الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ | والصبر حيثُ الكِلّة ُ السِّيَراءُ |
ما للمهارى الناجياتِ كانَّها | حتمٌ عليها البَينُ والعُدَواءُ |
ليس العجيبُ بأن يُبارِينَ الصَّبا | والعذلُ في أسماعِهِنّ حُداءُ |
تدنو منالَ يدِ المحبّ وفوقها | شمسُ الظهيرة ِ خدرها الجوزاء |
بانتْ مُوَدِّعة ً فجيدٌ مُعْرِضٌ | يومَ الوداع ونظرة ٌ شزْراء |
وغدتْ مُمنَّعة َ القِباب كأنها | بين الحِجالِ فريدة ٌ عصماء |
حُجَبُت ويُحجب طيفُها فكأنما | منهم على لحظاتِها رُقباء |
ما بانة ُ الوادي تثنّى خوطها | لكنّها اليَزَنيّة ُ السّمْراء |
لم يبقَ طرفٌ أجردٌ إلاّ أتى | من دونهاوطِمِرّة ٌ جرداء |
ومفاضة ٌ مسرودة ٌ وكتيبة ٌ | مَلمومَة ٌ وعَجاجَة ٌ شهباء |
ماذا أُسائِلُ عن مغَاني أهلِها | وضميريَ المأهولُ وهي خَلاء |
لله إحدى الدّوحِ فاردة ً ولا | للهِ محنية ٌ ولا جرعاء |
بانَتْ تَثَنّى لا الرّياحُ تَهُزُّهَا | دوني ولا أنفاسيَ الصُّعداء |
فكأنّما كانتْ تَذكَّرُ بيْنَكم | فتميدُ في أعطافها البُرحاء |
كلُّ يهيجُ هواكَ إمّا أيكة ٌ | خضراءُ أو أيكة ٌ ورقاء |
فانظرْ!أنارٌ باللّوى أم بارِقٌ | متألّقٌ أم راية ٌ حمراء |
بالغورِ تخبو تارة ً ويشبُّها | تحتَ الدُّجنّة ِ مندلٌ وكباء |
ذمَّ الليالي بعدَ ليلتنا التي | سَلَفَتْ كما ذمَ الفراقَ لقاء |
لبِستْ بياضَ الصّبْح حتى خلتُها | فيه نجاشيّاً عليه قَباء |
حتى بدتْ والبدرُ في سِرْبالِها | فكأنّها خيفانة ٌ صدراء |
ثمّ انتحى فيها الصّديعُ فأدبَرَتْ | فكأنّها وَحْشِيّة ٌ عَفْراء |
طويتْ لي الأيامُ فوقَ مكايدٍ | ما تَنْطوي لي فوقَها الأعْداء |
ما كانَ أحسنَ منْ أياديها الّتي | تُولِيكَ إلاّ أنّها حَسْناء |
ما تُحسِنُ الدنيا تُديمُ نعيمَها | فهي الصَّناعُ وكفُّها الخرَقاء |
تشأى النَّجازَ عليّ وهيَ بفتكهِا | ضِرغامَة ٌ وبِلوْنِها حِرْباء |
إنَ المكارمَ كنّ سرباً رائداً | حتّى كنسنَ كأنَّهنّ ظباء |
وطِفقْتُ أسألُ عن أغرَّ مَحجَّلٍ | فإذا الأنامُ جِبِلّة ٌ دَهماء |
حتى دُفعْتُ إلى المعزّ خليفة ً | فعملتُ أنّ المطلَب الخُلفاء |
جودٌ كأنّ اليمّ فيهِ نفاثة ٌ | و كأنما الدّنياعليهِ غثاء |
مِلكٌ إذا نطقَتْ عُلاهُ بمدحِهِ | خرسَ الوفودُ وأفحمَ الخطباء |
هو علّة الدُّنيا ومن خلقتْ له | و لعلّة ٍ ما كانتِ الأشياء |
من صفوِ ماء الوحي وهوَ مُجاجة ٌ | من حَوضه الينبوع وهو شفاء |
من أيكة ِ الفرْدوْس حيثُ تفتقتْ | ثمراتها وتفيّأ الأفياء |
من شعلة القبَس التي عُرِضتْ على | موسى وقد حارتْ به الظَّلماء |
من معدنِ التقديسِ وهو سلالة ٌ | من جوهرِ الملكوتِ وهو ضياء |
من حيثُ يقتبسُ النهارُ لمبصرٍ | و تشقُّ عن مكنونها الانباء |
فتَيَقّظوا من غَفْلة ٍ وتَنَبّهوا | ما بالصبّاحِ عن العيونِ خَفاء |
ليستْ سماءُ الله ما تَرْأونَها | لكنّ أرضاً تحتويهِ سماء |
أمّا كواكِبُها له فخَواضِعٌ | تخفي السُّجودَ ويظهرُ الإيماء |
و الشمسُ ترجعُ عن سناه جفونها | فكأنّها مَطرُوفة ٌ مَرْهَاء |
هذا الشفيعُ لأمَّة ٍ يأتيْ بها | وجُدُودُهُ لجدُودِها شُفعاء |
هذا أمينُ اللهِ بينَ عبادهِ | و بلادهِ إنْ عدَّتِ الأمناء |
هذا الَّذي عطفتْ عليهِ مكة ٌ | وشعابهاو الرُّكنُ والبطحاء |
هذا الأغَرُّ الأزهَرُ المتألقُ المـ | ـتَدَفِّقُ المُتَبَلِّجُ الوضّاء |
فعَليهِ من سِيما النبيّ دَلالَة ٌ | وعليهِ من نورِ الإلهِ بَهاء |
وَرِثَ المُقيمَ بيثرِبٍ فالمِنبرُ الـ | ـأعْلى له والتُّرعَة ُ العَلياء |
والخطبة ُ الزّهراء فيها الحكمة الـ | ـغَرّاءُ فيها الحجّة ُ البَيضاء |
للنّاس إجماعٌ على تفضيلهِ | حتى استَوَى اللُّؤماءُ والكُرَماء |
واللُّكْنُ والفُصَحاء والبُعَداء والـ | قرباءُ والخصماءُ والشُّهداء |
ضرّابُ هامِ الرّومِ منتقماً وفي | أعناقهمْ منْ جودهِ أعباء |
تجري أياديه التي أولاهمُ | فكأنَّها بينَ الدمّاءِ دماء |
لولا انبعاثُ السيف وهو مسلَّطٌ | في قتْلهمْ قَتَلَتْهُمُ النَّعْماء |
كانتْ ملوكُ الأعجمَينِ أعزّة ً | فأذلّها ذو العزِّة ِ الأبَّاء |
لنْ تصغرَ العظماءُ في سلطانهم | إلاّ إذا دلفَتْ لها العُظَماء |
جهلَ البطارقُ أنّهُ الملكُ الذي | أوصى البنينَ بسلمهِ الآباء |
حتى رأى جهَّالهم من عزمهِ | غبَّ الذي شهدتْ به العلماء |
فتقاصرُوا من بعدما حكمَ الردى | و مضى الوعيدُ وشبِّتِ الهيجاء |
والسيْلُ ليسَ يحيدُ عن مُستنّهِ، | و السّهمُ لا يدلى به غلواء |
لم يُشرِكوا في أنّهُ خَيرُ الوَرَى | ولِذي البَريّة ِ عندهُمْ شُركاء |
و إذا أقرّ المشركونَ بفضلهِ | قَسْراً فما أدراكَ ما الخُنفاء |
في الله يسري جودُهُ وجُنودُهُ | و عديدهُ والعزمُ والآراءُ |
أومَا ترى دولَ الملوكِ تطيعه | فكأنَّها خولٌ لهُ وإماء |
نَزَلَتْ ملائكة ُ السماءِ بنصرِهِ | وأطاعَهُ الإصْباحُ والإمساء |
والفُلْكُ والفَلَكُ المُدارُ وسعدُهُ | والغَزْوُ في الدّأماءِ والدّأماء |
والدهرُ والأيّامُ في تصريفِها | والناسُ والخضراءُ والغَبراء |
أينَ المفرُّ ولا مفرَّ لهاربٍ | و لكَ البسيطانِ الثُّرى والماء |
ولكَ الجواري المنشآتُ مواخراً | تَجري بأمركَ والريّاحُ رخاء |
و الحاملات وكلُّها محمولة ٌ | والنّاتِجات وكلّها عذراء |
و الأعوجيّات التي إن سوبقتْ | سبقت وجريُ المذكيات غلاء |
الطائرات السّابحات السّابقا | ت الناجيات إذا أستُحِثّ نَجاء |
فالبأسُ في حمس الوغى لكماتها | والكبرياءُ لهُنّ والخُيلاء |
لا يصدرونَ نحورها يومَ الوغى | إلاّ كما صبغَ الخدودَ حياء |
شمُّ العَوالي والأنوفِ تَبَسّموا | تحت القُنوس فأظلموا وأضاءوا |
لبسوا الحديدَ على الحديدِ مظاهراً | حتى اليلامقَ والدروعُ سواء |
و تقنّعوا الفولاذَ حتى المقلة ُ النَّجـ | لاء فيها المقلة ُ الخوصاء |
فكأنّما فوقَ الأكُفّ بَوارقٌ | وكأنّما فوقَ المُتونِ إضاء |
من كلّ مسرودِ الدَّخارص فوقه | حبكٌ ومصقولٍ عليه هباء |
وتَعانَقوا حتى رُدَيْنيّاتُهُم | عطْشَى وبِيضُهُمُ الرقاقُ رِواء |
أعززتَ دينَ اللهِ يا ابنَ نبيّهِ | فاليومَ فيهِ تخمطٌ وإباء |
فأقلُّ حظّ العُرْبِ منكَ سعادة ٌ | وأقلُّ حظّ الرّومِ منكَ شقاء |
فإذا بعثْتَ الجيشَ فهوَ منيّة ٌ | وإذا رأيتَ الرأيَ فهوَ قَضاء |
يكسو نَداكَ الروْضَ قبل أوانهِ | و تحيدُ عنكَ اللَّزابة ُ اللأواء |
وصِفات ذاتك منكَ يأخذها الورى | في المكرماتِ فكلّها أسماء |
قد جالتِ الأوهام فيك فدقّتِ الـ | أفكارُ عنكَ فجلّتَ الآلاء |
فعنتَ لكَ الابصارُ وانقاذتْ لكَ | الاقدارُ واستحيتْ لكَ الانواء |
و تجمّعتْ فيكَ القلوبُ على الرّضى | و شيّعتْ في حبكَ الأهواء |
أنتَ الذي فصلَ الخطابَ وإنّما | بكَ حكَّمتْ في مدحكَ الشُّعراء |
وأخصُّ منزِلة ً من الشّعراء في | أمثالِها المضروبة ِ الحُكَماء |
أخذوا الكلامَ كثيرهَ وقليلَه | قِسمَينِ: ذا داءٌ وذاكَ دواء |
دانوا بأنَّ مديحهمْ لكَ طاعة ٌ | فَرْضٌ فليسَ لهم عليك جَزاء |
فاسلمْ إذا رابَ البريَّة َ حادثٌ | و اخلدْ إذا عمّ النفوسَ فناء |
يفْديكَ شهْرُ صِيامِنا وقِيامنا | ثمّ الشُّهورُ له بذاك فِداء |
فيه تنزّلَ كلُّ وحي منزلٍ | فلأهلِ بيتِ الوحي فيه ثناء |
فتطولُ فيه أكفُّ آلِ محَمدٍ | وتغلُّ فيهِ عن الندى الطُّلقاء |
ما زلْتَ تَقضي فَرضَه وأمامَه | ووراءَه لكَ نائلٌ وحِباء |
حسبي بمدحك فيه ذخراً إنّه | للنُّسْكِ عند الناسكين كِفاء |
هيهات منّا شكرُ ما تُولي ولو | شكرتك قبلَ الألسنِِ الأعضاء |
و اللهُ في علياكَ أصدقُ قائلٍ | فكأنّ قولَ القافلينَ هُذاء |
لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ | في رَاحتَيْكَ يدورُ كيف تشاء |