قفا ! فلأمرٍ ما سرينا وما نسري
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
قفا ! فلأمرٍ ما سرينا وما نسري | وإلا فمشياً مثلَ مشْي القطا الكُدري |
قفا! نتبيَّنْ أينَ ذا البرقُ منهمُ | ومن أين تسري الرّيح عاطرة َ النَّشْر |
لعلَّ ثرى الوادي الذي كنتَ مرّة ً | أزورهم فيه تضوَّعَ للسَّفر |
و إلا فذا وادٍ يسيلُ بعنبرٍ | وإلاّ فما تدري الركابُ ولا ندري |
أكُلَّ كِناسٍ في الصَّريمِ تظنّه | كناس الظباء الدُّعج والشُدَّن العفر |
فهَلْ عِلموا أنّي أسيرٌ بأرْضِهِمْ | و ما لي بها غيرُ التعسُّفِ منْ خبرِ |
ومن عجبٍ أنّي أسائلُ عنهمُ | وهمْ بينَ أحناءِ الجوانحِ والصدر |
و لي سكنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ | فيبعدُ عن عيني ويقربُ من فكري |
إذا ذكَرتْهُ النفسُ جاشتْ لذكرهِ | كما عثَرَ السّاقي بكأسٍ من الخمر |
ولم يُبْقِ لي إلاّ حُشاشَة َ مُغرَمٍ | طوى نفسَ الرَّمضاءِ في خلل الجمر |
وما زلتُ ترميني اللّيالي بنبلها | و أرمي الليالي بالتجلُّدِ والصَّبرِ |
و أحملُ أيّامي عل ظهرِ غادة ٍ | و تحملني منها على مركبٍ وعر |
وآليتُ لا أُعطي الزّمانَ مَقادَة ً | إلى مثلِ يحيى ثمّ أغضي على وترِ |
وأنْجَدَني يحيى َ على كلّ حادثٍ | و قَّلدني منه بصمصامتي عمرو |
وخوَّلِني ما بينَ مَجدٍ إلى لُهى ً | و أورثني ما بينَ عقرٍ إلى عقرِ |
حللتُ به في رأس غمدانَ منعة ً | و توَّجني تاجاً من العز والفخر |
وما عِبتُهُ إلاّ بأنّي وصفتُهُ | وشبّهْتُهُ يوماً من الدهرِ بالقَطر |
وما ذاكَ إلاّ أنّ ألسُنَنا جَرَتْ | على عادة ِ التشبيه في النظمِ والنثر |
فلا تسألاني عن زماني الذي خَلا | فوالعصرِإني قبل يحيى لفي خسر |
و حسبي بجذلان كأنّ خصالهُ | أكاليلُ درّ فوقَ نصل من التّبر |
رقيقِ فِرِندِ الوجهِ والبِشرِ والرِّضَى | صقيلِ حواشي النفس والظرفِ والشعر |
فيا ابنَ عليّ ما مدحتك جاهلاً | فإنّك لم تُعدَلْ بشَفْعٍ ولا وَتْر |
ويا ابنَ عليً! دُمْ لَما أنْتَ أهْلُهُ | فأهْلٌ لعَقْدِ التاجِ دونَ بني النضر |
فتى ً عندهُ البيتُ الحرامُ لآملٍ | ولي منه ما بينَ الحَجون إلى الحِجر |
و لمّا حططتُ الرّحلَ دون عراصهِ | أخذتُ أمانَ الدهر من نُوَب الدهر |
وكادَ نَداهُ لا يَفي بالّذي جَنى | عليَّ من الإثم المُضاعَفِ والوِزْر |
وذلكَ أني كنْتُ أجْحَدُ سَيْبَه | و معروفه عندي لعجزي عن الشكر |
إذا أنا لم أقدرْ على شكر فضله | فكيف بشكرِ الله في موضعِ الحشر |
حَنيني إليْهِ ظاعِناً ومُخيِّماً | وليسَ حنينُ الطيرِ إلاّ إلى الوكْرِ |
فما راشتِ الأملاكُ سهماً يَريشُه | و ما برتِ الأملاكُ سهماً كما يبري |
فقد قيَّد الجردَ السوابقَ بالرُبى | وقطَّعَ أنفاسَ العناجيج بالبُهْر |
فيا جبلاً من رحمة ِ الله باذخاً | إليه يفرُّ العرفُ في زمن النُّكر |
فداؤكَ حتى البدرُ في غسق الدجى | منيراً وحتى الشمسُ فضلاً عن البدر |
وما هي إلاّ الشمسُ زَفَّت إلى البدر | فهزَّتُهُ فيه ارتعادٌ من الذُّعر |
لو قيل لي مَنْ في البرية ِ كلَّها | سِواكَ على علمي بها قلتُ لا أدري |
ألست الذي يلقى الكتائبَ وحدهُ | ولو كُنَّ من آناءِ ليلٍ ومن فَجْرِ |
ولو أنّ فيها رَدْمَ يأجوجَ من ظُبى ً | مشطبَّة ٍ أو من ردينيَّة ٍ سمر |
فرِفْقاً قَليلاً أيها المِلك الرِّضى َ | بنفسكَ واتركْ منك حظاً على قدر |
فذاكَ وهذا كلَّهُ أنت مدركٌ | فأشفَق على العليا وأشفق على العمر |
فبالسَّعْي للعَليا يُشادُ بناؤهَا | و في اللهو ايضاً راحة ُ النفس والفكر |
و من حقِّ نفسٍ مثل نفسكَ صونها | ليوم القَنا الخطِّيِّ والفتكة ِ البِكر |
ولو لم تُرِحْ صِيدُ الملوكِ نفوسَها | وَنَينَ لما حُمِّلْنَ من ذلك الإصر |
غَضارة ُ دنيا واعتدالُ شبيبَة ٍ | فما لك في اللذّاتِ واللهوِ من عُذر |
و لا خيرَ في الدّنيا إذا لم يفز بها | مليكٌ مُفَدًّى في اقتبال من العمر |
ألا انعمْ بأيّامٍ ألذَّ من المنى | تحلَّتْ بآدابٍ أرَقَّ من السِّحر |
فرغتَ من المجد الذي أنتَ شائدٌ | فجُرَّ ذيولَ العيش في الزّمن النَّضْر |
لَتَهدا جِيادٌ ليس تنفكُّ من سُرى ً | و يسكنُ غمضٌ ليس تنفكُّ من نفر |
ومثلُك يدعو المرهَفَ العضْبَ عزمهُ | وتدعُو هواه كلَّ مُرهَفَة ِ الخَصر |
و ما زلتَ تروي السيف في الرَّوعِ من دمٍ | فحقُّك أن تُرْوي الثرى من دم الخمر |
و ترفلَ من دنياكَ في حللٍ خضر | |
وإنَّ التي زارتك في الحِذْرِ مَوْهِناً | أحقُّ المها بالخنزوانة والكبر |
يودُّ هرقلُ الرّوم ذو التاجِ انّهُ | ينالُ الذي نالته من شرفِ القدر |
حَباكَ بها مَن أنتَ شطرُ فؤادِهِ | وما شطرُ شيٍْ بالغنيِّ من الشطر |
أخوكَ فلا عينٌ رأتْ مثلهُ أخاً | إذا ما احتبى في مجلس النهي والأمر |
وقد وقعَتْ منك الهديّة ُ إذ أتَتْ | مواقعَ برد الماء من غَلَل الصدر |
فمن ملكٍ سامٍ إلى ملكٍ رضى ً | تهادتْ ومن قَصرٍ مُنيفٍ إلى قَصر |
فما هي إلاّ السعدُ وافقَ مطلعاً | |
ستنمي لك الأقيالُ من آلِ يعربٍ | ذوي الجفنات البِيضِ والأوجُه الغُرِّ |
و قلتُ لمهديها إليك عقيلة ٌ | مقابلة َ الأنسابِ معرقة َ النَّجر |
حبوْتَ بها من ليس في الأرض مثلُه | لجيشِ إذا اصطكَّ العرابُ ولاثغر |
فيا جعفر العَلياء يا جعفرَ النّدى | و يا جعفرَ الهجاءِ يا جعفرَ النصر |
لَنِعْمَ أخاً في كلِّ يوْم كريهَة ٍ | تصولُ بهِ غير الهدانِ ولا الغمر |
كبدر الدجى كالشّمسِ كالفجر كالضحى | كصرف الردى كالليث كالغيث كالبحر |
لَعمري لقد أُيّدتَ يومَ الوغى به | كما أُيِّدتْ كفّاكَ بالأنمل العشر |
لذلك ناجى الله موسى نبيُّهُ | فنادى أن اشرح ما يضيقُ بهِ صدري |
و هبْ لي وزيراً من أخي استعنْ به | وشُدَّ به أزري وأشركْه في أمري |
لِنعْمَ نِظام الأمرِ والرُّتَبِ العُلى | ونعمَ قوامَ الملكِ والعسكرِ المجر |
إليكَ انتمى في كلِّ مجدٍ وسوددٍ | ويكفيهِ أنْ يعزى إليكَ منَ الفخر |
و خلفكَ لاقى كلَّ قرمٍ مدججٍ | ومن حِجرِك اقتاد الزمانَ على قَسر |
فما جالَ إلاّ في عجاجكَ فارساً | ولا شَبَّ إلا تحتَ راياتك الحُمر |
قررتَ بهِ عيناً وأنتَ اصطنعتهُ | وشِدْتَ له ما شِدتَ من صالح الذكر |
فما مثلُ يحيى منْ أخٍ لكَ تابعٍ | ولا كبنيهِ من جحاجحة ٍ زهر |
و لستَ أخاهُ بلْ أباهُ كفلتهُ | وآويتهُ في حالة ِ العسرِ واليسر |
يودّ عليٌّ لو يرى فيهِ ما ترى | ليعلمَ آيَ النّصلِ والصارمُ الهبر |
إذاً قامَ يُثْني بالذي هو أهلُهُ | عليهِ ثناءٍ واستهلَّ من الغفر |
و ما كنتُ أدري قبلَ يحيى وجعفرٍ | بأنَّ ملوكُ الأرضِ تجمعُ في عصر |
عجبتُ لهذا الدّهرِ جادَ بجعفرٍ | ويحيى وليسَ الجودُ من شيمِ الدهر |
وما كانت الأيامُ تأتي بمثلكمْ | قديماً ولكن كنتُمُ بَيْضَة َ العُقر |
وما المدحُ مدحاً في سواكم حقيقة ً | وما هو إلاّ الكفرُ أو سببُ الكفر |
ولو جاد قومٌ بالنفوس سماحة ٍ | لَما منعتْكُمْ شيمة ُ الجود بالعمر |
إذا ما سألتُ الله غيرَ بقائكُمْ | فلا بؤتُ بالإخلاصِ في السر والجهر |
أأدعو إلهي بالسعادة ِ عندكمْ | وأنتم دَراريُّ السعود التي تَسري؟ |
أأبغي لديه طالباً ما كفيتَهُ | وأسألهُ السّقيا ودجلة لي تجري؟ |
لَعمري! لقد أجرَضْتموني بنَيلكُمْ | وحمّلتموني منهُ قاصمة َ الظّهر |
أسرتُ بما أسديتمُ من صنيعة ٍ | وما خلتكمُ ترضونَ للجارِ بالأسرِ |
فمهلاً! بني عَمّي وأعيانَ مَعْشَري | وأملاكَ قومي والخضارمَ من نجري |
فلا تُرهِقُوني بالمزيدِ فحسبُكمْ | وحسبي لديكمْ ما ترونَ منَ الوفرِ |
أسَرَّكُمُ أنّي نهضْتُ بلا قُوى ً | كما سرّكمُ أنّي اعتذرتُ بال عذرِ؟ |
وإنّي لأسْتَعفِيكُمُ أن ترونَني | سريعاً إلى النُّعمى بطيئاً عن الشكر |
فإنْ أنا لمْ أستحي مما فعلتمُ | فلستُ بمستحيٍ منَ اللؤمِ والغدر |