دنا البينُ منْ ميٍّ فرُدَّتْ جِمالُها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
دنا البينُ منْ ميٍّ فرُدَّتْ جِمالُها | فهاجَ الهوى تقويضُها واحتمالُها |
وقدْ كانت الحسناءُ ميٌّ كريمة ً | علينا ومكروهاً إلينا زيالُها |
وَيَوْمٍ بِذي الأَرْطَى إِلَى بَطْنِ مُشْرِفٍ | بِوَعْسَآئِهِ حَيْثُ اسْبَطَرَّتْ حِبَالُهَا |
عرفتُ لها داراً فأبصرَ صاحبي | صَفيِحَة َ وَجْهِي قَدْ تَغَيَّرَ حَالُهَا |
فَقُلْتُ لِنَفْسِي مِنْ حَيَاءٍ رَدَدْتُهُ | إليها وقد بلَّ الجفونَ بلالُها |
أَمِنْ أَجْلِ دَارٍ صَيَّرَ الْبَيْنَ أَهْلُهَا | أَيَادِي سَبَا بَعْدِي وَطَالَ أحْتَيالُهَا |
بوهبينَ تسنوها السَّواري وتلتقي | بِهَا الْهُوجُ شَرْقيَّاتُهَا وَشَمَالُهَا |
إِذَا صَوَّحَ الْهَيْفُ السَّفَا لَعِبَتْ بِهِ | صبا الحافة ِ اليُمنى جنوبٌ شمالُها |
فؤادُك مبثوثٌ عليكَ شجونهُ | وَعَيْنُكَ يَعْصي عَاذِليكَ کنْهِلاَلُهَا |
تَداَوَيْتُ مِنْ ميٍّ بِهِجْرَانِ أَهْلِهَا | فلمْ يشفِ من ذكرى طويلٍ خبالُها |
تُراجعُ منها أسودَ القلبِ خطرة ٌ | بلاءٌ ويجري في العظامِ امذلالُها |
لقد علِقتْ ميٌّ بقلبي علاقة ً | بطيئاً على مرِّ الشُّهورِ انحلالُها |
إِذَا قُلْتُ تَجْزِي الوُدَّ أَوْ قُلْتُ يَنْبَري | لها البذلُ يأبى بُخلُها واعتلالُها |
عَلَى أَنَّ مَيّاً لاَ أرَى كَبَلآئِهَا | منَ البُخلِ ثمَّ البُخلِ يُرجى نوالُها |
وَلَمْ يُنْسِني مَيّاً تَرَاخِي مَزَارِهَا | وصرفُ اللَّيالي مرُّها وانفتالُها |
على أنَّ أدنى العهدِ بيني وبينها | تَقَادَمَ إلاَّ أنْ يَزُورَ خَيَالُهَا |
بَنِي شُقَّة ٍ أَغْفَوا بِأَرْضٍ مُتِيهة ٍ | كأَنَّ بَني حَام بْنِ نُوحٍ رِئَاَلهُا |
لدى كلِّ نقضٍ يشتكي منْ خشاشهِ | وَنِسْعَيِه أوْ سَجْرَاءَ حُرِّ قَذَالُهَا |
فأيُّ مزورٍ أشعثِ الرَّأسِ هاجعٍ | إِلَى دَفّ هَوْجَاءِ الْوَنيِّ عِقَالُهَا |
طَوَاهَا إِلَى حَيْزُومِهَا وَأَنْطَوَتْ لَهَا | بِأَوَّلِ رَاجٍ حِيلَة ً لاَ يَنَالُهَا |
دروجٌ طوتْ آطالها وانطوتْ بها | بِلاَلِيْقُ أَغْفَالٌ قَلِيلٌ حِلاَلُهَا |
فَهذِي طَوَاهَا بَعْدَ هذِي وَهَذِهِ | طَوَاهَا لِهذِي وَخْدُهَا وَانْسِلاَلُهَا |
وَقَدْ سَدَتِ الصُّهْبُ الْمَهَارَى بِأَرْجُلٍ | شَدِيدٍ بِرَضْرَاضِ الْمْتَانِ انْتضَالُهَا |
إذا ما نِعاجُ الرَّملِ ظلَّتْ كأنَّها | كواعبُ مقصورٌ عليها حجالُها |
تَخَطَّتْ بِنَا جَوْزَ الفَلاَ شَدَنِيَّة ٌ | كَأَنَّ الصَّفَا أَوْرَاكُهَا وَمَحَالُهَا |
حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ تَسْمُو عُيُونُهَا | كرشقِ المرامي لم تفاوتْ خصالُها |
إلى قُنَّة ٍ فوقَ السَّرابِ كأنَّها | كُمَيْتٌ طَوَاهَا القَوْدُ فَاقْوَرَّ آلُهَا |
إِذَا مَا حَشَوْنَاهُنَّ جَوْزَ تنوفة ٍ | سَبَارِيتَ يَنْزُو بِاْلقُلُوبِ اهْوِلاَلُهَا |
رهاءٍ بساطِ الظَّهرِ سيٍّ مخوفة ٍ | عَلَى رَكْبِهَا إِقْلاَتُهَا وَضَلاَلُهَا |
تعاوى لحسراها الذِّئابُ كما عوتْ | منَ اللَّيلِ في رفضِ العواشي فِصالُها |
شججنَ الفلا بالأمِّ شجّاً وشمَّرتْ | يَمَانِيَة ٌ يُدْنِي الْبَعِيدَ انْتِقَالُهَا |
طوالُ الهوادي والحوادي كأنَّها | سَمَاحِيجُ قُبٌّ طَارَ عَنْهَا نُسَالُهَا |
رَعَتْ بَارِضَ الْبُهْمَى جَميِماً وَبُسْرَة ً | وَصَمْعَاءَ حَتَّى آَنَفَتْهَا نِصَالُهَا |
برهبى إلى روضِ القذافِ إلى المِعى | إِلَى وَاحِفٍ تَرْوَادُهَا وَمَجَالُهَا |
فَلَمَّا ذَوَى بَقْلُ التَّنَاهِي وَبَينَّتْ | مَخَاضُ الأَوَابِي وَاسْتُبِينَتْ حِيَالُهَا |
تَرَدَّفْنَ خَشْبَآءَ الْقَرينِ وَقَدْ بَدَا | لهنَّ إلى أهلِ السِّتارِ زيالُها |
صوافنَ لا يعدِلنَ بالوردِ غيرهُ | وَلَكِنَّهَا فِي مَوْرِدَيْنِ عِدَالُهَا |
أعينُ بني بوٍّ غُمازهُ مورِدٌ | لَهَا حِيْنَ تَجْتَابُ الدُّجَى أَمْ أُثَالُهَا |
فَلَمَا بَدَا فِي اللَّيْلِ ضَوْءٌ كَأَنَّهُ | وإيّاهُ قوسُ المُزنِ ولّى ظلالُها |
تَيَمَّمْنَ عَيْناً مِنْ أُثالٍ نَمِيرة ً | قَمُوساً يَمُجُّ الْمُنْقِضَاتِ احِتْفَالُهَا |
على أمرِ منقدِّ العفاءِ كأنَّهُ | عَصَا قَسِّ قُوسٍ لِيُنَها وَاعْتِدَالُهَا |
إِذَا عَارَضَتْ مِنْهَا نَحُوضٌ كَأَنَّهَا | فولَّيْنَ يَذْرِينَ العَجَاجَ كأَنَّهُ |
أحالَ عليها وهو عادلُ رأسهِ | يَدُقُّ السِّلاَمَ سَحُّهُ وَآنْسِحَالُهَا |
كأنَّ هويَّ الدَّلوِ في البئرِ شلُّهُ | بذاتِ الصُّوى آلافهُ وانشلالُها |
لَهُ أَزْمَلٌ عِنْدَ الْقِذَافِ كَأَنَّهُ | نَحِيبُ الثَّكَالَى تَارَة ً وَاعْتِوَالُهَا |
رَباعٌ لها مُذْ أورَقَ العُودُ عندهُ | خُمَاشَاتُ ذَحْلٍ لاَ يُرَادُ امْتِثالُهَا |
مِنَ الْعَضِّ بِالأَفْخَاذِ أَوْ حَجَبَاتِهَا | إِذَا رَابَهُ اسْتِعْصَاؤُهَا وَعِدَالُهَا |
وَقَدْ بَاتَ ذُو صَفْرَآءَ زَوْرآءَ نَبْعَة ٍ | وزُرقٍ حديثٍ ريشُها وصقالُها |
كَثِيرٍ لِمَا يِتْرُكْنَ فِي كُلَّ جُفْرَة ٍ | زَفِيرُ الْقَوَاضِي نَحْبُهَا وَسُعَالُهَا |
أَخو شُقَّة ٍ يَأْوِي إِلَى أُمِّ صِبْيَة ٍ | ثَمَانِيّة َ لَحْمُ الأَوَابِدِ مَالُهَا |
يُرَاصِدُهَا فِي جَوْفِ حَدْبَآءَ ضَيِقٍ | عَلَى الْمَرْءِ إِلاَّ مَا تحرَّفَ جَالُهَا |
يُبَايُتهُ فِيْهَا أَحَمُّ كأنَّهُ | إبَاضُ قَلُوصٍ أَسْلَمَتْهَا حِبَالُهَا |
وقرناءُ يدعو باسمها وهو مُظلمٌ | له صوتُها أو إنْ رآها زمالُها |
إذَا شَآءَ بَعْضَ اللَّيْلِ حَفَّتْ لِصَوْتِهِ | حفيفَ رحاً منْ جلدِ عودٍ ثفالُها |
فجاءتْ بأغباشٍ تحجّى شريعة ً | تلاداً عليها رميها واحتبالُها |
فلمّا تجلّى قرعُها القاعَ سمعهُ | وَباَنَ لَهُ وَسْطَ الأَشَاءِ انْغِلالُهَا |
طَوَى شَخْصَهُ حَتَّى إِذَا مَا تَوَدَّفَتْ | عَلَى هِيلَة ٍ مِنْ كُلِّ أَوْبٍ تُهَالُهَا |
رمى وهيَ أمثالُ الأسنَّة ِ يُتَّقى | بِهَا صَفُّ أُخْرَى لمْ يُبَاحَتْ قِتالُهَا |
يُبَادِرْنَ أَنْ يُبْرِدْنَ ألَوَاحَ أَنْفُسٍ | قَلِيلٍ مِنَ الْمَآءِ الرَّوَآءِ دِخَالُهَا |
فَمَرَّ عَلَى القُصْوَى النَّضُّي فَصَدَّهُ | تليَّة ُ لَمْ يكمَّلْ كَمَالُهَا |
وقدْ كانَ يشقى قبلها مثلُها بهِ | إذَا مَا رَمَاهَا كَبْدُهَا وَطِحَالُهَا |
عثانُ إجامٍ لجَّ فيها اشتعالُها | |
أُوَلئِكَ أَشْبَاهُ الْقِلاَصِ الَّتِي طَوَتْ | |
تَرَامَى الْفَيَافِي بَيْنَهَا قَفَرَاتُهَا | إِذَا اسْحَنْكَكَتْ مِنْ عُرْضِ لَيْلٍ جِلاَلُهَا |
بنا وبأطلاحٍ إذا هي وقَّعتْ | كَسَا الأَرْضَ أَذْقَانَ الْمَهَارَى كَلاَلُهَا |
نَوَاشِطُ بَالرُّكْبَانِ فِي كُلِّ رحْلَة ٍ | وَمَنْ يَتَّبِعْ عَيْنَيْهِ فِي النَّاسِ لاَ يَزَلْ |
أَلَمْ تَعْلَمي يَا مَيُّ أَنِّي وَبَيْنَنَا | خَلِيلَيَّ هَلْ مِنْ حِيلَة ٍ تَعْلَمَانِهَا |
أمنّي ضميرَ النَّفسِ إيّاكِ بعدما | يُرَاجِعُنِي بَثّي فَيَنْسَاحُ بَالُهَا |
سلي الناسَ هلْ أرضي عدُوَّكِ أو بغى | حَبِيبُكِ عِنْدِي حَاجَة ً لاَ يَنَالُهَا |
خليليَّ هلْ منْ حاجة ٍ تعلمانها | يدنِّيكما منْ وصلِ ميَّ احتيالُها |
فَنَحْيَا لَهَا أَمْ لا، فَإِنْ لاَ فَلَمْ نَكُنْ | |
وأنْ رُبَّ أمثالِ البلايا منَ السُّرى | مُضرٌّ بها الإدلاجُ لولا نعالُها |
لألقاكِ قدْ أدأبتُ والقومُ كُلَّما | جرتْ حذوَ أخفافِ المطيِّ ظلالُها |
وَخَوْصَآءَ قَدْ نَفَّرْتُ عَنْ كُورِهَا الْكَرَى | بِذِكْرَاكِ والأَعْتَاقُ مِيلٌ قِلاَلُهَا |
أفي آخرِ الدَّهرِ امرأ القيسِ رُمتمُ | مساعيَ قدْ أعيتْ أباكمْ طوالُها |
رَأَيْتُكَ إِذْ مَرَّ الرِّبَابُ وَأَشْرَفَتْ | جبالٌ رأتْ عيناكَ أنْ لا تنالُها |
نَزَلْنَا وَقَدْ غَارَ النَّهَارُ وَأَوْقَدَتْ | عَلَيْنَا حَصَى الْمَعْزَآءِ شَمْسٌ تَنَالُهَا |
يَرَى حَاجَة ً مَمْنُوعَة ً لاَ يَنَالُهَا | دَسَاكِرُ لَمْ تُرْفَعْ لِخَيْرٍ ظِلاَلُهَا |
بنينا علينا ظلَّ أبرادِ يُمنة ٍ | على سمكِ أسيافٍ قديمٍ صقالُها |
فقمنا فرُحنا والدَّوامغُ تلتظي | عَلَى الْعِيسِ مِنْ شَمْسٍ بَطِيءٍ زَوَالُهَا |
وَلَوْ عُرِّيَتْ أَصْلاَبُهَا عِنْدَ بَيْهَسٍ | عَلَى ذَاتِ غِسْلٍ لَمْ تُشَمَّسْ رِحَالُهَا |
وَقَدْ سُمِيَّتْ بِاسْمِ امْرِىء الْقَيْسِ قَرْيَة ٌ | كرامٌ صواديها لئامٌ رجالُها |
تَظَلُّ الْكِرَامُ الْمُرْمِلُونَ بِجَوْفِهَا | سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ حَمْلُهَا وَحِيَالُهَا |
بها كلُّ خوثاءِ الحشا مرئيَّة ٍ | روادٍ يزيدُ القُرطَ سوءاً قذالُها |
إذا ما امرؤُ القيسِ بنُ لؤمٍ تطعَّمتْ | بِكَأْسِ النَّرَاَمى خَبَّثْتَها سَبِالُها |
فَكَأْسُ امْرِىء الْقَيْسِ الَّتِي يَشْرَبُونَهَا | حرامٌ على القومِ فضالُها |
فَخَرْتَ بِزَيْدٍ وَهْيَ مِنْكَ بَعِيدَة ٌ | كَبُعْدِ الثُّرَيَّا عِزُّهَا وَجَمَالُهَا |
أَلَمْ تَكُ تَدْري أنَّمَا أَنْتَ مُلْصَقٌ | بدعوى وأنَّي عمُّ زيدٍ وخالُها |
ستعلمُ أستاهُ امرئِ القيسِ أنَّها | صغارٌ مناميها قصارٌ رجالُها |