أحبب بتيَّاكَ القبابِ قبابا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أحبب بتيَّاكَ القبابِ قبابا | لا بالحُداة ِ ولا الركابِ رِكابا |
فيها قلوبُ العاشقينَ تخالها | عَنَماً بأيْدي البِيضِ والعُنّابا |
بأبي المها وحشية ٌ أتبعتها | نفساً يشيّعُ عيسها ما آبا |
والله لولا أن يُسفّهني الهوى | ويقولَ بعضُ القائلينَ تصابى |
لكسْرتُ دُمْلُجَها بضيق عناقِها | ورشفتُ من فيها البَرودِ رُضابا |
بِنْتُمْ فلولا أن أُغيّرَ لِمتي | عبثاً وألقاكمْ عليَّ غضابا |
لخضبتُ شيباً في عذاري كاذباً | ومحوتُ محو النقسِ عنهُ شبابا |
وخلعتهُ خلعَ العذارِ مذمماً | واعتضتُ منْ جلبابهِ جلبابا |
كالخصمِ تَسَوّرُوا المِحرابا | لو أنني أجدُ البياضَ خضابا |
وإذا أردتَ على المشيبِ وِفادَة ً | فاجعلْ إليه مَطيكَ الأحقابا |
فلتأخذَنّ من الزمان حَمامَة ً | ولتدفعنًَّ إلى الزمانِ غرابا |
ماذا أقول لريبِ دَهْرٍ جائرٍ | جَمَعَ العُداة َ وفرّقَ الأحبابا |
لمْ ألقَ شيئاً بعدكمْ حسناً ولا | مَلِكاً سوى هذا الأغرّ لُبابا |
هذا الذي قدْ جلَّ عنْ أسمائهِ | حتى حَسِبنُاها له ألقابا |
مَن ليس يرْضى َ أن يُسمّى جعفراً | حتى يُسمّى جَعْفَرَ الوهّابا |
يَهَبُ الكتائبَ غانماتٍ والمَهَا | مستردفاتٍ والجيادَ عراباً |
فكأنما ضربَ السَّماءَ سرادقاً | بالزّابِ، أو رَفعَ النّجومَ قَبابا |
قد نالَ أسباباً إلى أفلاكِها، | وسيبتغي من بعدها أسبابا |
لبِسَ الصّباحُ به صَباحاً مُسْفرِاً | وسقَتْ شَمائِلُه السّحابَ سحابَا |
قد باتَ صوبُ المزن يسترقُ النَّدى | من كفّه فرأيتُ منه عجابَا |
لم أدْرِ أنّى ذاك إلاّ أنّني | قد رابني من أمرهِ ما رابا |
وبأبي أنمله أطاف ولمْ يَخفَ | من بأسِها سَوطاً علَيهِ عَذابَا |
و هو الغريقُ لئنْ توسّطَ موجها | والبحرُ مُلتَجٌ يَعُبُّ عُبابَا |
ماضي العزائمِ غيرهُ اغتنمَ اللُّهى | في الحربِ واغتَنَمَ النّفوسَ نِهابَا |
فكأنّه والأعوجيَّ إذا انتحى | قمرٌ يُصرّفُ في العنانِ شِهابَا |
ما كنتُ أحسَبُ أن أرَى بشراً كذا | ليثاً ولا دِرْعاً يسمى ّ غابَا |
وَرداً إذا ألقَى على أكتادِهِ | لبداً وصرّ بحدّ نابٍ نابَا |
فرَشَتْ له أيدي الليوثِ خدودَها | و رضينَ ما يأتي وكنّ غضابَا |
لولا حفائظه وصعبُ مواسهِ | ما كانتِ العربُ الصّعاب صعاباً |
فمن أجلِ ذا نجدُ الثّغورَ عذابا | |
لو شَقّ عن قلبي امتحانُ ودَادهِ | لوجدتَ من قلبي عليه حجابا |
و قد كنتُ قبلَ نداكَ أزجي عارضاً | فأشيمُ منه الزِّبرجَ المُنجابا |
آليتُ أصدُرُ عن بحارك بعدما | قِستُ البحار بها فكنّ سرابا |
لم تُدْنِني أرضٌ إليكَ وإنّما | جئتُ السماءَ ففتحت أبوابا |
و رأيتُ حولي وفدَ كلّ قبيلة ٍ | حتى توهمتُ العراقَ الزّابا |
و سمعتُ فيها كلّ خطبة فيصلٍ | حتى حَسِبْتُ مُلوكَها أعْرابا |
و رأيتُ أجبلَ أرضها منقادة ً | فحسبتها مدّتْ إليكَ رقابا |
و سألتُ ما الدّهرِ فيها أشيباً | فإذا به من هوْل بأسكَ شابا |
سَدّ الإمامُ بكَ الثغورَ وقبلَهُ | هَزَمَ النبيُّ بقوْمكَ الأحزابا |
لو قلتُ إنّ المرهفاتِ البيضَ لم | تُخْلَقْ لغَيركُمُ لقُلتُ صَوابا |
أنتمْ ذوو التيجانِ من يمنٍ إذا | عدَّ الشّريفُ أرومة ً ونصابا |
إن تمثيلْ منهاالملوكُ قصوركمْ | فالطالما كانوا لها حجّابا |
هَلْ تشكُرَنّ ربيعة ُ الفَرَسِ التي | أوْلَيْتُمُوها جَيئَة ً وذَهَابا |
أو تحمدُ الحمراءُ من مُضَرٍ لكُمْ | مَلِكاً أغَرّ وقادة ً أنجابا |
أنتُمْ منَحَتُم كلّ سيّد معشَرٍ | بالقُربِ من أنسابكم أنسابا |
هبكمْ منحتمْ هذه البدرَ التي | عملتْ فكيف منحتمُ الانسابا |
قلّتم فأُصمِتَ ناطقٌ وصَمَتُّمُ | فبلغتم الإطنابا والإسهابا |
أقسمتُ لو فارقتمُ أجسامكم | لَبَقِيتُمُ من بعْدها أحبابا |
و لو أنّ أوطانَ الدّيارِ نبتْ بكم | لسكنتمُ الأخلاقَ والآدابا |
لكَ هذه المهجُ التي تدعى الورى | فأمُرْ مُطاعَ الأمْرِ وادْعُ مُحابا |
لو لم تكن في السلم أنطَقَ ناطقٍ | لكفاكَ سيفك أن يحيرَ خطابا |
ولئن خرجتَ عن الظنونِ ورجمِها | فلَقَدْ دخلْتَ الغيبَ باباً بابا |
ما الله تاركَ ظُلْمِ كفّكَ للُّهى | حتى يُنَزّل في القِصاصِ كتابا |
ليس التّعجّبُ من بحاركَ إننَّي | قِسْتُ البحارَ بها فكُنّ سَرابا |
لكنْ من القدرِ الّذي هو سابقٌ | إنْ كانَ أحصى ما وهبتَ حسابا |
إني اختصرتُ لك المديحَ لأنّه | لم يَشْفِني فجعلْتُهُ إغبابا |
و الذّنبُ في مدحٍ رأيتكَ فوقهُ | أيُّ الرّجال يُقالُ فيكَ أصابا |
هَبْني كذي المحراب فيك ولُوّمي | |
فأنا المُنيبُ وفيه أعظمُ أُسْوة ٍ | قد خرّ قبلي راكعاً وانابا |