أمر المعتمد أحمد المولد بالمسير إلى البصرة لحرب الزنج، فسار حتى نزل الأبلة، ثم نزل البصرة، واجتمع إليه من أهلها خلق كثير، فسير علي بن أبان المهلبي إلى حرب المولد يحيى بن محمد البحراني، فسار إليه فقاتله عشرة أيام، ثم وطن المولد نفسه على المقام، فكتب العلوي إلى يحيى يأمره بتبييت المولد، ووجه إليه الشذا مع أبي الليث الأصفهاني، فبيته، ونهض المولد فقاتله تلك الليلة، ومن الغد إلى العصر، ثم انهزم عنه، ودخل الزنج عسكره فغنموا ما فيه.


أمر المعتمد موسى بن بغا الكبير بالمسير إلى حرب صاحب الزنج، فسير إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاق بن كنداجيق، وإلى باذاورد إبراهيم بن سيما، وأمرهم بمحاربة صاحب الزنج، فلما ولي عبد الرحمن الأهواز سار إلى محاربة علي بن أبان المهلبي، فتواقعا فانهزم عبدالرحمن؛ ثم استعد وعاد إلى علي، فأوقع به وقعة عظيمة قتل فيها من الزنج قتلا ذريعا وأسر خلقا كثيرا، وانهزم علي بن أبان والزنج، ثم أراد ردهم فلم يرجعوا من الخوف الذي دخلهم من عبد الرحمن، فلما رأى ذلك أذن لهم بالانصراف، فانصرفوا إلى مدينة صاحبهم، ووافى عبد الرحمن حصن مهدي ليعسكر به، فوجه إليه صاحب الزنج علي بن أبان، فواقعه فلم يقدر عليه، ومضى يريد الموضع المعروف بالدكة، وكان إبراهيم بن سيما بالباذاورد، فواقعه علي بن أبان، فهزمه علي بن أبان، ثم واقعه ثانية، فهزمه إبراهيم، فمضى علي في الليل ومعه الأدلاء في الآجام، حتى انتهى إلى نهر يحيى، وانتهى خبره إلى عبد الرحمن، فوجه إليه طاشتمر في جمع من الموالي، فلم يصل إليه؛ لامتناعه بالقصب والحلافي، فأضرمها عليه نارا فخرجوا منها هاربين، فأسر منهم أسرى، وانصرف أصحاب عبد الرحمن بالأسرى والظفر، ثم سار عبد الرحمن نحو علي بن أبان بمكان نزل فيه، فكتب علي إلى صاحب الزنج يستمده، فأمده بثلاث عشرة شذاة، ووافاه عبد الرحمن، فتواقعا يومهما، فلما كان الليل انتخب علي من أصحابه جماعة ممن يثق بهم وسار وترك عسكره ليخفي أمره، وأتى عبد الرحمن من ورائه فبيته، فنال منه شيئا يسيرا، وانحاز عبد الرحمن فأخذ علي منهم أربع شذوات، وأتى عبد الرحمن دولاب فأقام به، وسار طاشتمر إلى علي فوافاه وقاتله، فانهزم علي إلى نهر السدرة، وكتب يستمد عبد الرحمن، فأخبره بانهزام علي عنه، فأتاه عبد الرحمن وواقع عليا عند نهر السدرة وقعة عظيمة، فانهزم علي إلى الخبيث، وعسكر عبد الرحمن، فكان هو وإبراهيم بن سيما يتناوبان المسير إلى عسكر الخبيث فيوقعان به، وإسحاق بن كنداجيق بالبصرة، وقد قطع الميرة عن الزنج، فكان صاحبهم يجمع أصحابه يوم محاربة عبد الرحمن وإبراهيم، فإذا انقضت الحرب سير طائفة منهم إلى البصرة يقاتل بهم إسحاق، فأقاموا كذلك بضعة عشر شهرا إلى أن صرف موسى بن بغا عن حرب الزنج، ووليها مسرور البلخي.


حصلت وقعة بين محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي- الذي تغلب على فارس- وعبدالرحمن بن مفلح، فكسره ابن واصل وأسره وقتل معظم جيشه فلم يفلت منهم إلا اليسير، فلما وصل خبرهما إلى يعقوب الصفار وهو بسجستان، تجدد طمعه في ملك بلاد فارس، وأخذ الأموال والخزائن والسلاح التي غنمها من ابن مفلح، فسار مجدا, وبلغ ابن واصل خبر قربه منه وأنه نزل البيضاء من أرض فارس، وهو بالأهواز، فعاد عنها لا يلوي على شيء، وأرسل خاله أبا بلال مرداسا إلى الصفار، فوصل إليه، وضمن له طاعة ابن واصل، فأرسل يعقوب الصفار إلى ابن واصل كتبا ورسلا، فحبسهم ابن واصل، وسار يطلب الصفار والرسل معه يريد أن يخفي خبره، وأن يصل إلى الصفار بغتة، فينال منه غرضه، ويوقع به, فسار في يوم شديد الحر، في أرض صعبة المسلك، وهو يظن أن خبره قد خفي عن الصفار، فلما كان الظهر تعبت دوابهم، فنزلوا ليستريحوا، فمات من أصحاب ابن واصل من الرجالة كثير؛ جوعا وعطشا، وبلغ خبرهم الصفار، فجمع أصحابه وأعلمهم الخبر وسار إلى ابن واصل، فلما قاربهم وعلموا به انخذلوا وضعفت نفوسهم عن مقاومته ومقاتلته، ولم يتقدموا خطوة، فلما صار بين الفريقين رمية سهم، انهزم أصحاب ابن واصل من غير قتال، وتبعهم عسكر الصفار، وأخذوا منهم جميع ما غنموه من ابن مفلح، واستولى على بلاد فارس، ورتب بها أصحابه وأصلح أحوالها, ومضى ابن واصل منهزما فأخذ أمواله من قلعته، وكانت أربعين ألف ألف درهم، وأوقع يعقوب بأهل زم؛ لأنهم أعانوا ابن واصل.


هو أحمد بن طولون أبو العباس، تركي الأصل، ولد بسامراء، عام 220ه كانت أمه جارية اسمها هاشم, أمير الديار المصرية، وباني الجامع المنسوب إليه، نشأ ابن طولون في صيانة وعفاف ورياسة وطلب للعلم ودراسة للقرآن العظيم، مع حسن الصوت به.

تنقلت به الأحوال؛ تأمر فولي ثغور الشام، ثم إمرة دمشق، ثم ولي الديار المصرية في سنة أربع وخمسين، وله إذ ذاك أربعون سنة, وكانت له أطماع توسعية على حساب الخلافة العباسية, والخليفة كان مشغولا عنه بحرب الزنج.

وكان بطلا شجاعا، مقداما مهيبا، سائسا جوادا، ممدحا باذلا، من دهاة الملوك.

لكنه كان جبارا سفاكا للدماء، أحصي من قتلهم صبرا، أو مات في سجنه، فبلغوا ثمانية عشر ألفا.

كان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والمنكرات.

بنى المارستان وأنفق عليه ستين ألف دينار، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا، وكانت له صدقات كثيرة جدا، وإحسان زائد.

ملك دمشق بعد أميرها ماخور، توفي بمصر من علة أصابته من أكل لبن الجواميس فأصيب بسببه فكواه الأطباء وأمروه أن يحتمي منه، فلم يقبل منهم، فكان يأكل منه خفية، فمات رحمه الله، وقد ترك من الأموال والأثاث والدواب شيئا كثيرا جدا، من ذلك عشرة آلاف ألف دينار، ومن الفضة شيئا كثيرا، وكان له ثلاثة وثلاثون ولدا، منهم سبعة عشر ذكرا.

قام بالأمر من بعده ولده خمارويه.


خرج المعتضد إلى الموصل، قاصدا حمدان بن حمدون التغلبي؛ لأنه بلغه أن حمدان التغلبي مال إلى هارون الشاري الخارجي، ودعا له، فلما بلغ الأعراب والأكراد مسير المعتضد تحالفوا أنهم يقاتلون على دم واحد، واجتمعوا وعبوا عسكرهم، وسار المعتضد إليهم في خيله، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرق منهم في الزاب خلق كثير.

ثم تابع المعتضد سيره إلى الموصل يريد قلعة ماردين، وكانت لحمدان بن حمدون، فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد، وقاتل من فيها يومه ذلك، فلما كان من الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة، وصاح: يا ابن حمدان, فأجابه، فقال له: افتح الباب، ففتحه، فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها، ثم وجه خلف ابن حمدون، وطلب أشد الطلب، وأخذت أموال له، ثم ظفر به المعتضد بعد عودته إلى بغداد.


تم الفداء بين المسلمين والروم، وكان عدة من فودي به من الرجال والنساء ثلاثة آلاف نفس.


هو أمير المؤمنين أبو محمد علي المكتفي بالله بن الخليفة المعتضد بن الأمير أبي أحمد الموفق بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد العباسي، وليس من الخلفاء من اسمه علي سواه بعد علي بن أبي طالب، وليس من الخلفاء من يكنى بأبي محمد سوى الحسن بن علي بن أبي طالب وهو، ولد سنة 264، وكان يضرب المثل بحسنه في زمانه.

كان معتدل القامة، أسود الشعر، حسن اللحية، جميل الصورة.

بويع بالخلافة عند موت والده في جمادى الأولى سنة 289، وفي أيامه فتحت أنطاكية وكان فيها من أسارى المسلمين بشر كثير وجم غفير، ولما حضرته الوفاة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر بن المعتضد، فأحضره في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة منها، وأحضر القضاة وأشهدهم على نفسه بأنه قد فوض أمر الخلافة إليه من بعده، ولقبه بالمقتدر بالله، ثم مات بعد عدة أيام، وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما.

مات شابا في الثلاثين من عمره، ثم تولى الخلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن المعتضد، فجددت له البيعة بعد موت أخيه وقت السحر لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وإحدى وعشرون يوما، ولم يل الخلافة أحد قبله أصغر منه.


خرج المهدي بنفسه إلى تونس وقرطاجنة وغيرهما يرتاد موضعا على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة، وكان يجد في الكتب خروج أبي يزيد على دولته، ومن أجله بنى المهدية، فلم يجد موضعا أحسن ولا أحصن من موضع المهدية، وهي جزيرة متصلة بالبر كهيئة كف متصلة بزند، فبناها وجعلها دار ملكه، وجعل لها سورا محكما وأبوابا عظيمة، وزن كل مصراع مائة قنطار، وكان ابتداء بنائها يوم السبت لخمس خلون من ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، فلما ارتفع السور أمر راميا أن يرمي بالقوس سهما إلى ناحية المغرب، فرمى سهمه فانتهى إلى موضع المصلى، فقال: إلى موضع هذا يصل صاحب الحمار، يعني أبا يزيد الخارجي؛ لأنه كان يركب حمارا، وكان يأمر الصناع بما يعملون، ثم أمر أن ينقر دار صناعة في الجبل تسع مائة شيني- مركب بحري- وعليها باب مغلق؛ ونقر في أرضها أهراء للطعام، ومصانع للماء، وبنى فيها القصور والدور، فلما فرغ منها قال: "اليوم أمنت على الفاطميات"، يعني بناته، وارتحل إليها، ولما رأى إعجاب الناس بها، وبحصانتها، كما يقول: هذا لساعة من نهار، وكان كذلك لأن أبا يزيد وصل إلى موضع السهم، ووقف فيه ساعة، وعاد ولم يظفر.


هو الإمام الحافظ البارع أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي، مولى الأنصار، ويعرف بالوراق، ولد سنة 224 من قرى الري.

أحد الأئمة، ومن حفاظ الحديث، وله تصانيف حسنة في التاريخ وغير ذلك، وروى عن جماعة كثيرة، وتوفي وهو قاصد الحج بين مكة والمدينة بالعرج.


هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، الشافعي، الملقب بإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة، صاحب التصانيف.

ولد: سنة 223.

مولى محسن بن مزاحم، عني في حداثته بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.

كان بحرا من بحور العلم، طاف البلاد ورحل إلى الآفاق في الحديث وطلب العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع، وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها، وهو من المجتهدين في دين الإسلام، حكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية عنه أنه قال: "ما قلدت أحدا منذ بلغت ست عشرة سنة".


سار يوسف بن أبي الساج من أذربيجان إلى الري، فحاربه أحمد بن علي أخو صعلوك، فانهزم أصحاب أحمد وقتل هو في المعركة، وأنفذ رأسه إلى بغداد؛ وكان أحمد بن علي قد فارق أخاه صعلوكا، وسار إلى المقتدر فأقطع الري، ثم عصى، وهادن ماكان بن كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجرجان، وفارق طاعة المقتدر وعصى عليه، ووصل رأسه إلى بغداد، وكان ابن الفرات يقع في نصر الحاجب، ويقول للمقتدر إنه هو الذي أمر أحمد بن علي بالعصيان لمودة بينهما، وكان قتل أحمد بن علي آخر ذي القعدة، واستولى ابن أبي الساج على الري، ودخلها في ذي الحجة، ثم سار عنها في أول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالري غلامه مفلحا، فأخرجه أهل الري عنهم، فلحق بيوسف، وعاد يوسف إلى الري في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.


كان حفص قد استلم مكان أخيه سليمان بعد أن قتل، فقام في هذه السنة الناصر أمير الأندلس بغزوه في ببشتر، وهو متحصن فيها، ولما اشتدت المحاصرة على حفص بن عمر بن حفصون بمدينة ببشتر، وأحيط به بالبنيان عليه من كل جانب، ورأى من الجد والعزم في أمره ما علم أن لا بقاء له معه في الجبل الذي تعلق فيه، كتب إلى أمير المؤمنين الناصر، يسأله تأمينه والصفح عنه، على أن يخرج عن الجبل مستسلما لأمره، راضيا بحكمه.

فأخرج إليه الناصر الوزير أحمد بن محمد بن حدير، وتولى هو وسعيد بن المنذر إنزاله من مدينة ببشتر.

ودخلها رجال أمير المؤمنين الناصر وحشمه يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة من السنة.

واستنزل حفص وجميع النصارى الذين كانوا معه، وقدم بهم أحمد بن محمد الوزير إلى قرطبة مع أهلهم وولدهم.

ودخلها حفص في مستهل ذي الحجة، وأوسعه أمير المؤمنين صفحه وعفوه، وصار في جملة حشمه وجنده.

وبقي الوزير سعيد بن المنذر بمدينة ببشتر ضابطا لها، وبانيا لما عهد إليه من بنيانه وإحكامه منها.


عاد ثمل الخادم إلى طرسوس من الغزاة الصائفة سالما هو ومن معه فلقوا جمعا كثيرا من الروم، فاقتتلوا فانتصر المسلمون عليهم وقتلوا من الروم كثيرا، وغنموا ما لا يحصى، وكان من جملة ما غنموا أنهم ذبحوا من الغنم في بلاد الروم ثلاثمائة ألف رأس، سوى ما سلم معهم، ولقيهم رجل يعرف بابن الضحاك، وهو من رؤساء الأكراد، وكان له حصن يعرف بالجعفري، فارتد عن الإسلام وصار إلى ملك الروم فأجزل له العطية، وأمره بالعود إلى حصنه، فلقيه المسلمون، فقاتلوه وأسروه، وقتلوا كل من معه.


هو أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفر الأزدي الحجري المصري الطحاوي، الفقيه الحنفي، المحدث الحافظ، أحد الأعلام، ولد سنة 239 بطحا: قرية من قرى مصر من ضواحي القاهرة بالوجه البحري، رحل إلى البلاد، قال أبو إسحاق الشيرازي: انتهت إلى أبي جعفر رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر أحمد بن أبي عمران، وأبي حازم، وغيرهما، وكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث، واختلاف العلماء، والأحكام، واللغة والنحو، وصنف المصنفات الحسان، وصنف اختلاف العلماء، وأحكام القرآن، ومعاني الآثار، والشروط.

وكان من كبار فقهاء الحنفية، والمزني الشافعي هو خال الطحاوي، وقصته معه مشهورة في ابتداء أمره.

قال الذهبي: " من نظر في تصانيف أبي جعفر رحمه الله، علم محله من العلم وسعة معرفته" كانت وفاته في مستهل ذي القعدة، ودفن في القرافة.


ورد كتاب من ملك الروم إلى الراضي مكتوب بالرومية والتفسير بالعربية، فالرومي بالذهب والعربي بالفضة، وحاصله طلب الهدنة بينه وبينه، ووجه مع الكتاب بهدايا وألطاف كثيرة فاخرة، فأجابه الخليفة إلى ذلك، وفودي من المسلمين ستة آلاف أسير، ما بين ذكر وأنثى على نهر البدندون.


بلغ معز الدولة أبا الحسين بن بويه إصعاد توزون إلى الموصل، فسار هو إلى واسط؛ لميعاد من البريديين، وكانوا قد وعدوه أن يمدوه بعسكر في الماء، فأخلفوه، وعاد توزون من الموصل إلى بغداد، وانحدر منها إلى لقاء معز الدولة، والتقوا سابع عشر ذي القعدة بقباب حميد، وطالت الحرب بينهما بضعة عشر يوما، إلا أن أصحاب توزون يتأخرون، والديلم يتقدمون، إلى أن عبر توزون نهر ديالي، ووقف عليه، ومنع الديلم من العبور، وكان مع توزون مقابلة في الماء في دجلة، فكانوا يودون أن الديلم يستولون على أطرافهم، فرأى ابن بويه أن يصعد على ديالي ليبعد عن دجلة وقتال من بها، ويتمكن من الماء، فعلم توزون بذلك، فسير بعض أصحابه، وعبروا ديالي وكمنوا، فلما سار معز الدولة مصعدا وسار سواده في أثره خرج الكمين عليه، فحالوا بينهما، ووقعوا في العسكر وهو على غير تعبية، وسمع توزون الصياح، فتعجل وعبر أكثر أصحابه سباحة، فوقعوا في عسكر ابن بويه يقتلون ويأسرون حتى ملوا، وانهزم ابن بويه ووزيره الصيمري إلى السوس رابع ذي الحجة، ولحق به من سلم من عسكره، وكان قد أسر منهم أربعة عشر قائدا، منهم ابن الداعي العلوي، واستأمن كثير من الديلم إلى توزون؛ ثم إن توزون عاوده ما كان يأخذه من الصرع، فشغل بنفسه عن معز الدولة وعاد إلى بغداد.


في هذه السنة رد القرامطة الحجر الأسود المكي إلى مكانه في البيت، وقد كان القرامطة أخذوه في سنة 317، وكان ملكهم إذ ذاك أبا طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي- لعنه الله- ولما وقع هذا أعظم المسلمون ذلك، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي قبل هذا العام خمسين ألف دينار على أن يردوه إلى موضعه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمر فلا نرده إلا بأمر من أخذناه بأمره، وكذبوا فإن الله تعالى قال: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} [الأعراف: 28]، فلما كان في هذا العام 339 حملوه إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من جامعها ليراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابا فيه: "إنا أخذنا هذا الحجر بأمر، وقد رددناه بأمر من أمرنا بأخذه؛ ليتم حج الناس ومناسكهم"، ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود، فوصل في ذي القعدة من هذه السنة، ولله الحمد والمنة، وكان مدة مغايبته عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحا شديدا، قال ابن كثير: " وقد ذكر غير واحد أن القرامطة لما أخذوه حملوه على عدة جمال فعطبت تحته واعترى أسنمتها القرح، ولما ردوه حمله قعود واحد ولم يصبه أذى"


سارت جيوش المسلمين بصقلية، وأميرهم حينئذ أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي، إلى قلعة طبرمين من صقلية أيضا، وهي بيد الروم، فحصروها، وهي من أمنع الحصون وأشدها على المسلمين، فامتنع أهلها، ودام الحصار عليهم، فلما رأى المسلمون ذلك عمدوا إلى الماء الذي يدخلها فقطعوه عنها، وأجروه إلى مكان آخر، فعظم الأمر عليهم، وطلبوا الأمان، فلم يجابوا إليه، فعادوا وطلبوا أن يؤمنوا على دمائهم، ويكونوا رقيقا للمسلمين، وأموالهم فيئا، فأجيبوا إلى ذلك، وأخرجوا من البلد، وملكه المسلمون في ذي القعدة، وكانت مدة الحصار سبعة أشهر ونصفا، وأسكنت القلعة نفرا من المسلمين، وسميت المعزية؛ نسبة إلى المعز العبيدي الفاطمي صاحب إفريقية، وسار جيش إلى رمطة مع الحسن بن عمار، فحصروها وضيقوا عليها.


أخذت القرامطة دمشق وقتلوا نائبها جعفر بن فلاح الفاطمي، وكان رئيس القرامطة وأميرهم الحسين بن أحمد بن بهرام وقد أمده عز الدولة البويهي من بغداد بسلاح وعدد كثيرة، ثم ساروا إلى الرملة فأخذوها وتحصن بها من كان بها من المغاربة نوابا، ثم إن القرامطة تركوا عليهم من يحاصرها ثم ساروا نحو القاهرة في جمع كثير من الأعراب والإخشيدية والكافورية، فوصلوا عين شمس فاقتتلوا هم وجنود القائد جوهر الصقلي قتالا شديدا، وكان الظفر للقرامطة وحصروا المغاربة حصرا عظيما، ثم حملت المغاربة في بعض الأيام على ميمنة القرامطة فهزمتها ورجعت القرامطة إلى الشام فجدوا في حصار باقي المغاربة، فأرسل جوهر إلى أصحابه خمسة عشر مركبا ميرة، فأخذتها القرامطة سوى مركبين أخذتهما الإفرنج، وجرت بينهم خطوب كثيرة، قتل فيها جعفر الفاطمي، وملك القرامطة دمشق، وولوا عليها ظالم بن موهوب العقيلي، لكنه لم يلبث مدة يسيرة حتى تركها ولم يلبث فيها.


هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال, محدث الإسلام, علم المعمرين, أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني، نسبة إلى طبرية، مولده بمدينة عكا في شهر صفر سنة 260, وكانت أمه عكاوية.

أحد الحفاظ المكثرين الذين رحلوا في البلاد كثيرا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، كان عالما بالحديث والعلل والرجال، وأول سماع له في الحديث كان سنة 273، وارتحل به أبوه, وحرص عليه, فإنه كان صاحب حديث من أصحاب محدث الشام دحيم الدمشقي, وكان أول ارتحال له في سنة 275, وبقي في الارتحال, ولقي الرجال ستة عشر عاما، وكتب عمن أقبل وأدبر, وبرع في هذا الشأن, له مصنفات عديدة أشهرها المعاجم الثلاثة: المعجم الكبير، والأوسط، والصغير، وله كذلك مكارم الأخلاق، وحديث الشاميين، والدعاء، وغيرها, وازدحم عليه المحدثون, ورحلوا إليه من الأقطار.

توفي في أصبهان عن عمر يناهز المائة.