أبَتْ عَبَرَاتُهُ إلاّ انْسِكَابَا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أبَتْ عَبَرَاتُهُ إلاّ انْسِكَابَا | و نارُ ضلوعهِ إلا التهابا |
و منْ حقِّ الطلولِ عليَّ ألا | أُغِبَّ مِنَ الدّموعِ لهَا سَحابَا |
وَمَا قَصّرْتُ في تَسْآلِ رَبْعٍ، | و لكني سألتُ فما أجابا |
رأيتُ الشيبَ لاحَ فقلتُ : أهلاً ! | وودعتُ الغواية َ والشبابا |
وَمَا إنْ شِبتُ من كِبَرٍ، وَلكِنْ | رأيتُ منَ الأحبة ِ ما أشابا |
بعثنَ منَ الهمومِ إليَّ ركباً | و صيرنَ الصدودَ لها ركابا |
ألَمْ تَرَنَا أعَزَّ النّاسِ جَاراً | و أمنعهمْ ؛ وأمرعهمْ جنابا؟! |
لَنَا الجَبَلُ المُطِلُّ على نِزَارٍ | حَلَلْنَا النّجْدَ مِنهُ وَالهِضَابَا |
تفضلنا الأنامُ ولا نحاشى | و نوصفُ بالجميلِ ؛ ولا نحابى |
و قد علمتْ " ربيعة ُ" بلْ " نزارٌ " | بِأنّا الرأسُ والناسَ الذُّنابى |
فلما أنْ طغتْ سفهاءُ" كعبٍ" | فَتَحْنَا بَينَنا لِلْحَرْبِ بَابا |
مَنَحْنَاها الحَرَائِبَ غَيرَ أنّا | إذا جَارَتْ مَنَحْنَاها الحِرَابَا |
و لما ثارَ " سيفُ الدينِ" ثرنا | كَمَا هَيّجْتَ آسَاداً غِضَابَا |
أسِنّتُهُ، إذا لاقَى طِعَاناً، | صوارمهُ ، إذا لاقى ضرابا |
دعانا - والأسنة ُ مشرعاتٌ - | فكنا، عندَ دعوتهِ ، الجوابا |
صَنَائِعُ فَاقَ صَانِعُهَا فَفَاقَتْ، | وَغَرْسٌ طابَ غَارِسُهُ، فَطَابَا |
و كنا كالسهامِ ؛ إذا أصابتْ | مراميها فراميها أصابا |
و نكبنَ " الصبيرة َ " و" القبابا" | |
و جاوزنَ " البدية َ " صادياتٍ ؛ | يلاحظنَ السرابَ ؛ ولا سرابا |
عبرنَ " بماسحٍ " والليلُ طفلٌ | وَجِئْنَ إلى سَلَمْيَة َ حِينَ شَابَا |
فما شعروا بها إلا ثباتاً | دوينَ الشدِّ نصطخبُ اصطخابا |
بهِ الأرواحُ تنتهبُ انتهابا | |
تنادوا ، فانبرتْ ، منْ كلٍِّ فجٍ ، | سوابقُ ينتجبنَ لنا انتجابا |
وَقادَ نَدي بنُ جَعْفَرَ من عُقيلٍ | شعوباً ، قدْ أسلنَ بهِ الشعابا |
فما كانوا لنا إلا أسارى | و ما كانت لنا إلا نهابا |
كأنَّ " ندي بنَ جعفرِ" قادَ منهمْ | هدايا لمْ يرغْ عنها ثوابا |
وَشَدّوا رَأيَهُمْ بِبَني قُرَيْعٍ، | فخابوا - لا أبا لهمُ - وخابا |
و لما اشتدتِ الهيجاءُ كنا | أشَدَّ مَخَالِباً، وَأحَدَّ نَابَا |
و أمنعَ جانباً ؛ وأعزَّ جاراً ؛ | و أوفى ذمة ً ؛ وأقلَّ عابا |
سقينا بالرماحِ بني " قشيرٍ" | ببطنِ " الغنثرِ " السمَّ المذابا |
و سقناهمْ إلى " الحيرانِ " سوقاً | كما نستاقُ آبالاً صعابا |
و نكبنا " الفرقلسَ " لمْ نردهً | كَأنّ بِنَا عَنِ المَاءِ اجْتِنَابَا |
وَمِلْنَ عَنِ الغُوَيْرِ وَسِرْنَ حتى | وردنَ عيونَ " تدمرَ" و" الحبابا " |
و أمطرنَ " الجباة َ " بمرجحنَّ | وَلَكِنْ بِالطِّعَانِ المُرِّ صَابَا |
وَجُزْنَ الصَّحصَحانَ يخدِنَ وَخداً | و يجتبنَ الفلاة َ بنا اجتيابا |
قرينا " بالسماوة ِ" من " عقيلٍ" | سِبَاعَ الأَرْضِ وَالطّيرَ السِّغَابَا |
و " بالصباحِ " و" الصباحُ " عبدٌ | قتلنا ، منْ لبابهمُ اللبابا |
تركنا في بيوتِ بني " المهنا" | نوادبَ ينتحبنَ بها انتحابا |
شَفَتْ فِيهَا بَنُو بَكْرٍ حُقُوداً | و غادرتِ " الضبابَ " بها ضبابا |
وَأبْعَدْنَا لِسُوءِ الفِعْلِ كَعْباً | و أدنينا لطاعتها " كلابا" |
وَشَرّدْنَا إلى الجَوْلانِ طَيْئاً | و جنبنا " سماوتها " جنابا |
سَحَابٌ مَا أنَاخَ عَلى عُقَيْلٍ | و جرَّ على جوارهمُ ذنابا |
وَمِلْنَا بِالخُيُولِ إلى نُمَيرٍ | تجاذبنا أعنتها جذابا |
يعزُّ على العشيرة ِ أنْ يصابا | |
وَمَا ضَاقَتْ مَذاهِبُهُ، وَلَكِنْ | يُهَابُ، مِنَ الحَمِيّة ِ، أنْ يُهابَا |
و يأمرنا فنكفيهِ الأعادي | هُمَامٌ لَوْ يَشَاءُ كَفَى وَنَابَا |
فلما أيقنوا أنْ لا غياثٌ | دعوهُ للمغوثة ِ فاستجابا |
و عادَ إلى الجميلِ لهمْ ؛ فعادوا | وَقَدْ مَدّوا لِصَارِمِهِ الرّقَابَا |
أمَرّ عَلَيْهِمُ خَوْفاً وَأمناً | أذَاقَهُمُ بِهِ أرْياً وَصَابَا |
أحَلّهُمُ الجَزِيرَة َ بَعدَ يَأسٍ | أخُو حِلْمٍ إذا مَلَكَ العِقَابَا |
و أرضهمُ اغتصبناها اغتصابا | |
وَلَوْ شِئْنَا حَمَيْنَاهَا البَوَادِي | كما تحمي أسودُ الغابِ غابا |
أنا ابنُ الضاربينَ الهامَ قدماً | إذا كَرِهَ المُحَامُونَ الضّرَابَا |
ألَمْ تَعْلَمْ؟ وَمِثْلُكَ قالَ حَقّاً: | بأني كنتُ أثقبها شهابا! |