ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى | و كلُّ حياة ٍ إلى منتهى |
و ما غرّ نفساً سوى نفسها | وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى |
فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَة ٍ | و أسرعُ في السمعِ من ذا ولا |
ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ | يرى ملءَ عينيهِ ما لا يرى |
و ليسَ النَّواظرُ إلاّ القلوبُ | وأمّا العيونُ ففِيها العمى |
ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ | فأسْطو عليه إذا ما سطا |
يجدُّ بنا وهو رسلُ العنانِ | و يدركنا وهو داني الخطى |
برى أسهماً فنبا ما نبا | فلم يبقَ إلاَّ ارتهافُ الظُّبى |
تراشُ فترمى فتنمي فلا | تَحِيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى |
أأهضمُ لا نبعتي مرخة ٌ | و لا عزماتي أيادي سبا |
على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ | على ما ينوبُ سليمُ الشظى |
و لو غيرُ ريبِ المنونِ اعتدى | عليّ وجرّبني ما اعتدى |
خليليّ هل ينفعنّي البكاءُ | أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى ؟ |
خليليّ سيرا ولا تَربعَا | عليّ، فهَمّيَ غيرُ الثَّوى |
ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطَيّ | و قلبٌ يسدُّ عليّ الفلا |
سلا قبل وشك النوى مدنفاً | أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى |
وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه | فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهى |
ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ | و قلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا |
وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ: | أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى ؟ |
وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ | و قلّدَ ذا الصّارمَ المنتضى |
و أقبلهُ المزنُ في جحفلٍ | و أكذبَ أن صدّعني الكرى |
أشيمكَ يا برق شيمَ النُّجيمْ | وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى |
كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ | فأضعفنا يتشكّى الوجى |
فجبتَ الغمامَ وجبتَ الغرامَ | حنانيك ليس سُرى ً من سُرى |
أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ | و دعني لشاني إذا ما انقضى |
فلو كنتُ أطوي على فتكهِ | تكشّفَ صبحي عن الشَّنفري |
و ما العين تعشقُ هذا السّهادَ | ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا |
أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ | و أعلى الهضابِ وأعلى الرُّبى |
أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب | وذا البْرقُ في مثل هذا السنا |
ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ | وأوقدَ هذا بنارِ الحشا |
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى | مكارمَ أربابها ما هَمَى |
و في ذي النواويسِ موجُ البحارِ | وما بالبحارِ إليْهِ ظِما |
هلمّوا فذا مصرَعُ العالمينَ | فمن كلّ قلبٍ عليهِ أسى |
وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى | كآلِ عليّ لأمُّ الورى |
فلوْ عِزّة ٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً | لأنطقَ ملحدها ما يرى |
بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ، | و هذي العناجيجُ قبُّ الكلى |
ولّما أتينا سقَتْه الدموعُ | فما باتَ حتى سقاه الحيا |
وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى | ولكنْ لبيكِ النَّدى بالنَّدى |
وقد خدّ في الشمس أخدودَه | فباتَ يظُنُّ الثّريّا السُّهَى |
وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ | وفي ذي النواويسِ مْوجُ البحارِ |
وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ | وثمّ الحطيمُ وثمّ الصَّفا |
وبينَ الشمالِ وبين الجنوبِ | في هَبوَة ٍ من مَهَبّ الصبَّا |
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى | أما كان في واحدٍ ما كفى |
أما والركوعُ به والسجودُ | إذا ما بكى َ قانتٌ أو دعا |
لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ | أحقُّ من الخيفِ بي أو منى |
عليّ وجرّبني ما اعتدى | وفي الذاهبينَ وفى منْ وفى |
أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ | فمنها فُرادى ومنها ثُنا |
فما لي لا أقتدي بالكرامِ | وأُوثِرُ سُنّة َ مَن قد خلا |
إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ | ولا عَزَماتي أيادي سَبا |
ولا ترضَ إلاّ بعقرِ الثناءِ | ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا |
وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا | عليه تكوسُ ذواتُ الشَّوى |
إذاً لم تغادرْ غريْريّة ً | تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى |
وأمّا العيونُ ففِيها العمى | وأخوالُه فيه شِرْعاً سُوى |
وإنّ حصاناً نمتْ جعفراً | ويحيى لعاديّة ُ المنتمى |
فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ | وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى |
تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ | وما أجأ إلاّ حِصانٌ ويعبوب |
ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم | ومن مجدها في أشمّ الذُّرى |
فمن قومكَ الصِّيدُ صيدُ الملوكِ | ومن قومها الأسدُ أسدُ الشرى |
فوارسُ تنضي المذاكي الجيادَ | إذا ما قرعنَ العُجا بالعجا |
يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ | إذا ما الحديدُ عليهم دجا |
فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك | فأنتَ الحياة ُ وأنتَ الرّدى |
فصِلُّكَ يُرقى ولا يستجيبُ | فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ |
ومن ذاك أضنيتَ صرفَ الزمان | فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى |
فلم تغمدِ السيفَ حتى انثنى | ولم تصرفِ الرُّمحَ حتى انحنى |
وإنّ الذي أنتَ صنوٌ له | لماضي العزائمِ عردُ النَّسا |
يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا | ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى |
ويحيَى لَعاديّة ُ المنتمى | إذا سألوا من فتى ً قيلَ ذا |
بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ | فمن مُنجتباة ٍ ومنم مجتبى |
لأماتنا نصفُ أنسابنا | فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ |
دعائمُ أيامنا في الفخارِ | وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى |
ألمْ ترَ هنّ يباريننا | فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى |
كفلنَ لنا بظلالِ الخيام | وأكفَلَننَا بظِلالِ القَنا |
وتغدو فمنهنّ أسماعُنا | وأبصارنا في حجالِ المها |
فلو جازَ حكميَ في الغابرينَ | وعدّلْت أقسامَ هذا الوَرَى |
لسمّيتُ بعض النساء الرجالَ | وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا |
إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ | فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى |
تولّتْ مُرَقِّلَة ً للملوكِ | فمن مصطفى النجل أو مرتضى |
وأكثرُ آمالِها فيكما | وفي القلبِ منها كجمرِ الغضا |
فقد أدركتْ ما تمنّتْ فلا | تضيقا عليها بباقي المُنى |
فلولا الضّريحُ لنادتكما | تُعيذُ كما من شماتِ العِدى |
فإمّا تزيدانِ في أنسها | وإما تذودانِ عنها البِلى |
فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ | فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى |
ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ | فإنّ الدّليلَ ائتلافُ الهوى |
وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى | فما بيدٍ عن يدٍ من غنى |
وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ | وليس العمادُ بغيرِ البنا |
ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ | فليس يخافُ ولا يُرتجى |