أزمعوا البين وشدوا الركابا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
أزمعوا البين وشدوا الركابا | فاطلبِ الصبرَ وخَلِّ العِتابا |
ودنا التَّودِيع مِمَّنْ وَدِدْنا | أنَّهم داموا لدينا غِضابا |
فاقْرِ ضَيْفَ البَيْنِ دمعاً مُذالاً | ياأخا الوجدة قلباً مذابا |
فمَنِ اللائِمُ صبّاً مَشُوقاً | أَنْ بَكى أحْبابَهُ والشَّبابا |
إنما أغرى بنا الوجد أنا | ما حسبنا لفراق حسابا |
وَعُرِيْبٌ جَعَلُوا بالمَصَلَّى | كل قلب يوم ساروا نهابا |
عَجَباً كيف رضُوا أنْ يَحلُّوا | مِنْ قلوبٍ أحرقوها قِبابا |
أضْحَتِ الأرضُ التي جاوَرُوها | يَحْسُدُ العَنْبَرُ منها الترابا |
لاتكذب خبراً أن سلمى | سَحَبَتْ بالتُّرْبِ ذَيْلاً فَطابا |
وَكَسَتْهُ حُلَلَ الرَّوْضِ حتى | تَوَّجَتْ منها الرُّبَا وَالهِضابا |
ابْتَسَمَتْ عَنْ مِثْلِ كأْسِ الحُمَيَّا | نَظَمَ الماءُ عليها حَبابا |
سُمْتُها لَثْمَ الثنايا فقالتْ | إنَّ مِنْ دُونِكَ سُبْلاً صِعابا |
حرست عقرب صدغي خدي | وَحَمَتْ حَيَّة ُ شَعْري الرُّضابا |
وَيْحَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ وَجْنَتَيَّ الـ | ـوَرْد أوْ مِنْ شَفَتَيَّ الشَّرابا |
حق من كان لهحب سلمى | شُغُلاً أنْ يَسْتَلِذَّ العذابا |
ولمن يمدح خير البرايا | أَنْ يَرَى الفَقْرَ عَطءً حِسابا |
وَكفاني باتِّباسثعِي طَرِيقاً | رغب المختار فيها رغابا |
كلما أُوتِيتُ منها نَصِيباً | قُلْتُ إني قدْ مَلكْتُ النِّصابا |
يا حَبيباً وَشَفِيعاً مُطاعاً | حَسْبُنَا أنَّ إليك الإيابا |
لم نقل فيك مقال النصارى | إذ أضلوا في المسيح الصوابا |
إنما أنت نذير مبين | أنزل الله عليك الكتابا |
بلسان عربي بليغ | أفحم العرب فعيَّت جوابا |
يطمع الأسماع فيه بياناً | وسنا طبه على العقل يابا |
حَوَتِ الكُتْبُ لُبَاباً وَقِشْراً | وهو حاو من اللباب لبابا |
يَجْلِبُ الدُّرَّ إلى سامِعِيه | كلمٌ لم ير فيه اجتلابا |
أشرقت أنواره فرأينا الرأ | سَ رَأْساً وَالذُّنابِي ذُنابا |
وَرأَى الكُفَّارُ ظِلاَّ فَضَلُّوا | وَيْحَهُمْ ظَنُّوا السَّرابَ الشَّرابا |
وإذا لم يصح باعلم ذوق | وجد الشهد من الجهل صابا |
كيف يهدي الله منهم عنيداً | كلما أَبْصَرَ حقّاً تَغَابى |
وَإذا جِئْتَ بآياتِ صدْقٍ | لم تَزِدْهم بِكَ إلاَّ ارْتيابا |
أنتَ سِرُّ الله في الخَلْقِ وَالسِّـ | ـر على العمى أشد احتجابا |
عاقب ماحٍ محا الله عنك | بك ما نحذر منه العقابا |
خصه الله بخلق كريم | ودعا الفضل له فاستجابا |
وله من قاب قوسين ما شر | ف قوسين بذكر وقابا |
مِنْ دُنُوٍّ وَشُهُودٍ وَسِرٍّ | بانَ عنه كلُّ وَاشٍ وغابا |
وَعلومٍ كَشَفَتْ كلَّ لَبْسٍ | وجلتْ عن كل شمسٍ ضبابا |
لم ينلها باكتسابٍ وفضلُ اللـ | ـهِ ماليس ينالُ اكتسابا |
وإذا زار حبيبٌ محباً | لاتسل عن زائر كيف آبا |
كل من تابعه نال منه | نَسَباً مِنْ كلِّ فضل قِرابا |
شرف الأنساب طوبى لأصلٍ | وَلِفَرْعٍ حازَ منه انتسابا |
دِينه الحقُّ فدَعْ ما سِواه | وخذ الماء وخلِّ السرابا |
جعل الزهد له والعطايا | والتقى والبأسَ والبرَّ دَابا |
أنقذَ الهلكى وربى اليتامى | وفَدَى الأسرَى وفَكَّ الرِّقابا |
بصر العمى فياليت عيني | مُلِئَتْ مِنْ أَخمَصيَه تُرابا |
أَسْمَعَ الصُّمَّ فَمنْ لي بِسَمْعِي | لو تَلَقَّى لفْظَهُ المُستطابا |
ودعا الهيجاء فارتاحت السـ | ـمر اهتزازاً والسيوف انتدابا |
تطربُ الخيلُ برقع فتختا | لُ إلى الحربِ وتَعْدوا طِرابا |
مِنْ عِتَاقٍ رَكِبَتْها كُماة ٌ | لم يخافوا للمنون ارتكابا |
كلُّ نَدْبٍ لوْ حَكَى غَرْبَهُ السَّيْـ | ـفُ لَمَا اسْتصحبَ سَيْفٌ قِرَابا |
قاطعَ الأهلِينَ في الله جَهْراً | لَمْ يَخَفْ لَوْماً ولم يَخْشَ عتابا |
لم يبالِ حين يغدو مصيباً | في الوغى أو حِين يَغْدوا مُصابا |
مِنْ حُمَاة ٍ نَصَروا الدِّينَ حتى | أصبح الإسلام أحمى جنابا |
رَفعُوا الإسلامَ مِنْ فوقِ خيْلٍ | أَرْكَبَتْ كلَّ عُقَابٍ عُقابا |
خضبوا البيض من الهام حمراً | ما تَزالُ البِيضُ تَهْوَى الخِضابا |
لم يريدوا بذكورٍ جلوها | لِلحُرُوبِ العُونِ إلاّ الضِّرَابا |
أَرْغَمَ الهادي أُنُوفَ الأَعادي | برضاهم وأذلَّ الرقابا |
فأطاعته الملوك اضطراراً | وأجابته الحصونُ اضطرابا |
وصناديدُ قُرَيْش سَقاها | حَتْفَها سَقْيَ اللِّقاحِ السِّقابا |
حَلَبُوا شَطْرَيْهِ في الجودِ والبَأْ | سِ فأَحْلَى وأَمَرَّ الحِلابا |
وجَدُوا أخْلاَفَ أخْلاَقِهِ في الخِصْـ | ـبِ والجدبِ تعاف الخصابا |
درُّها أطيبُ درٍّ فإن أمـ | ـكنك الحلبُ فراعِ العِطابا |
جَيَّشَ الجَيْشَ وسرى السرايا | ودعا الخيلَ عقاقا عرابا |
وهْوَ المَنْصُورُ بالرُّعْبِ لو شا | ءَ لأغنى الرعب عنها ونابا |
لو تَرى الأَحزابَ طاروا فِراراً | خلتهم بين يديه ذبابا |
أَوَلَم تَعجبْ له وهوَ بَحْرٌ | كيف يَسْتَسْقِي نَدَاهُ السَّحابا |
كانتِ الأرض مواتاً فأحيا | بالحيا منها المواتَ انسكابا |
نزعتْ عنها من المحلِ ثوباً | وكَستْها مِنْ رِياضٍ ثيابا |
سَيِّدٌ كيفَ تأَمَّلْتَ معنا | هُ رَأتْ عَيْناكَ أَمراً عُجابا |
من يزرهُ مثقلاً بالخطايا | عادَ مَغْفُورَ الخطايا مُثابا |
ذكره في الناسِ ذكرٌ جميلٌ | قال للكونينِ طيبا فطابا |
وسِعَ العَالمَ عِلْماً وجُوداً | فدعا كلاً وأرضى خطابا |
فَتَحَلَّتْ منه قَوْمٌ عُقُوداً | وتحلَّت منه قومٌ سِخابا |
ليتني كنتُ فيمن رآهُ | أتقى عنهالأذى والسِّبابا |
يومَ نالتهُ بإفكٍ يهودٌ | مثلما استنبحَ بدرٌ كِلابا |
فادْعُني حَسَّانَ مَدْحٍ وزِدْني | إنني أحسنت منه المنابا |
يارسول الله عذراً إذا هِبْـ | ـتُ مقاماً حقه أن يهابا |
إنني قُمْتُ خَطيباً بِمَدْحِيـ | ـك ومن يملك منه الخطابا |
وتَرَامَيْتُ به في بِحارٍ | مُكْثراً أمواجَها والعُبابا |
بقوافٍ شُرِعتْ لأعادي | وجَدُوها في نفوسٍ حِرَابا |
هي أمضى من ظبي البيض حداً | في أعادِيكَ وأنْكَى ذُبابا |
فارضه جهدَ محبٍ مقلٍّ | صانهُ حبك من أن يُعابا |
شابَ ففي الإسلام لكن له فيـ | ـكَ فؤادٌ حبه لن يُشابا |
يَتهَنَّى بالأمانيِّ إنَّهُ | ـهُ قبلَ مماتٍ أنابا |
كلما أوسعه الشيبُ وعظا | ضيَّقَ الخوفُ عليه الرحابا |
ضَيَّعَ الحَزْمَ وفيه شباب | وأتى معتذرا حين شابا |
وغدا من سوءِ ماقد جناهُ | نادِماً يَقْرَعُ سِنَّاً وَنابا |
أفلا أرجو لذنبي شفيعاً | مارجاه قط راجٍ فخابا |
أحمد الهادي الذي كلما جئـ | ـتُ إليه مُسْتَثِيباً أثابا |
فاعذِروا في حُبِّ خيرِ البرايا | إن غبطنا أو حسدنا الصحابا |
إن بدا شمساً وصاروا نجوماً | وطمى بحراً وفروا ثغابا |
أقلَعَتْ سُحْبُ سُفْنِهِمْ سِجالا | من علوم ووردنا انصبابا |
وَغَدَوْنا بينَ وَجْدٍ وَفَقْدٍ | يَعْظُم البُشْرَى به وَالمُصابا |
وَتَبَارَأْنَا من النَّصْبِ وَالرَّفْـ | ـضِ وأوجبنا لكل جنابا |
إن قوماً رضى الله عنهم | مالنا نلقى عليهم غضابا |
إنني في حُبِّهم لا أُحابي | أحداً قط ومن ذا يُحابى |
صلوات الله تَتْرَى عليه | وعليهم طيباتٌ عذابا |
يفتحُ اللهُ علينا بها من | جودهِ والفضلِ بابا فبابا |
ماانتضى الشرقُ من الصبحِ سيفاً | وَفَرَى مِنْ جُنْحِ لَيلٍ إهابا |