لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لنْ تستطيعَ لأمرِ اللهِ تعقيبا | فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ أَوفَاسْتَشْعِرِ الحُوبَا |
وافْزَعْ إِلَى كَنَفِ التَّسْلِيمِ وَارْضَ بِمَا | قَضَى المُهَيْمِنُ مَكْرُوهاً ومَحْبُوبَا |
إِنَّ العَزَاءَ إِذَا عَزَّتْهُ جَائِحَة ٌ | ذَلَّتْ عَرِيكَتُهُ فَانْقَادَ مَجْنُوبَا |
فإنْ قرنتْ إليهِ العزمَ أيَّدهُ | حتَّى يعودَ لديهِ الحزنُ مغلوبا |
فَارْمِ الأَسَى بِالأُسَى يُطْفِي مَوَاقِعَهَا | جمراً خلالَ ضلوعِ الصَّدرِ مشبوبا |
منْ صاحبَ الدَّهرِ لمْ يعدمْ مجلجلة ً | يظلُّ منها طوالَ العيشِ منكوبا |
إنَّ البليَّة َ لا وفرٌ تزعزعهُ | أَيْدِي الحَوَادِثِ تَشْتِيتاً وتَشْذِيبَا |
وَلاَ تَفَرُّقُ أُلاَّفٍ يَفُوتُ بِهِمْ | بينٌ يغادرُ حبلَ الوصلِ مقضوبا |
لَكِنَّ فُقْدَانَ مَنْ أَضْحَى بِمَصْرَعِهِ | نُورُ الهُدَى وبَهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوبَا |
أَوْدَى أَبُو جَعْفَرٍ والعِلْمَ فَاصْطَحَبَا | أَعْظِمْ بِذَا صَاحِباً إِذْ ذَاكَ مَصْحُوبَا |
إِنَّ المَنِيَّة َ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً | بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّينِ مَنْصُوبَا |
أَهْدَى الرَّدَى لِلثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَهُ | نجماً على منْ يعادي الحقَّ مصبوبا |
كانَ الزَّمانُ بهِ تصفو مشاربهُ | فالآنَ أصبحَ بالتَّكديرِ مقطوبا |
كَلاَّ وأَيَّامُهُ الغُرُّ الَّتِي جَعَلَتْ | للعلمِ نوراً وللتَّقوى محاريبا |
لاَ يَنْسَرِي الدَّهْرُ عَنْ شِبْهٍ لَهُ أَبَداً | مَا اسْتَوْقَفَ الحَجُّ بِالأَنْصَابِ أُرْكُوبَا |
أَوْفَى بِعَهْدٍ وأَرْوَى عِنْدَ مَظْلَمَة ٍ | زنداً وآكدَ إبراماً وتأديبا |
منهُ وأرصنُ حلماً عندَ مزعجة ٍ | تغادرُ القلَّبيَّ الذهنِ منخوبا |
إذا انتضى الرَّأيَ في إيضاحِ مشكلة ٍ | أَعَادَ مَنْهَجَهَا المَطْمُوسَ مَلْحُوبَا |
لا يعزبُ الحلمُ في عتبٍ وفي نزقٍ | ولا يجرِّعُ ذا الزَّلاَّتِ تثريبا |
لا يولجُ الَّلغوُ والعوراءُ مسمعهُ | وَلاَ يُقَارِفُ مَا يُغْشِيهِ تَأْنِيبَا |
إنْ قالَ قادَ زمامَ الصِّدقِ منطقهُ | أَوْ آثَرَ الصَّمْتَ أَوْلَى النَّفْسَ تَهْيِيبَا |
لقلبهِ ناظراً تقوى سما بهما | فأيقظَ الفكرَ ترغيباً وترهيبا |
تَجْلُو مَوَاعِظُهُ رَيْنَ القُلُوبِ كَمَا | يجلو ضياءُ سنا الصُّبحِ الغياهيبا |
سِيَّانَ ظَاهِرُهُ البَادِي وبَاطِنُهُ | فَلاَ تَرَاهُ عَلَى العِلاَّتِ مَجْدُوبَا |
لا يأمنُ العجزَ والتَّقصيرَ مادحهُ | ولاَ يَخَافُ عَلَى الإِطْنَابِ تَكْذِيبَا |
ودَّتْ بقاعُ بلادِ اللهِ لوْ جعلتْ | قَبْراً لَهُ فَحَبَاهَا جِسْمُهُ طِيبَا |
كَانَتْ حَيَاتُكَ لِلدُّنْيَا وسَاكِنِهَا | نُوراً فَأَصْبَحَ عَنْهَا النُّورُ مَحْجُوبَا |
لوْ تعلمُ الأرضُ ما وارتْ لقدْ خشعتْ | أقطارها لكَ إجلالاً وترحيبا |
كنتَ المقوِّمَ منْ زيغٍ ومنْ ظلعٍ | وفَّاكَ نصحاً وتسديداً وتأديبا |
وكنتَ جامعَ أخلاقٍ مطهَّرة ٍ | مهذَّباً منْ قرافِ الجهلِ تهذيبا |
فإنْ تنلكَ منَ الأقدارِ طالبة ٌ | لَمْ يُثْنِهَا العَجْزُ عَمَّا عَزَّ مَطْلُوبَا |
فَإِنَّ لِلْمَوْتِ وِرْداً مُمْقِراً فَظِعاً | على كراهتهِ لا بدَّ مشروبا |
إنْ يندبوكَ فقدْ ثلَّتْ عروشهمُ | وأصبحَ العلمُ مرثيًّا ومندوبا |
ومنْ أعاجيبِ ما جاءَ الزَّمانُ بهِ | وقدْ يبينُ لنا الدَّهرُ الأعاجيبا |
أنْ قدْ طوتكَ غموضُ الأرضِ في لحفٍ | وَكُنْتَ تَمْلأُ مِنْهَا السَّهْل َوالُّلوبَا |