ألا هكذا فليهدِ من قاد عسكراً
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
ألا هكذا فليهدِ من قاد عسكراً | وأوردَ عن رأي الإمام وأصدَرا |
هديَّة ُ من أعطى النّصيحة َ حقَّها | وكانَ بمن لا يبصرِ الناسُ أبصرا |
ألا هكذا فلتجبِ العيسُ بدَّناً | ألا هكذا فلتجنبِ الخيلُ ضمَّرا |
مُرَفِّلَة ً يسْحبنَ أذيالَ يُمنَة ٍ | ويركُضْنَ ديباجاً وَوَشْياً مَحَّبرا |
تَراهُنَّ أمثالَ الظباءِ عَواطِياً | لبسنَ بيبرينَ الربيعَ المنوَّرا |
يمشيِّينَ مشي الغانياتِ تهادياً | عليهِنَّ زِيّ الغانِياتِ مُشَهَّرا |
وجرَّرنَ أذيالَ الحسان سوابغاً | فعلَّمْنَ فيهنَّ الحِسبانَ تَبختُرا |
فلا يسترنَّ الوشيُ حسنَ شياتها | فيَسْتُرَ أحلى منه في العين منظَرا |
ترى كلَّ مكحول المدامعِ ناظِراً | بمقلة ِ أحوى ينفضُ الضَّألَ أحورا |
فكمْ قائِلٍ لمّا رآها شوافِنا | أما تركوا ظَبْياً بتَيماءَ أعْفرا؟ |
وما خلتُ أنَّ الروضَ يختالُ ماشياً | ولا أن أرَى في أظهُرِ الخيل عَبقرا |
غداة َ غدتْ من أبلقٍ ومجزَّعٍ | ووردٍ ويَحمومٍ وأصدى وأشقرا |
ومن أدرعٍ قد قنِّعَ اليلَ حالكاً | على أنّه قد سُربلَ الصبحَ مسفرا |
وأشعلَ ورديٍّ وأصفرَ مذهبٍ | وأدهمَ وضّاحٍ وأشهبَ أقمرا |
وذي كُمْتَة ٍ قد نازَعَ الخمرَ لونَها | فما تدَّعيهِ الخمرُ إلاّ تنمَّرا |
محجَّلة ً غرّاً وزهراً نواصعاً | كأنَّ قباطيّاً عليها منشِّرا |
ودهماً إذا استقبلنَ حُوّاً كأنما | عُلِلنَ إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا |
يقرُّ بعيني أن أرى من صفاتها | ولا عجبٌ أن يُعجِبَ العينَ ما تَرى |
أرى صوراً يستعبدُ النفسَ مثلها | إذا وجدتْهُ أو رأتْهُ مُصَورا |
أفكِّهُ منها الطَّرفَ في كلِّ شاهدٍ | بأنَّ دليلِ الله في كلِّ ما برا |
فأخلسُ منها اللحظَ كلَّ مطهَّمٍ | ألذَّ إلى عينِ المُسَهَّدِ مِن كرَى |
وكلَّ صيودِ الإنسِ والوحش ثم لا | يُسائلُ أيُّ منهُمُ كان أحضَرا |
تودُّ البزاة ُ البيضُ لو أنّ قوتها | عليه ولم ترزقْ جناحاً ومنسرا |
وودَّتْ مهاة ُ الرَّمل لو تركتْ لهُ | فأعطَتْ بأدنَى نظرة ٍ منه جُؤذَرا |
ألا إنّما تُهدَى إلى خير هاشمٍ | وأفضلِ من يعلو جواداً ومنبرا |
مَنِ استَنَّ تفضيلَ الجِياد لأهلِها | فأوطأها هامَ العدى والسَّنَّورا |
وجَلَّلَها أسلابَ كلِّ مُنافِقٍ | وكلِّ عنيدٍ قد طغى وتجبَّرا |
وقلَّدها الياقوتَ كالجمرِ أحمراً | يُضيءُ سَناهُ والزُّمرُّدَ أخضرا |
وقرَّطها الدُّرَّ الذي خلقتْ لهُ | وفاقاً وكانتْ منه أسنى وأخضرا |
فكم نظمِ قُرطٍ كالثُّريّا مُعَلَّقٍ | يزيدُ بها حُسناً إذا ما تمَرمَرا |
وكم أذنٍ منْ سابحٍ قد غدتْ بهِ | يناطُ عليها ملكُ كسرى وقيصرا |
تحلى ّ بما يستغرِقُ الدهرَ قيمة ً | فتختالُ فيه نخوة ً وتكبُّرا |
وما ذاك إلاّ أن يُخاضَ بها الرَّدى | فتَنهَشَ تِنّيناً وتَضْغَمَ قَسْوَرا |
فطَوراً تُسقّى صافيَ الماءِ أزرقاً | وطَوراً تُسقى صائكَ الدمِ أحمرا |
لذاك ترى هذا النُّضارَ مُرصَّعاً | عليها وذاكَ الأتْحميَّ مُسيَّرا |
إذا ما نسيجُ التِّبرِ أضحى يظلُّها | أفاءَ لها منْهُ غماماً كَنَهْوَرا |
وأهْلٌ بأنْ تُهْدى َ إليه فإنّهُ | كَناها وسمّاها وحَلّى وسَوَّرا |
وأسكنها أعلى القبابِ مقاصراً | وأحسنها عاجاً وساذجاً ومرمرا |
وبوَّأها من أطيبِ الرضِ جنّة ً | وأجرى لها من أعذبِ الماءِ كوثرا |
يُجِدُّ لها في كل عامٍ سُرادِقاً | ويَبني لها في كلِّ عَلياءَ مَظهرا |
ألا إنّما كانت طلائعُ جوهَرٍ | ببعضِ الهدايا كالعُجالة ِ للقِرى |
ولو لم يعجِّل بعضَها دون بعضِها | لضاقَ الثَّرى والماءُ طرقاً ومعبرا |
أقولُ لصحبي إذ تلقَّيتُ رسلهُ | وقد غَصَّتِ البَيداءُ خُفّاً ومَنسِرا |
وقد مارت البزلُ القناعيسُ أجبلاً | وقد ماجتِ الجردُ العناجيجُ أبحرا |
فطابتْ لي الانباءُ كأنّهُ | لَطائمُ إبْلٍ تحملُ المِسكَ أذفَرا |
لعمري لئن الخلافة َ ناطقاً | لقد زانَ أيّامَ الحروبِ مدبِّرا |
تَضِجُّ القَنَا منْهُ لَما جَشَّمَ القَنَا | وتَضْرَعُ منه الخيلُ والليل والسُّرَى |
هو الرمحُ فاطعنْ كيفَ شئتَ بصدره | فلن يَسأمَ الهَيجا ولن يتكسَّرا |
لقد أنجبتْ منه الكتائبُ مدرهاً | سريعَ الخُطى للصّالحاتِ مُيسَّرا |
و صرَّف منه الملكُ ما شاء صارماً | وسهماً وخَطّيّاً ودِرعاً ومِغفرا |
ولم أجدِ الإنسانَ إلاّ ابنَ سعيهِ | فمن كانَ أسعى كان بالمجد أجدرا |
و بالهمَّة العلياء يرقى إلى العلى | فمن كان أرقى همّة ً كان أظهرا |
و لم يتأخَّر من يريد تقدُّماً | ولم يتقدَّمْ من يريد تأخُّرا |
و قد كانتِ القّوادُ من قبلِ جوهرٍ | لتصلحُ أن تسعى لتخدم جوهراً |
على أنهم كانوا كواكبَ عصرهم | ولكن رأينا الشمسَ أبهى وأنوَرا |
فلا يعدِمنَّ اللهُ عبدكَ نصره | فما زالَ منصورَ اليدين مظفَّرا |
إذا حاربتْ عنهُ الملائكة ُ العِدى | ملأنَ سماءَ باسمكَ مُشعَرا |
وما اخترته حتى صفا ونفى القذى | بلِ الله في أُمِّ الكتابِ تخيَّرا |
ووكَّلْتَهُ بالجيشِ والأمْرِ كلِّهِ | فوكَّلت بالغيلِ الهزبرَ الغضنفرا |
كأنَّكَ شاهدتَ الحفايا سوافرأً | وأعجلتَ وجهَ الغَيبِ أن يتَستَّرا |
فعرَّفتَ في اليوم البصيرة َ في غدٍ | وشاركتَ في الرأي القضاءَ المقدَّرا |
وما قِيسَ وَفرُ المال في كلِّ حالة ً | بجودك إلاّ كان جودُكَ أوفرا |
فلا بُخُلٌ يا أكرمَ النّاس مَعشَراً | و أطيبَ أبناءِ النبييِّنَ عنصرا |
فإنّك لم تترُكْ على الأرْض جاهِلاً | و إنك لم تتركْ على الأرض معسرا |
ألا انظرْ إلى الشمس المنيرة ِ في الضحى | و ما قبضتهُ أو تمدُّ على الثرى |
فأثقبُ منها نارُ زندكَ للقرى | وأشهرُ منها ذِكرُ جودك في الورى |
بلغتُ بك العليا فلم أدنُ مادحاً | لأسألَ لكنّي دنوتُ لأشكُرا |
وصدَّقَ فيكَ الله ما أنا قائِلٌ | فلستُ أُبالي مَن أقَلَّ وأكثرا |