تقولُ بنو العباسُ هلْ فتحتْ مصرُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
تقولُ بنو العباسُ هلْ فتحتْ مصرُ | فقلْ لبني العباسُ قدْ قضيَّ الأمرُ! |
وقد جاوَزَ الاسكندريّة َ جوهَرٌ | تُطالعُه البُشرى َ ويقْدُمُه النَّصْر |
وقدْ أوفدتْ مصرٌ إليهِ وفودها | وزِيدَ إلى المعقود من جِسرِها جسر |
فما جاءَ هذا اليومُ إلاّ وقد غدتْ | وأيديكمُ منها ومن غيرها صفر |
فلا ثكثروا ذكرَ الزَّمانِ الذي خلا | فذلكَ عصرٌ قدْ تقضّى وذا عصر |
أفي الجيش كنتم تمترونَ رويدكمْ! | فهذا القنا العرّاصُ والجحفلُ المجر |
وقدْ أشرفتْ خيلُ الإله طوالعاً | على الدين والدنيا كما طَلَعَ الفجر |
وذا ابن نبيِّ الله يطلُبُ وِتْرَهُ | و كان حرٍ أن لا يضيعَ له وتر |
ذروا الوردَ في ماء الفراتِ لخيلهِ | فلا الضَّحلُ منه تمنعون ولا الغمر |
أفي الشمس شكُّ أنها الشمسُ بعدما | تجلَّتْ عياناً ليس من دونها سترِ |
وما هي إلاّ آية ٌ بعْد آيَة ٍ | ونُذْرٌ لكم أن كان يغنيكم النُّذر |
فكونوا حصيداً خامدينَ أو ارعووا | إلى مَلِكٍ في كفِّه الموتُ والنشر |
أطيعوا إماماً للأئمَّة فاضلاً | كما كانتِ الأعمالُ يفضلها البرُّ |
ردوا ساقياً لا تنزفونَ حياضهُ | جَموماً كما لا تَنزِفُ الأبحُرَ الذَّرُّ |
فإن تتبعوه فهو مولاكمُ الّذي | له برسولِ الله دونكمُ الفخر |
و إلاّ فبعداً للبعيدِ فبينهُ | وبينكُمُ ما لا يُقرِّبُهُ الدّهر |
افي ابن أبي السِّبطينِِ أم في طليقم | تنزَّلتِ الآياتُ والسُّورُ الغرُّ |
بني نتلة ٍ ما أورثَ اللهُ نتلة ً | و ما نسلتْ هل يستوي العبدُ والحرُّ |
و أنّى بهذا وهي أعدتْ برقِّها | أباكم فإياكم ودعوى ً هي الكُفر |
ذروا الناسَ ردُّوهم إلى من يسوسهم | فما لكُم في الأمرِ عُرْفُ ولا نُكْرُ |
أسرتمْ قروماً بالعراق أعزَّة ً | فقد فكَّ من أعناقهم ذلك الأسر |
و قد بزَّكم أيامكم عصبُ الهدى | وأنصارُ دينُ الله والبِيضُ والسُّمر |
ومُقْتَبَلٌ أيامُه متهلِّلٌ | إليه الشبابُ الغَضُّ والزمنُ النَّضر |
أدارَ كما شاءَ الوَرَى وتحيَّزَتْ | على السّبعة ِ الأفلاكِ أنمله العشر |
أتدرونَ من أزكى البريَّة ِ منصباً | و أفضلها إنْ عدِّدَ البدو والخضر |
تعالوا إلى حكّام كلِّ قبيلة ٍ | ففي الأرض أقيالٌ وأندية ُ زهر |
و لا تعدلوا بالصيدِ من آلِ هاشمٍ | ولا تتْرُكوا فِهْراً وما جمعَتْ فِهْر |
فجيئوا بمن ضَمَّتْ لُؤيُّ بن غالبٍ | وجيئوا بمن أدتْ كِنانَة ُ والنَّضْر |
ولا تَذَروُا عليا مَعَدٍّ وغيرِهَا | ليُعْرَفَ منكم مَن له الحقُّ والأمر |
ومن عجبٍ أنَّ اللسانَ جرى لهمْ | بذكرٍ على حين انقضَوا وانقضى الذكر |
فبادروا وعفّى اللهُ آثارَ ملكهمْ | فلا خبرٌ يلقاكَ عنهمْ ولا خبر |
الأ تلكم الأرضُ العريضة ُ أصبحتْ | وما لبني العبّاس في عرضها فتر |
فقد دالتِ الدنيا لآل محمّدٍ | و قد جرَّرتْ أذيالها الدولة ُ البكر |
ورَدَّ حقوقَ الطالبيّينَ مَن زكَتْ | صنائعُهُ في آلهِ وزكا الذُّخر |
معزُّ الهدى والدين والرحمِ التي | به اتَّصَلتْ أسبابُها ولهُ الشُّكْر |
منِ انتشاهمُ في كلِّ شرقٍ ومغربٍ | فبدّلَ أمناً ذلك الخوفُ والذُّعرُ |
فكُلُّ إمَاميٍّ يجيءُ كأنّمَا | على يدهِ الشِّعرى وفي وجهه البدر |
و لمّا تولَّتْ دولة ُ النُّصبِ عنهمُ | تولّى العمى والجهلُ واللّؤمُ والغدرُ |
حقوقٌ أتتْ من دونها أعصرٌ خلتْ | فما ردَّها دَهرٌ عليهم ولا عصر |
فجرَّدَ ذو التّاج المقاديرَ دونها | كما جُرِّدتْ بِيضٌ مضاربُها حُمرُ |
فأنقذها من برثنِ الدّهرِ بعدما | تواكلها القرسُ المنيَّبُ والهصرْ |
فأجْرَى على ما أنْزَلَ الله قَسْمَها | فلم يُتَخَرَّمْ منهُ قُلّ ولا كُثْر |
فدونكموها أهلَ بيتِ محمّدٍ | صفتْ بمعزّ الدين جمّاتها الكدر |
فقد صارتِ الدنيا إليكم مصيرَها | و صار له الحمدُ المضاعفُ والشكر |
إمامٌ رأيتُ الدِّينَ مرتبطاً بهِ | فطاعتهُ فوزٌ وعصيانهُ خسر |
أرى مدحَهُ كالمدح لله إنّهُ | قنوتٌ وتسبيحٌ يحطُّ به الوزر |
هو الوارثُ الدُّنيا ومن خُلقتْ لهُ | من الناس حتى يلتقي القطرُ والقطر |
و ما جهلَ المنصورُ في المهدِ فضلهُ | وقد لاحتِ الأعلامُ والسِّمَهُ البَهر |
رأى أن سيُسْمَى مالكَ الأرض كلها | فلمّا رآهُ قال ذا الصَّمَدُ الوَتْر |
و ما ذاكَ أخذاً بالفراسة وحدها | و لا أنه فيها إلى الظنِّ مضطرُّ |
و لكنَّ موجوداً من الأثر الذي | تلقّاهُ من حبرٍ ضنينٍ به حبر |
وكنزاً من العلم الرُّبوبيِّ إنّهُ | هو العلمُ حقّاً لا القِيافة ُ والزَّجْر |
فبَشِّرْ به البيتَ المحرَّمَ عاجِلاً | إذا أوجفَ التطوافُ بالناس والنَّفر |
وها فكأنْ قد زارَهُ وتَجانَفَتْ | به عن قصور المُلك طَيبة ُ والُّسرُّ |
هل البيتُ بيتُ اللّهِ إلاّ حريمهُ | و هل لغريبِ الدار عن دارهِ صبر |
منازلُهُ الأولى اللَّواتي يشُقْنَهُ | فليس له عنهُنَّ معْدى ً ولا قصْر |
وحيثُ تلَقّى جدُّهُ القدسِ وانتحَتْ | له كلماتُ اللّهِ والسرُّ والجهرُ |
فإن يَتَمَنَّ البيتُ تلك فقد دَنَتْ | مواقيتُها والعُسُر من بعدهِ اليُسر |
وإن حَنَّ من شوْقٍ إليكَ فإنّهُ | لَيوجَدُ من رَيّاكَ في جوِّه نَشْر |
ألستَ ابنَ بانيهِ فلو جئتهُ انجلتْ | غواشيه وابيضَّتْ مناسكُه الغُبْر |
حبيبٌ إلى بطحاءِ مكّة َ موسِمٌ | تحيّي معدّاً فيه مكّة ُ والحجر |
هناك تُضيءُ الأرضُ نوراً وتلتقي | دُنُوّاً فلا يَستبعِدِ السَّفَرَ السَّفرْ |
وتدري فُروضَ الحجِّ من نافِلاتِهِ | و يمتازُ عندَ الأمَّة ِ الخيرُ والشرُّ |
شهِدتُ لقد أعززتَ ذا الدينَ عزَّة ً | خَشِيتُ لها أن يَستبِدّ به الكِبْر |
فأمضيتَ عزماً ليس يعصيك بعده | من الناس إلاّ جاهلٌ بك مغترُّ |
أُهنّيكَ بالفتْحِ الذي أنا ناظِرٌ | إليهِ بعينٍ ليسَ يغمضها الكفر |
فلم تبقَ إلاّ البردُ تترى وما نأى | عليكَ مدى ً أقصى مواعيدءُ شهر |
وما ضَرَّ مصراً حينَ ألقَتْ قِيادَهَا | إليكَ أمَدَّ النّيلُ أم غالَهُ جَزْر؟ |
وقد حُبِّرَتْ فيها لك الخُطَبُ التي | بدائعُها نَظْمٌ وألفاظُها نَثْر |
فلم يهرقْ فيها لذي ذمَّة ٍ ذمٌ | حرامٌ ولم يحملْ على مسلمٍ إصر |
غدا جوهرٌ فيها غمامة َ رحمَة ٍ | يَقي جانبَيها كلَّ حادثة ٍ تَعْرُو |
كأنّي به قد سارَ في الناس سيرة ً | تودُّ لها بغدادُ لو أنّها مصر |
وتحسُدُهَا فيه المشارقُ أنّهُ | سواءٌ إذا ما حلَّ في الأرض والقَطر |
ومن أين تَعْدوهُ سياسة ُ مثلِها | وقد قُلِّصَتْ في الحربِ عن ساقِهِ الإزر |
وثقِّفَ ثثقيفَ الرُّدينيِّ قبلها | وما الطِّرْفُ إلاّ أن يُهذِّبَهُ الضُّمر |
وليسَ الذي يأتي بأوَّل ما كفى | فشُدَّ به مُلْكٌ وسُدَّ به ثَغر |
فما بمداه دون مجدٍ تخلُّفٌ | و لا بخطاه دونَ صالحة ٍ بهر |
سننتَ له فيهم من العدلِ سنَّة ً | هي الآية ُ المجلى ببرهانها السّحر |
على ما خلا من سِنَّة ِ الوحي إذْ خلا | فأذيالُها تضفو عليهم وتنجَرُّ |
وأوصيتَهُ فيهم برِفقكَ مُرْدَفاً | بجودكَ معقوداً به عهدُك البَرُّ |
وصاة ً كما أوصى بها الله رُسْلَهُ | وليس بإذنٍ أنت مسمعها وقر |
و ثنّيتها بالكتبِ من كلِّ مدرجٍ | كأنَّ جميعَ الخيرِ في طيهِ سطرْ |
يقولُ رجالٌ شاهَدوا يوم حكمِهِ | بذا تعمرُ الدنيا ولو أنَّها قفر |
بذا لا ضياعٌ حللَّوا حرماتها | وأقطاعَها فاستُصفيَ السَّهْلُ والوعرْ |
فحسبكمُ يا أهلَ مصرٍ بعدلهِ | دليلاً على العدل الذي عنه يَفترُّ |
فذاكٌ بيانٌ واضحٌ عن خليفة ٍ | كثير سواهُ عند معروفه نَزْر |
رضينا لكم يا أهلَ مصرٍ بدولة ٍ | أطاعَ لنا في ظلِّها الأمْنُ والوَفْر |
لكُمْ أُسْوة ٌ فينا قديماً فلم يكنْ | بأحوالنا عنكم خفاءٌ ولا ستر |
وهل نحنُ إلاّ مَعشَرٌ من عُفاتِهِ | لنا الصافناتُ الجُردُ والعَكَرُ الدَّثْر |
فكيفَ مواليهِ الّذينَ كأنّهمْ | سماءٌ على العافينَ أمطارها تّبر |
لبسنا بهِ أيّامَ دهرٍ كأنّما | بها وسنٌ أو مالَ ميلاً بها السّكر |
فيا مالِكاً هَديُ الملائكِ هَديُهُ | ولكنَّ نجرَ الأنبياء له نجر |
ويا رازقاً من كفِّهِ نَشَأ الحَيَا | وإلاّ فمِنْ أسرارِها نَبَعَ البحر |
ألا إنّما الأيامُ أيامُكَ التي | لك الشَّطرُ من نعمائها ولنا الشَّطر |
لك المجدُ منها يا لك الخيرُوالعلى | وتَبقى لنا منها الحَلوبة ُ والدَّرُّ |
لقد جُدْتَ حتى ليس للمالِ طالِبٌ | وأنفقْتَ حتى ما لُمنْفِسَة ٍ قَدْر |
فليسَ لمن لا يرتقي النّجمَ همّة ٌ | وليس لمن لا يستفيدُ الغِنى عُذر |
وددتُ لجيلٍ قد تقدّمَ عصرهم | لو استأخروا في حلبة العمرِ أو كروا |
ولو شَهِدوا الأيام والعيشُ بعدهم | حدائقُ الآمالُ مونقة ٌ خضر |
فلو سَمِعَ التثويبَ مَن كان رِمَّة ً | رُفاتاً ولبى ّ الصوتَ مَن ضَمَّه قَبر |
لناديتُ من قد ماتَ : حيَّ بدولة ٍ | تقامُ لها الموتى ويرتجعُ العمر |