لَقَدْ جَشَأَتْ نَفْسي عَشِيَّة َ مُشْرِفٍ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
لَقَدْ جَشَأَتْ نَفْسي عَشِيَّة َ مُشْرِفٍ | وَيَوْمَ لِوَى حُزْوَى فَقُلْتُ لَهَا صَبْرَا |
تحنُّ إلى ميٍّ كما حنَّ نازعٌ | دَعَاهُ الْهَوَى فَارْتَادَ مِنْ قِيْدِه قَصْرَا |
فقلتُ اربعا يا صاحبيَّ بدمنة ٍ | بِذِي الرّمْثِ قَدْ أَقْوَتْ مَنَازِلُهَا عَصْرَا |
أَرَشَّتْ بِهَا عَيْنَاك حَتَّى كَأَنَّمَا | تَحُلاَّنِ مِنْ سَفْحِ الدُّمُوعِ بِهَا نَذْرَا |
وَلاَ مَيَّ إِلاَّ أَنْ تَزورَ بِمُشْرِفٍ | أو الزُّرقِ منْ أطلالها دمناً قفرا |
تعفَّتْ لتهتالَ الشِّتاءِ وهوِّشتْ | بها نائجاتِ الصَّيفِ شرقيَّة ً كدرا |
فَمَا ظَبْيَة ٌ تَرْعَى مَسَاقِطَ رَمْلَة ٍ | كَسَا الْوَاكِفُ الْغَادِي لَهَا وَرَقاً نَضْرَا |
تلاعاً هراقتْ عندَ حوضى وقابلتْ | مِنَ الْحَبْلِ ذِي الأَدْعَاصِ آمِلَة ً عُفْرَا |
رأتْ اناً عندَ الخلاءِ فأقبلتْ | ولمْ تبدِ إلاَّ في تصرفها ذعرا |
بِأَحْسَنَ مِنْ مَيٍّ عَشِيَّة َ حَاوَلَتْ | لتجعلَ صدعاً في فؤادكَ أو وقرا |
بِوَجْهٍ كَقَرْنِ الشَّمسِ حُرٍّ كَأَنَّمَا | تهيضُ بهذا القلبِ لمحتهُ كسرا |
وَعَيْنٍ كَأَنَّ الَبْابِلِيَّيْنِ لَبَّسَا | بِقَلْبِكَ مِنْهَا يَوْمَ مَعْقُلَة ٍ سِحْرَا |
وذي أشرٍ كالأقحوانِ ارتدتْ بهِ | حَنَادِيجُ لَمْ يَقْرَبْ سِبَاخاً وَلاَ بَحْرَا |
وجيدٍ ولبَّاتٍ نواصعَ وضَّحٍ | إذا لمْ تكنْ منْ نضحِ جاديِّهِ صفرا |
فيا ميُّ ما أدراكِ أينَ مناخنا | معرَّقة َ الألحي يمانية ً سجرا |
قدْ اكتفلتِ بالحزنِ واعوجَّ دونها | ضواربُ منْ خفَّانَ مجتابة ٌ سدرا |
حَرَاجِيجَ مَا تَنْفكُّ إِلاَّ مُنَاخَة ً | على الخسفِ أو نرمي بها بلداً قفرا |
إِذَا نَزَلَتْ قِيلَ انْزِلُوا وَإذَا | يُغَنِّي بِنَابَيْهِ مُطْلَّحَة ً صُعْرَا |
نَشِيجِ الشَّجَا جَآءَتْ إِلَى ضِرْسِهِ نَزْرَا | |
طَوَاهُنَّ قَوْلُ الرَّكْبِ سِيرُوا إِذَا اكْتَسَى | منَ اللِّيلِ أعلى كلَّ رابية ٍ خدرا |
وَتَهْجِيْرُنَا وَالْمَرْوُ حَامٍ كَأَنَّمَا | يطأنَ بهِ، والشَّمسُ بادية ٌ، جمرا |
وأرضٍ فلاة ٍ تسحلُ الرِّيحُ متنها | كساها سوادُ اللَّيلِ أردية ً خضرا |
بِهَا النَّاسُ إِلاَّ أَنْ يَمُرُّوا بِهَا سَفْرَا | |
طوتنا بها الصُّهبُ المهاري فأصبحتْ | يناصيبُ أمثالِ الرِّماحِ بها غبرا |
مِنَ اْلبُعْدِ خَلْفَ الرَّكْبِ يَلْوُونَ نَحْوَهَا | لأعناقهمْ كمْ دونها نظراً شزرا |
إِذَا خَلَّفَتْ أَعْنَاقُهُنَّ بَسِيَطَة ً | منَ الأرضِ أو خشباءَ أو جبلاً وعرا |
نظرنَ إلى أعناقِ رملٍ كأنَّما | يقودُ بهنَّ الآلُ أحصنة ً شقرا |
وسقطٍ كعينِ الدِّيكِ عاورتُ صاحبي | أباها وهيَّأنا لموقعها وكرا |
إذا نحنُ لمْ نمسكْ بأطرافها قسرا | |
قدْ انتتجتْ منْ جانبٍ منْ جنوبها | عَوَاناً وَمِنْ جَنْبٍ إِلَى جَنْبهَا بكْرَا |
فلمَّا بدتْ كفَّنْتُها وهي طفلة ٌ | بِطَلْسآءَ لَمْ تَكْمُلْ ذِرَاعاً وَلاَ شبْرَا |
وقلتُ لهُ: ارفعها إليكَ فأحيها | بِرُوحِكَ وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَة ً قَدْرَا |
وظاهرْ لها منْ يابسِ الشَّختِ واستعنْ | عَلَيْهَا الصَّبَا وَاجْعَلْ يَدَيْكَ لَهَا ستْرَا |
فَلَمَّا جَرَتْ في الجَزْلِ جَرْياً كَأَنَّهُ | سنا الفجرِ أحدثنا لخالقها شكرا |
ذوابلَ مما يجمعونَ ولا خضرا | |
أخوها أبوها والضَّوى لا يضيرها | وَسَاقُ أَبِيهَا أُمُّهَا اعْتَقَرَتْ عَقْرَا |
وقرية ٍ لا جنٍّ ولا أنسيَّة ٍ | مُدَاخِلَة ٍ أَبْوَابُهَا بُنِيَتْ شَزْرَا |
وَلِكنَّهَا كَانَتْ لِمَنْزِلِنَا قَدْرَا | |
ومضروبة ٍ في غيرِ ذنبٍ بريئة ٍ | كَسَرْتُ لأَصْحَابِي عَلَى عَجَلٍ كَسْرَا |
وَسَوْدَآء مِثْلِ التُرْسِ نَازَعْتُ صُحْبَتي | طفاطفها لمْ نستطعْ دونها صبرا |
وَأَبْيَضَ هَفَّافِ القَمِيصِ أَخَذْتُهُ | فَجِئْتُ بِهِ لِلْقَوْمِ مُغْتَصِباً ضَمْرَا |
حملتُ لأصحابي ولَّيتها قترا | |
وطئنا عليها ماتقولُ لنا هجرا | |
ولمْ تبدِ ناباً للقتالِ ولا ظفرا | |
وأسودَ ولاَّجٌ بغيرِ تحيَّة ٍ | على الحيِّ لمْ يجرمِ ولم يحتملْ وزرا |
قبضتُ عليهِ الخمسَ ثمَّ تركتهُ | وَلَمْ أَتَّخِذْ إِرْسَالَهُ عِنْدَهُ ذُخْرَا |
وَمَيِّتة ِ الأجْلاَدِ يَحْيَا جَنِينُهَا | لأَوَّلِ حَمْلٍ ثُمَّ يُورِثُهَا عُقْرَا |
وأشعثَ عاري الضَّرَّتينِ مشجَّجٍ | بِأَيْدِي السَّبَايَا لا تَرَى مِثْلَهُ جَبْرَا |
كأنَّ على أعراسهِ وبنائهِ | وئيدَ جراحٍ قرَّحٍ ضبرتْ ضبرا |
وداعٍ دعاني للنَّدى وزجاجة ٍ | تحسَّيتها لمْ تقنَ ماءً ولاخمرا |
ومنسدحٍ بينَ الرَّحا ليسَ يشتكي | إِذَا ضَجَّ وَابْتَلَّتْ جَوَانِبُهُ فَتْرَا |
وذو شعبٍ شتَّى كسوتُ فروجهُ | لغاشية ٍ يوماً مقطَّعة ً حمرا |
وَخَضْرَاءَ في وَكْرَيْنَ عَرْعَرتُ رَأسَهَا | لأبلي إذا فارقتُ في صحبتي عذرا |
وَفَاشيَة ٍ فِي الأَرْضِ تُلْقِي بَنَاتهَا | عَوَارِيَ لاَتُكْسَى دُرُوعاً ولا خُمْرَا |
إِذَا مَا الْمَطَايَا سُفْنَهَا لَمْ يَذُقْنَهَا | وَإِنْ كَانَ أَعْلَى نَبْتِهَا نَاعِماً نَضْرَا |
محملجة ِ الأمراسِ ملساً متونها | سقتها عصاراتُ السَّرى فبدتْ عجرا |
وَوَارِدة ٍ فَرْداً وَذَاتِ قَرِينَة ٍ | تبينُ إذا قالتْ وما نطقتْ شعرا |
وبيضاءَ لمْ تطبعْ ولمْ تدرِ ما الخنا | ترى أعينَ الفتيانِ منْ دونها خزرا |
إِذَا مَدَّ أَصْحَابُ الصِّبَا بِأَكُفِّهِمْ | |
وحاملة ٍ ستِّينَ لمْ تلقَ منهمُ | |
وَإِنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لاَ يُهِمُّهَا | |
وأسمرَ قوَّامٍ إذا نامَ صحبتي | خفيفِ الثِّيابِ لا نواري لهُ أزرا |
عَدَتْ ذَاتُ بِرْزِيقٍ تَخَالُ بِهَا فَخْرَا | |
وَأَقْصَمَ سَيَّارٍ مَعَ الْحَيِّ لَمْ يَدَعْ | تراوحُ حافاتِ السَّماءِ لهُ صدرا |
وأصغرَ منْ قعبِ الوليدِ ترى بهِ | قباباً مبنَّاة ً وأودية ً خضرا |
وشعبٍ أبى أنْ يسلكَ الغفرَ بينهُ | سَلَكْتُ قُرَانَى مِنْ قَيَاسِرَة ٍ سُمْرَا |
ومربوعة ٍ ربعيَّة ٍ قدْ لبأتها | بكفَّيَّ في دوَّيَّة ٍ سفراً سفرا |