حلفتُ بالسّابغاتِ البيضِ واليلبِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حلفتُ بالسّابغاتِ البيضِ واليلبِ | وبالأسِنّة ِ والهِنْدِيّة ِ القُضُبِ |
لأنْتَ ذا الجيشُ ثمّ الجيشُ نافلَة ٌ | وما سِواكَ فَلغْوٌ غيرُ محْتسَبِ |
ولو أشرْتَ إلى مصرٍ بسَوطكَ لمْ | تحوجك مصرٌ إلى ركض ولا خببِ |
ولوْ ثنَيْتَ إلى أرضِ الشآمِ يداً | ألقَتْ إليك بأيدي الذل من كثَبِ |
لعلّ غيركَ يرجو أن يكونَ له | عُلُوُّ ذكركَ في ذا الجحفل اللّجِبِ |
أو أن يصرِّفَ هذا الأمرَ خاتمُهُ | كما يصرِّفُ في جدٍّ وفي لعبِ |
هيهاتَ تأبَى عليهم ذاكَ واحدة ٌ | أن لا تدورَ رحى ً إلا على قطب |
أنتَ السّبيلُ إلى مصرٍ وطاعتها | ونُصْرَة ِ الدّين والإسلامِ في حلَب |
و أينَ عنكَ بأرضٍ سستها زمناً | و ازدانَ باسمكَ فيها منبرُ الخطب |
ألستَ صاحبَ أعمالِ الصّعيدِ بها | قِدْماً وقائِدَ أهْلِ الخَيْمِ والطُّنُبِ |
تَشوّقَ المشرِقُ الأقصى إليك وكمْ | تركتَ في الغَرْبِ من مأثورة ٍ عَجَب |
و كمْ تخلّفُ في أوراسَ من سيرٍ | سارت بذكرك في الأسماع والكتب |
وكان خِيساً لآسادِ العرين وقد | غادرته كوجار الثعلبِ الخرب |
قد كنتَ تملأهُ خيلاً مضمَّرة ٍ | يحْمِلنَ كلّ عتيدِ البأسِ والغضَب |
وأنتَ ذاك الذي يَدوي الصعيدَ كأنْ | لم تَنْأ عن أهْلهِ يوماً ولم تغِبِ |
كن كيفَ شئتَ بأرضِ المشرقينَ تكن | بها الشّهابَ الذي يعلو على الشّهب |
فأنتَ من أقطعَ الأقطاعَ واصطنعَ الـ | معروفَ فيها ولم تظلم ولم تحب |
فسرْ على طرقكَ الأولى تجدْ أثراً | من ذيل جيشك أبقى الصخر كالكثبِ |
و نفحة ً منك في إخميمَ عاطرة ً | مسكيّة ً عبقتْ بالماء والعشبِ |
فلا تَلاقَيتَ إلاّ مَن ملكْتَ ومنَ | أجرتَ من حادث الأيّامِ والنُّوبِ |
ولا تَمُرُّ على سِهْلٍ ولا جَبَلٍ | لم تُرْوِهِ من نَدى ً أو من دمٍ سَرِبِ |
أرضاً غَنِيتَ بها عِزّاً لمُغتصَبٍ | سيراً لمكتسبٍ مالاً لمنتهب |
فما صفا الجوُّ فيها منذُ غبتَ ولا | له انفراجٌ إلى حيّ من العربِ |
وقَلّ بعدَك فيهم من يُذَبِّبُ عن | جارٍ ويدفعُ عن مجدٍ وعن حَسَبِ |
فإنْ أتَيْتَهُمُ عن فَترَة ٍ فهُمُ | كما عهدتهمُ في سالفِ الحقب |
إذ تجنبُ الحصنَ الجردَ العتاقَ بها | وإذ تُصَبّحُ أهلَ السّرجِ والجلَب |
و تخضبُ الحلقَ الماذيّ من علقٍ | كأنما صاغها داودُ من ذهب |
إذِ القبائلُ إمّا خائفٌ لكَ أو | راجٍ فمن ضاحكٍ منهم ومنتحب |
فحلّة ٌ قد أجابت وهي طائعة ٌ | و قبلها حلّة ٌ عاصت ولم تجبب |
فتلكَ ما بينَ مستنٍّ ومنتعشٍ | و هذه بين مقتولٍ ومنتهب |
فكم ملاعبِ أرماحٍ تركتَ بها | تدعو حلائله بالويل والحرب |
و كم فتى كرمٍ أعطاكَ مقودهُ | فاقتادَ كلُّ كريم النفسِ والنسبِ |
إن لا تقد عظمَ ذا الجيش اللهام فقد | شاركتَ قائدَهُ في الدَّرّ والحَلَبِ |
فالنّاسُ غيرَك أتباعٌ له خَوَلٌ | وأنتَ ثانيه في العَليا من الرّتب |
أيّدتهُ عضداً فيما يحاولهُ | وكُنتُما واحداً في الرأي والأدب |
فليسَ يسلكُ إلاّ ما سلكتَ ولا | يسيرُإلاّعلى أعلامكَ اللُّحبِ |
فقد سَرَى بسِراجٍ منك في ظُلَمٍ | وقد أُعينَ بسَيْلٍ منك في صبَبَ |
جَرَيتُما في العلى جَريَ السواء معاً | فجئتُما أوَلاً والخَلقُ في الطّلَبِ |
و أنتما كغراريْ صارمٍ ذكرٍ | قد جُرّدا أو كَغربَي لهذَمٍ ذَرِبِ |
وما أدامَتْ له الأيامُ حَزمَك أو | عاداتِ نصرك في بدءٍ وفي عقب |
فليسَ يعيا عليه هولُ مطّلعٍ | وليس يَبعُدُ عنه شأوُ مُطّلَب |