ميتتي | ولا يَطْعَمَنَّ الطَّيْرُ ما تَذَرَانِ |
أَنَاسِيَة ٌ عَفْراءُ ذكريَ بَعْدَما | تركتُ لها ذِكْرا بِكُلِّ مَكَانِ |
ألا لعنَ اللهُ الوشاة َ وقولهمْ | فُلاَنَة ُ أَمْسَتْ خُلَّة ٌ لِفُلاَنِ |
فَوَيْحَكُمَا يا واشِيَيُ أَمِّ هَيْثَمٍ | ففيمَ إلى منْ جئتما تشيانِ؟ |
ألا أيّها الواشي بعفراءَ عندنا | عَدِمْتُكَ مِنْ واشٍ أَلَسْتَ ترانِي؟ |
أَلَسْتَ ترى لِلْحُبِّ كيف تَخلَّلَتْ | عناجيجهُ جسمي، وكيفَ براني؟ |
لو أنَّ طبيبَ الإنسِ والجنِّ داوياً | الّذي بيَ منْ عفراءَ ما شفياني |
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذّهُ | تَواشَوا بِنَا حتى أَمَلَّ مكاني |
تكنّفني الواشونَ منْ كلِّ جانبٍ | ولو كانَ واشٍ واحدٍ لكفاني |
ولو كانَ واشٍ باليمامة ِ دارهُ | وداري بأعْلى حَضْرَمُوت أَتَانِي |
فَيَا حَبَّذَا مَنْ دونَهُ تَعْذِلونَنِي | ومنْ حليتْ بهِ عيني ولساني |
ومنْ لو أراهُ في العدوِّ أتيتهُ | وَمَنْ لو رآنِي في العَدُوِّ أَتَانِي |
ومنْ لو أراهُ صادياً لسقيتهُ | ومَنْ لو يرَانِي صادياً لَسَقَانِي |
ومنْ لو أراهُ عانياً لكفيتهُ | ومَنْ لَوْ يَرانِي عانِياً لَكَفَانِي |
ومنْ هابني في كلِّ أمرٍ وهبتهُ | ولو كنتُ أمضي منْ شباة ِ سنانِ |
يُكَلِّفُنِي عَمِّي ثمانين بَكْرَة ً | ومالي يا عفراءُ غيرُ ثمانِ |
ثَمانٍ يُقْطِّعْنَ الأَزِمَّة ِ بالبُرى | ويقطعنَ عرضَ البيدِ بالوخدانِ |
فيا ليتَ عمّي يومَ فرّقَ بيننا | سُقيْ السُّمَّ ممزوجاً بِشَبِّ يَمانِ |
بنيّة ُ عمّي حيلَ بيني وبينها | وضجَّ لِوَشْكِ الفُرْقَة ِ الصُّرَدانِ |
فيا ليتَ محيّانا جميعاً وليتنا | إذا نحنُ متنا ضمّنا كفنانِ |
ويا ليت أَنَّا الدَّهْرَ في غيرِ رِيبة ٍ | بعيرانِ نرعى القفرَ مؤتلفانِ |
يُطْرِّدُنا الرُّعْيَانُ عَنْ كُلِّ مَنْهَلٍ | يقولونَ بَكْرا عُرَّة ٍ جَربَانِ |
فواللهِ ما حدّثتُ سرّكِ صاحباً | أَخاً لِي ولا فَاهَتْ بِهِ الشَّفَتانِ |
سِوى أَنَّنِي قد قُلْتُ يوماً لِصَاحبي | ضُحى ً وقَلوصانا بنا تَخِدَانِ |
ضُحَيّاً وَمَسَّتْنَا جَنوبٌ ضَعيفة ٌ | نسيمٌ لريّاها بنا خفقانِ |
تحمّلتُ زفراتِ الضّحى فأطقتها | وما لي بزفراتِ العشيِّ يدانِ |
فيا عَمِّ لا أُسْقِيتَ من ذي قَرابَة ٍ | بلالاً فقدْ زلّتْ بكَ القدمانِ |
فأنتَ ولم ينفعكَ فرّقتَ بيننا | ونحنُ جمعٌ شعبنا متدانِ |
وَمَنَّيْتَنِي عَفْراء حتى رَجَوْتُها | وشاعَ الذي مَنَّيْتَ كُلَّ مكانِ |
منعّمة ٌ لمْ يأتْ بينَ شبابها | ولا عَهْدِها بِالثَّدْيِ غيرُ ثَمانِ |
ترى بُرَتَيْ سِتِّ وستِّين وافياً | تهابانِ ساقيها فتنفصمانِ |
فواللهِ لولا حبُّ عفراءَ ما التقى | عليَّ رواقا بيتكِ الخلِقانِ |
خُلَيْقانِ هَلْهالانِ لا خَيْرَ فيهما | إذَا هَبَّتِ الأَرْواحُ يَصْطَفِقَانِ |
رواقانِ تهوي الرّيحُ فوقَ ذراهما | وبِاللّيْلِ يسرِي فيهما اليَرقانِ |
ولم أَتْبَعِ الأَظْعَانِ فهي رَوْنَقِ الضُّحَى | ورحلي على نهّاضة ِ الخديانِ |
ولا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِأَغْبَرَ نازِحٍ | ولا ما نحتْ عينايَ في الهملانِ |
كَأَنَّهُمَا هَزْمَانِ من مُسْتَشِنَّة ٍ | يُسْدانِ أَحْيَاناً وَيَنْفَجِرانِ |
أرى طائريَّ الأوّلينِ تبدّلا | إلَيَّ فما لي منهما بَدَلاَنِ |
أَحَصّانِ من نَحْوِ الأَسَافِلِ جُرِّدا | أَلفّانِ مِنْ أَعلاهما هَدِيان |
لِعَفْراءَ إذْ في الدَّهرِ والنَّاسِ غَرَّة ٌ | وَإذْ حُلُقَانَا بِالصِّبَا يَسَرانِ |
لأَدنُو مِنْ بيضاءَ خَفَّاقَة ِ الحشا | بنيّة ِ ذي قاذورة ٍ شنآنِ |
كأنَّ وشاحيها إذا ما ارتدتهما | وقامتْ عِنانا مُهْرَة ٍ سَلِسَانِ |
يَعَضُّ بَأَبْدَانِ لها مُلْتَقَاهما | ومثناهما رخوانِ يضطربانِ |
وتحتهما حقفانِ قدْ ضربتهما | قطارٌ منَ الجوزاءِ ملتبدانِ |
أَعَفْراءُ كم مِنْ زَفْرَة ٍ قد أَذقْتِنِي | وحزنٍ ألجَّ العينَ بالهملانِ |
فلو أنَّ عينيْ ذي هوى ً فاضتا دماً | لفاضتْ دماً عينايَ تبتدرانِ |
فهلْ حاديا عفراءَ إنْ خفتَ فوتها | عَلَيَّ إذَا نَادَيْتُ مُرعَويانِ |
ضَرُوبانِ للتّالِي القطوفِ إذَا وَنَى | مشيحانِ منْ بغضائنا حذرانِ |
فما لكما من حادِيَيْنِ رُمِيتُما | بحمّى وطاعونٍ إلا تقفانِ؟ |
فما لكما من حادِيَيْنِ كُسِيتُما | سرابِيلَ مُغْلاَة ً من القَطِرانِ |
فويلي على عفراءَ ويلٌ كأنّهُ | على النَّحْرِ والأَحشاءِ حَدُّ سِنَانِ |
ألا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عفراءَ مُلْتقى | نَعَمْ وألا لا حيث يَلْتَقِيانِ |
أحقاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ زائراً | عفيراءَ إلا والوليدُ يراني |
لَوْ أَنَّ النَّاسِ وَجْدا وَمِثْلَهُ | مِنَ الجنِّ بعد الإنس يلتقيان |
فيشتكيان الوجدَ تمَّت أشتكي | لأَضْعَفَ وَجْدِي فوقَ ما يَجِدانِ |
وما تَرَكَتْ عفراءُ مِنْ دَنَفٍ دوى ً | بِدِوْمة ٍ مَطْويٌّ له كَفَنَانِ |
فقد تَرَكْتَنِي ما أَعِي لمحدِّثٍ | حديثاً وإنْ ناجيتهُ ونجاني |
وقد تَرَكَتْ عفراءُ قلبي كَّأَنَّهُ | جَنَاحُ غُرابٍ دائمُ الخَفَقَانِ |