Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
سار قتيبة بن مسلم إلى بخارى مرة أخرى, فأرسل ملكها يستنصر من حوله، ولكن قتيبة استطاع فتحها هذه المرة، ولما فتحها استأذنه نيزك طرخان في الرجوع إلى بلاده -وكان نيزك قد أسلم وسمي بعبد الله- فأذن له، فرجع إلى طخارستان، فعصى وكاتب من حوله، وجمع الجموع، فزحف إليه قتيبة، وانتصر عليهم بعد قتال شديد وحرب يشيب لها الوليد، وذلك أن ملوكهم كانوا قد اتعدوا مع نيزك في العام الماضي أن يجتمعوا ويقاتلوا قتيبة، وأن لا يولوا عن القتال حتى يخرجوا العرب من بلادهم، فاجتمعوا اجتماعا هائلا لم يجتمعوا مثله في موقف، فكسرهم قتيبة وقتل منهم أمما كثيرة، ورد الأمور إلى ما كانت عليه، ثم لا يزال يتتبع نيزك خان ملك الترك الأعظم من إقليم، إلى إقليم، ومن كورة إلى كورة، ومن رستاق إلى رستاق، ولم يزل ذلك دأبه حتى حصره في قلعة هنالك شهرين متتابعين، حتى نفذ ما عند نيزك خان من الأطعمة، وأشرف هو ومن معه على الهلاك، فبعث إليه قتيبة من جاء به مستأمنا مذموما مخذولا، فسجنه عنده ومن معه, فاستشار قتيبة الأمراء في قتله، فاختلفوا عليه، فقائل يقول: اقتله.
وقائل يقول: لا تقتله.
فقال له بعض الأمراء: إنك أعطيت الله عهدا أنك إن ظفرت به لتقتلنه، وقد أمكنك الله منه، فقال قتيبة: والله إن لم يبق من عمري إلا ما يسع ثلاث كلمات لأقتلنه، ثم قال: اقتلوه.
فقتل، جزاء غدره ونقضه الصلح.
نقض أهل قبرص العهد، فقام معيوف بن يحيى أمير سواح الشام ومصر بالسير إليهم بأسطول كبير، فغزاهم وأسر أسقفهم وسبى من أهلها الكثير، وقتل الكثير، ثم سار إلى جزيرة كريت ورودوس.
كان رافع بن نصر بن الليث بن سيار من عظماء الجند فيما وراء النهر، وكان يحيى بن الأشعث الطائي قد تزوج ابنة عم له، وكانت ذات يسار ولسان وجمال, ثم تركها بسمرقند فترة وأقام ببغداد، واتخذ السراري، فلما طال ذلك عليها، أرادت أن تخلص من زواجها له, فعلم رافع بأمرها فتزوجها بعد أن قال لها أن تظهر الشرك ثم تتوب فينفسخ نكاحها, فشكاه زوجها يحيى بن الأشعث إلى الرشيد، فأمر الرشيد عامله على سمرقند علي بن عيسى بن ماهان أن يحده ويطلق منها ويطيفه على حمار في سمرقند للعبرة، ففعل لكنه لم يحده وحبسه فهرب من الحبس، فلحق ببلخ فأراد عاملها علي بن عيسى قتله فشفع فيه عيسى بن علي بن عيسى، وأمره بالانصراف إلى سمرقند.
خلع رافع بن الليث بن نصر بن سيار نائب سمرقند الطاعة، ودعا إلى نفسه، وتابعه أهل بلده وطائفة كثيرة من تلك الناحية، واستفحل أمره، فسار إليه نائب خراسان علي بن عيسى، فهزمه رافع وتفاقم الأمر به.
فجمع له علي بن عيسى جيشا لقتاله، فلما قتل رافع بن الليث عيسى بن علي خرج علي بن عيسى من بلخ حتى أتى مروا مخافة أن يسير إليها رافع بن الليث، فيستولي عليها، فلما علم الرشيد بذلك خلعه وعين بدلا عنه هرثمة بن أعين.
فتح الرشيد هرقلة، وكان سبب مسيره إليها ما حصل سنة سبع وثمانين ومائة، من غدر نقفور، فحاصر الرشيد هرقلة ثلاثين يوما وسبى أهلها، وكان قد دخل البلاد في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا من المرتزقة، سوى الأتباع والمتطوعة، ومن لا ديوان له، وأناخ عبد الله بن مالك على ذي الكلاع، ووجه داود بن عيسى بن موسى سائرا في أرض الروم في سبعين ألفا، ففتح الله عليه، وفتح شراحيل بن معن بن زائدة حصن الصقالبة ودلسة، وافتتح يزيد بن مخلد الصفصاف وملقونية، كما أجبر نقفور على دفع جزية كبيرة للمسلمين وإلزامه بها، فبعث نقفور بالخراج والجزية عن رأسه أربعة دنانير، وعن رأس ولده دينارين، وعن بطارقته كذلك، وكتب نقفور إلى الرشيد في جارية من سبي هرقلة كان خطبها لولده، فأرسلها إليه.
أقبل يحيى بن زكرويه بن مهرويه أبو قاسم القرمطي المعروف بالشيخ في جحافله، فعاث بناحية الرقة فسادا، فجهز إليه الخليفة جيشا نحو عشرة آلاف فارس، وكان قد سار يحيى بن زكرويه إلى دمشق وحاصرها، فقتل على باب دمشق، زرقه رجل من المغاربة بمزراق نار- المزراق رمح قصير أو خفيف يقذف باليد- فقتله، ففرح الناس بقتله، وكان هذا المغربي من جملة جيش المصريين، فقام بأمر القرامطة من بعده أخوه الحسين وتسمى بأحمد وتكنى بأبي العباس وتلقب بأمير المؤمنين، وأطاعه القرامطة، فحاصر دمشق فصالحه أهلها على مال، ثم سار إلى حمص فافتتحها وخطب له على منابرها، ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان فقهر أهل تلك النواحي واستباح أموالهم وحريمهم، وكان يقتل الدواب والصبيان في المكاتب، ويبيح لمن معه وطء النساء، فربما وطئ الواحدة الجماعة الكثيرة من الرجال، فإذا ولدت ولدا هنأ به كل واحد منهم الآخر، فكتب أهل الشام إلى الخليفة ما يلقون من هذا اللعين، فجهز إليهم جيوشا كثيفة، وأنفق فيهم أموالا جزيلة، وركب في رمضان فنزل الرقة وبث الجيوش في كل جانب لقتال القرامطة، وكان القرمطي هذا يكتب إلى أصحابه: "من عبد الله المهدي أحمد بن عبد الله المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله" وكان يدعي أنه من سلالة علي بن أبي طالب من فاطمة، وهو كاذب أفاك أثيم- قبحه الله- فإنه كان من أشد الناس عداوة لقريش، ثم لبني هاشم، دخل سلمية فلم يدع بها أحدا من بني هاشم حتى قتلهم، وقتل أولادهم، واستباح حريمهم.
هو أبو العباس عبدالله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب، الأمير الأغلبي أمير تونس والقيروان الحادي عشر من أمراء الدولة الأغلبية، كان عاقلا حكيما شجاعا، قرب إليه العلماء واستعان بهم على تطبيق العدل بين الناس، وسار بهم سيرة حسنة، ولكن أمر الحكم بدأ يضطرب ويضعف في أيامه، وكان قد سجن ابنا له هو زيادة الله، سجنه بسبب انحرافه في الشهوات، وقيل: بل لأنه كان يتآمر على والده، ثم وهو في السجن تآمر مع بعض الخدم لقتل أبيه، فقتل هؤلاء الخدم الأمير عبدالله وهو على سريره، فكانت مدة إمارته سنة وخمسون يوما، فتولى ابنه زيادة الله الإمارة من بعده.
تقع على الساحل الغربي على البحر الأبيض المتوسط، عاصمة غرب البلاد وثاني أكبر مدينة بعد الجزائر العاصمة.
تعد المدينة مركزا اقتصاديا وميناء بحريا مهما.
قام البحارة الأندلسيون بإنشاء هذه المدينة في هذا العام.
حتى أصبحت مدينة وهران محط نزاع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين.
دمرت مدينة وهران عدة مرات أثناء تلك الحقبة.
وأصبحت المدينة تحت الحكم الأموي عام 407، ثم أصبحت تحت حكم المرابطين عام 474، وكانت المدينة تمثل أهم ميناء تجاري للدولة الزيانية ومنفذا لها على البحر المتوسط.
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي، الحافظ، من أهل بغداد، والده هو الإمام أحمد بن حنبل، ولد سنة 213 وأمه اسمها ريحانة، تزوجها الإمام أحمد بعد وفاة زوجته الأولى عباسة أم ابنه صالح، وأنجبت له ريحانة ابنه عبد الله.
تعلم على يد أبيه فسمع منه المسند، فكان مكثرا في الرواية عن أبيه وعن غيره, وكان إماما ثقة حافظا ثبتا، قال ابن المنادي: لم يكن أحد أروى عن أبيه منه، روى عنه المسند ثلاثين ألفا، والتفسير مائة ألف حديث وعشرون ألفا، من ذلك سماع، ومن ذلك إجازة، ومن ذلك الناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر، والمناسك الكبير والصغير، وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخ، وقال- أي ابن المنادي: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون من أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه له بالمعرفة وزيادة السماع للحديث عن أبيه"، ولما مرض قيل له أين تدفن ؟ فقال: صح عندي أن بالقطعية نبيا مدفونا، ولأن أكون بجوار نبي أحب إلي من أن أكون في جوار أبي، مات عن سبع وسبعين سنة، كما مات لها أبوه، واجتمع في جنازته خلق كثير من الناس، وصلى عليه زهير ابن أخيه، ودفن في مقابر باب التين- رحمه الله تعالى.
كان قتل برجوان وزير الحاكم الفاطمي في بستان يعرف بدويرة التين والعنب، كان الحاكم فيه مع زيدان فجاء برجوان ووقف مع زيدان، فسار الحاكم حتى خرج من باب الدويرة، فعاجل زيدان وضرب برجوان بسكين كانت في خفه، وابتدره قوم، وقد أعدوا له السكاكين والخناجر، فقتل مكانه، وحزت رأسه وطرح عليه حائط، وسبب ذلك أن برجوان لما بلغ النهاية قصر في الخدمة، واستقل بلذاته ولا يمضى إلا ما يختار من غير مشاورة، وكان برجوان من استبداده يكثر من الدالة على الحاكم، فحقد عليه أمورا، وأنهد الحاكم بعد قتل برجوان، فأحضر كاتبه أبا العلاء فهد بن إبراهيم في الليل وأمنه، واستوزره وكان فهد نصرانيا، فكانت مدة نظر برجوان سنتين وثمانية أشهر غير يوم واحد.
قتل الأمير أبو نصر بن بختيار، الذي كان قد استولى على بلاد فارس.
وسبب قتله أنه لما انهزم من عسكر بهاء الدولة بشيراز، سار إلى بلاد الديلم، وكاتب الديلم بفارس وكرمان من هناك يستميلهم، وكاتبوه واستدعوه، فسار أبو نصر إلى بلاد فارس، واجتمع عليه جمع كثير من الزط، والديلم، والأتراك، وتردد في تلك النواحي, ثم سار إلى كرمان، فلم يقبله الديلم الذين بها، وكان المقدم عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز، فجمع وقصد أبا جعفر، فالتقيا، فانهزم أبو جعفر إلى السيرجان، ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فملكها، وملك أكثر كرمان، فعظم الأمر على بهاء الدولة، فسير إليه الموفق علي بن إسماعيل في جيش كثير، وسار مجدا حتى أطل على جيرفت، فاستأمن إليه من بها من أصحاب ابن بختيار ودخلها.
فأنكر عليه من معه من القواد سرعة سيره، وخوفوه عاقبة ذلك، فلم يصغ إليهم، وسأل عن حال ابن بختيار، فأخبر أنه على ثمانية فراسخ من جيرفت، فاختار ثلاثمائة رجل من شجعان أصحابه وسار بهم، وترك الباقين مع السواد بجيرفت.
فلما بلغ ذلك المكان لم يجده ودل عليه فلم يزل يتبعه من منزل إلى منزل، حتى لحقه بدارزين، فسار ليلا، وقدر وصوله إليه عند الصبح فأدركه.
فركب ابن بختيار واقتتلوا قتالا شديدا، وسار الموفق في نفر من غلمانه، فأتى ابن بختيار من ورائه، فانهزم ابن بختيار وأصحابه، ووضع فيهم السيف، فقتل منهم الخلق الكثير.
فغدر بابن بختيار بعض أصحابه، وضربه فألقاه وعاد إلى الموفق ليخبره بقتله، فأرسل معه من ينظر إليه، فرآه وقد قتله غيره، وحمل رأسه إلى الموفق، وأكثر الموفق القتل في أصحاب ابن بختيار، واستولى على بلاد كرمان، واستعمل عليها أبا موسى سياهجيل، وعاد إلى بهاء الدولة، فخرج بنفسه ولقيه، وأكرمه وعظمه ثم قبض عليه بعد أيام.
تحالفت كل قوى النصرانية من أجل الصمود في وجه قوة المسلمين بقيادة المنصور بن أبي عامر في وقعة جربيرة، التقى فيها الفريقان عند مكان شديد الوعورة يسمى بصخرة جربيرة، وكاد المنصور أن يهزم لأول مرة في معاركه، ولكن بسالة المسلمين وشدة بأسهم في القتال أنهت المعركة بهزيمة مروعة للتحالف النصراني، وقتل معظم قادة الصليبيين وواصل المنصور سيره حتى فتح مدينة برغش عاصمة قشتالة.
احتلت قبائل القرة خانيون بزعامة أرسلان إيليغ خان مدينة بخارى، وأنهت الحكم الإيراني في تركستان، وقضت على الدول السامانية، كما أنها استولت على سمرقند وبلاد ما وراء النهر حتى حدود خراسان.
والقرة خانيون قبائل تركية اعتنقت الإسلام وساهمت بدور في حماية الإسلام.
لما زحف الإفرنج إلى سواحل الشام جعلوا طريقهم على القسطنطينية، فمنعهم من ذلك ملك الروم حتى شرط عليهم أن يعطوه أنطاكية إذا ملكوها، فأجابوا لذلك، وعبروا خليج القسطنطينية، ومروا ببلاد قلج أرسلان بن سليمان بن قطلمش السلجوقي فلقيهم في جموعه قريبا من قونية، فهزموه.
كان الأمير قودن صار في جملة الأمير قماج، فلما توفي قماج، والسلطان بمرو، فاستوحش قودن، وأظهر المرض، وتأخر بمرو بعد مسير السلطان بركيارق إلى العراق، وكان من جملة أمراء السلطان أمير اسمه اكنجي، وقد ولاه السلطان خوارزم، ولقبه خوارزمشاه، فجمع عساكره وسار في عشرة آلاف فارس ليلحق السلطان، فسبق العسكر إلى مرو في ثلاثمائة فارس، وتشاغل بالشرب، فاتفق قودن وأمير آخر اسمه يارقطاش على قتله، فجمعا خمسمائة فارس وكبسوه وقتلوه، وساروا إلى خوارزم، وأظهروا أن السلطان قد استعملهما عليها فتسلماها، وبلغ الخبر إلى السلطان، فأعاد أمير داذ حبشي بن التونتاق في جيش إلى خراسان لقتالهما، فسار إلى هراة، وأقام ينتظر اجتماع العساكر معه، فعاجلاه في خمسة عشر ألفا، فعلم أمير داذ أنه لا طاقة له بهما، فعبر جيحون، فسارا إليه، وتقدم يارقطاش ليلحقه قودن، فعاجله يارقطاش وحده وقاتله، فانهزم يارقطاش وأخذ أسيرا، وبلغ الخبر إلى قودن، فثار به عسكره، ونهبوا خزائنه وما معه، فبقي في سبعة نفر، فهرب إلى بخارى، فقبض عليه صاحبها، ثم أحسن إليه، وبقي عنده، وسار من هناك إلى الملك سنجر ببلخ، فقبله أحسن قبول، وبذل له قودن أن يكفيه أموره، ويقوم بجمع العساكر على طاعته، فقدر أنه مات عن قريب، وأما يارقطاش فبقي أسيرا إلى أن قتل أمير داذ.
هو صاحب خراسان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان السلجوقي: أخو السلطان ملكشاه.
لما مات أخوه السلطان ملكشاه بادر أرسلان أرغون واستولى على خراسان، وتمكن من تملك بلخ ومرو وترمذ، وخرب سور نيسابور وغيرها من المدائن، ووزر له عماد الملك بن نظام الملك، ثم قبض عليه وأخذ منه ثلاثمائة ألف دينار وذبحه.
وكان ظالما شرس الأخلاق, قتل أرسلان أرغون بمرو، وكان سبب قتله أنه كان شديدا على غلمانه، كثير الإهانة لهم والعقوبة، وكانوا يخافونه خوفا عظيما، فاتفق أنه طلب غلاما له فدخل عليه وليس معه أحد، فأنكر عليه تأخره عن الخدمة فاعتذر، فلم يقبل عذره وضربه، فأخرج الغلام سكينا معه وقتله، وأخذ الغلام، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: لأريح الناس من ظلمه.
وكانت دولته أربع سنين، فلما علم بمقتله السلطان بركيارق بن ملكشاه سار إلى خراسان واستولى عليها، وخطب لبركيارق أيضا ببلاد ما وراء النهر، واستناب على خراسان أخاه الملك سنجر الذي امتدت أيامه.
على إثر دعوة البابا قامت حركة شعبية ضخمة ارتبطت باسم بطرس الناسك الذي أخذ يتجول غرب أوربا، بثيابه الرثة وقدميه العاريتين وحماره الأعرج، يدعو العامة والدهماء، وقد استجاب له في سرعة غريبة الفلاحون والمعدمون بسبب الظروف القاسية التي كانوا يعيشون فيها، وقد وصف ول ديورانت هذه الحملة والمنضمين لها في قصة الحضارة بقوله: "وانضوت جماعات لا عدد لها تحت لواء هذه الحرب مدفوعة إلى هذا بمغريات جمة، منها: أن كل من يخر صريعا في الحرب قد وعد بأن تغفر له جميع ذنوبه، وأذن لأرقاء الأرض أن يغادروا الأراضي التي كانوا مرتبطين بها، وتوسع البابا في سلطاته توسعا جريئا فأطلق سراح المسجونين، وخفف أحكام القتل عن المحكوم عليهم بها إذا خدموا طوال حياتهم في فلسطين، وانضم آلاف من المتشردين إلى القائمين بهذه الرحلة المقدسة؛ ليخلصوا الأراضي التي ولد فيها المسيح ومات، منهم رجال سئموا الفقر الذي كانوا يعانونه، ومنهم الأبناء الصغار الذين يرجون أن تكون لهم إقطاعيات في تلك البلاد، ومنهم ذوو النفوس الضعيفة الذين يخشون أن يرميهم الناس بالجبن وخور العزيمة.
ونشطت الدعاية المغرضة والمألوفة في الحروب فأخذت تؤكد الاضطهاد الذي يلقاه المسيحيون في فلسطين، والمعاملات الوحشية التي يلقونها على أيدي المسلمين، والأكاذيب عما في العقيدة الإسلامية من زيغ وضلال؛ فكان المسلمون يوصفون بأنهم يعبدون تمثالا للنبي محمد! وكان البابا إربان الثاني قد حدد لبدء رحيل الحملة شهر أغسطس من عام 1096، ولكن الفلاحين القلقين الذين كانوا أوائل المتطوعين لم يستطيعوا الانتظار إلى هذا الموعد، فسار جحفل منهم عدته نحو اثني عشر ألفا لم يكن من بينهم إلا ثمانية من الفرسان, وبدؤوا رحلتهم من فرنسا شهر مارس بقيادة بطرس الناسك, وولتر المفلس.
كانت هذه الجموع غير النظامية هي التي قامت بأكثر الاعتداءات على يهود ألمانيا ويوهيميا، وكان قادتهم تعوزهم التجارب فلم يعدوا العدة لإطعامهم، وقدر كثيرون من الزاحفين المسافة بأقل من قدرها الصحيح، وكانوا وهم يسيرون على ضفاف الرين والدانوب كلما عرجوا على بلدة من البلدان يسألهم أبناؤهم في لهفة: أليست هذه أورشليم؟ ولما فرغت أموالهم وعضهم الجوع، اضطروا إلى نهب من في طريقهم من الحقول والبيوت، وسرعان ما أضافوا الفسق إلى السلب والنهب، وقاومهم أهل البلاد مقاومة عنيفة، وأغلقت بعض المدن أبوابها في وجوههم، وأمرهم بعضها أن يرحلوا عنها بلا مهل، ولما بلغوا آخر الأمر مدينة القسطنطينية رحب بهم ألكسيوس، ولكنه لم يقدم لهم كفايتهم من الطعام، فانطلقوا في أرباض المدينة، ونهبوا الكنائس والمنازل والقصور, وأراد ألكسيوس أن ينقذ عاصمته من هذه الجموع الفتاكة التي أهلكت الحرث والنسل، فأمدها بالسفن التي عبرت بهم البسفور، وأرسل إليهم المؤن، وأمرهم بالانتظار حتى تصل إليهم فرق أخرى أحسن سلاحا وعتادا.
ولكنهم لم يستمعوا إلى هذه الأوامر، فزحفوا على نيقية، وخرجت عليهم قوة منظمة من الترك من مهرة الرماة، وأبادوا هذه الطليعة من فرق الحرب الصليبية الأولى، فلم تكد تبقي على أحد منهم.
وكان ولتر المفلس من بين القتلى.
وأما بطرس الناسك فكانت نفسه قد اشمأزت من هذه الجموع التي لا تخضع لقيادة، وعاد قبل المعركة إلى القسطنطينية، وأقام فيها سالما حتى عام 1115م".
وصل عسكر كثير من مصر إلى ثغر صور بساحل الشام، فحصرها وملكها، وسبب ذلك أن الوالي بها -ويعرف بكتيلة- أظهر العصيان على المستعلي الفاطمي العبيدي صاحب مصر، والخروج عن طاعته؛ فسير إليه جيشا، فحصروه بها وضيقوا عليه وعلى من معه من جندي وعامي، ثم افتتحها عنوة بالسيف، وقتل بها خلق كثير، ونهب منها المال الجزيل، وأخذ الوالي أسيرا بغير أمان، وحمل إلى مصر فقتل بها.
كانت أول حركة الفرنج لأخذ سواحل المسلمين وخروجهم إليها في هذه السنة، ساروا إليها، وأول ما أخذوا نيقية، وهو أول بلد فتحوه وأخذوه من المسلمين.
ثم فتحوا حصون الدروب شيئا بعد شيء، ووصلوا إلى البارة، وجبل السماق، وفامية، وكفر طاب، ونواحيها.
واستباح الفرنج تلك النواحي، فكان هذا أول مظهر للفرنج بالشام، قدموا في بحر القسطنطينية في جمع عظيم، وانزعجت الملوك والرعية، وعظم الخطب، وقيل: "إن صاحب مصر لما رأى قوة السلجوقية واستيلاءهم على الشام، كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوها، وكثر النفير على الفرنج من كل جهة"؛ فأسفرت حملتهم الأولى عن قيام 4 إمارات صليبية، هي: إمارة الرها، وأنطاكية، وطرابلس، ومملكة بيت المقدس.
وصل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين، وهو صاحب مصر، إلى مدينة دمشق، فحصرها وبها أخوه الأكبر الملك الأفضل علي بن صلاح الدين، فنزل بنواحي ميدان الحصى، فأرسل الأفضل إلى عمه الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وهو صاحب الديار الجزرية، يستنجده، فسار الملك العادل إلى دمشق هو والملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، صاحب حلب، وناصر الدين محمد بن تقي الدين، صاحب حماة، وأسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه، صاحب حمص، وعسكر الموصل وغيرها، كل هؤلاء اجتمعوا بدمشق، واتفقوا على حفظها، علما منهم أن العزيز إن ملكها أخذ بلادهم، فلما رأى العزيز اجتماعهم علم أنه لا قدرة له على البلد، فترددت الرسل حينئذ في الصلح، فاستقرت القاعدة على أن يكون بيت المقدس وما جاوره من أعمال فلسطين للعزيز، وتبقى دمشق وطبرية وأعمالها والغور للأفضل، على ما كانت عليه، وأن يعطي الأفضل أخاه الملك الظاهر جبلة واللاذقية بالساحل الشامي، وأن يكون للعادل بمصر إقطاعه الأول، واتفقوا على ذلك، وعاد العزيز إلى مصر، ورجع كل واحد من الملوك إلى بلده.
كان شهاب الدين الغوري، ملك غزنة، قد جهز مملوكه قطب الدين أيبك، وسيره إلى بلد الهند للغزو، فدخلها فقتل فيها وسبى وغنم وعاد، فلما سمع به ملك بنارس، وهو أكبر ملك في الهند، ولايته من حد الصين إلى بلاد ملاوا طولا، ومن البحر إلى مسيرة عشرة أيام من لهاوور عرضا، وهو ملك عظيم، فعندها جمع جيوشه وحشرها، وسار يطلب بلاد الإسلام، ودخلت سنة تسعين فسار شهاب الدين الغوري من غزنة بعساكره نحوه، فالتقى العسكران على ماجون، وهو نهر كبير يقارب دجلة بالموصل، وكان مع الهندي سبعمائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف رجل، ومن جملة عسكره عدة أمراء مسلمين، كانوا في تلك البلاد أبا عن جد، من أيام السلطان محمود بن سبكتكين، يلازمون شريعة الإسلام، ويواظبون على الصلوات وأفعال الخير، فلما التقى المسلمون والهنود اقتتلوا، فصبر الكفار لكثرتهم، وصبر المسلمون لشجاعتهم، فانهزم الكفار، ونصر المسلمون، وكثر القتل في الهنود، حتى امتلأت الأرض وجافت، وكانوا لا يأخذون إلا الصبيان والجواري، وأما الرجال فيقتلون، وأخذ منهم تسعين فيلا، وباقي الفيلة قتل بعضها، وانهزم بعضها، وقتل ملك الهند، ولم يعرفه أحد إلا أنه كانت أسنانه قد ضعفت أصولها، فأمسكوها بشريط الذهب، فبذلك عرفوه، فلما انهزم الهنود دخل شهاب الدين بلاد بنارس، وحمل من خزائنها على ألف وأربع مائة جمل، وعاد إلى غزنة ومعه الفيلة التي أخذها من جملتها فيل أبيض.
هو السلطان طغرل بن ألب أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، آخر الملوك السلجوقية.
وكان طغرل من أحسن الناس صورة، فيه إقدام وشجاعة زائدة, وقد انهارت دولة بني سلجوق بوفاته, وكانت عوامل ضعف سلطان السلاجقة قد بدأت بوفاة آخر سلاطينهم الأقوياء السلطان سنجر سنة 552, والذي جلس على سرير الملك قريبا من ستين سنة.
وقد كان من أعظم الملوك همة، ولم يزل في ازدياد إلى أن ظهرت عليه الغز سنة 548, في وقعة مشهورة, ولما كسروه فيها انحل نظام ملكه، وملك الغز نيسابور، وقتلوا خلقا كثيرا، وأخذوا السلطان، وضربوا رقاب عدد من أمرائه، فنزل عن الملك، ودخل إلى خانقاه مرو، وعملت الغز ما لا تعمله الكفار من العظائم، فملكوا مملوك سنجر أيبه، وجرت مصائب على خراسان، وزال بموته ملك بني سلجوق عن خراسان، واستولى خوارزم شاه على أكثر مملكته.
أخذت الدولة السلجوقية في الضعف والتضعضع ثم الانهيار، وكان ذلك في عهد الخليفة الناصر لدين الله، فقد استقر رأي الخليفة على الاستعانة بعلاء الدين تكش خوارزم شاه ضد آخر سلاطين السلاجقة طغرل بن ألب أرسلان، فأرسل إلى خوارزم شاه شاكيا من السلطان طغرل، ويطلب منه أن يساعده عليه، وأرفق الرسالة بمنشور يقضي بإقطاع خوارزم شاه كل البلاد التي كانت آنذاك تحت نفوذ السلاجقة، فلبى خوارزم شاه رغبة الخليفة العباسي, وسار بعساكره، وقصد طغرل، فلما سمع السلطان طغرل بوصول خوارزم شاه كانت عساكر طغرل متفرقة، فلم يقف ليجمعها، بل سار إليه فيمن معه، فالتقى العسكران بالقرب من الري، فحمل طغرل بنفسه في وسط عسكر خوارزم شاه، فأحاطوا به وألقوه عن فرسه وقتلوه، وقطعوا رأسه في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول، ثم حمل رأسه إلى خوارزم شاه، فسيره من يومه إلى بغداد، فدخلوا به على رمح، فنصب رأسه بباب النوبي عدة أيام، وسار خوارزم شاه إلى همذان، وملك تلك البلاد جميعها.
وبهذا زالت الدولة السلجوقية تماما.
هو الشيخ الإمام العالم العامل، القدوة سيد القراء: أبو محمد القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير، من طبقات الشافعية, ولد سنة 538 ببلدة شاطبة- وهي مدينة كبيرة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء- كان الشاطبي يتوقد ذكاءا، مع الورع والتقوى والتأله والوقار.
وهو مصنف الشاطبية في القراءات السبع، فلم يسبق إليها ولا يلحق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدي إليها إلا كل ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير.
قال عنها ابن خلكان: " الشاطبي هو صاحب القصيدة التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم؛ فقل من يشتغل بالقراءات إلا ويقدم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنه سبق إلى أسلوبها".
وله قصيدة دالية في خمسمائة بيت من حفظها أحاط علما بكتاب التمهيد لابن عبد البر.
كما له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث.
قرأ القرآن الكريم ببلده بالقراءات السبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل.
وقراءة بالسبع على غيرهما, فقد كان عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد في علم النحو واللغة، عارفا بعلم الرؤيا، حسن المقاصد.
كان دينا خاشعا ناسكا كثير الوقار، لا يتكلم فيما لا يعنيه.
يجتنب فضول الكلام ولا ينطق إلا على طهارة في هيئة حسنة وتخشع واستكانة، وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكي ولا يتأوه.
انتقل من بلده إلى مصر، قال السخاوي: "سبب انتقاله من بلده أنه أريد على الخطابة، فاحتج بالحج، وترك بلده، ولم يعد إليه تورعا مما كانوا يلزمون الخطباء من ذكرهم الأمراء بأوصاف لم يرها سائغة، وصبر على فقر شديد".
سمع بمصر من السلفي، وولاه القاضي الفاضل مشيخة الإقراء بمدرسته في مصر، فأجاب على شروط، فتصدر وعظم شأنه، وبعد صيته، وانتهت إليه رياسة الإقراء بمصر، وقد انتفع به وبعلمه خلق كثير.
زار بيت المقدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاته بها في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة بالقرب من التربة الفاضلية، وله أولاد رووا عنه، منهم أبو عبد الله محمد, وهذا الإمام الشاطبي صاحب الشاطبية يختلف عن الشاطبي صاحب الموافقات الذي توفي سنة 970.
خلع الخليفة الناصر لدين الله على النائب في الوزارة: مؤيد الدين أبي عبد الله محمد بن علي- المعروف بابن القصاب- خلع الوزارة، وحكم في الولاية، وبرز في رمضان، وسار إلى بلاد خوزستان، وولي الأعمال بها، وصار له فيها أصحاب وأصدقاء ومعارف، وعرف البلاد ومن أي وجه يمكن الدخول إليها والاستيلاء عليها، فلما ولي ببغداد نيابة الوزارة أشار على الخليفة بأن يرسله في عسكر إليها ليملكها له، وكان عزمه أنه إذا ملك البلاد واستقر فيها أقام مظهرا للطاعة، مستقلا بالحكم فيها، ليأمن على نفسه، فاتفق أن صاحبها ابن شملة توفي، واختلف أولاده بعده، فراسل بعضهم مؤيد الدين يستنجده لما بينهم من الصحبة القديمة، فقوي الطمع في البلاد، فجهزت العساكر وسيرت معه إلى خوزستان، فوصلها سنة إحدى وتسعين وجرى بينه وبين أصحاب البلاد مراسلات ومحاربة عجزوا عنها، وملك مدينة تستر في المحرم، وملك غيرها من البلاد، وملك القلاع، وأنفذ بني شملة أصحاب بلاد خوزستان إلى بغداد، فوصلوا في ربيع الأول.
استهلت هذه السنة والخليفة بمصر الحاكم بأمر الله أبو العباس العباسي، وسلطان البلاد الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور قلاوون، ونائبه بمصر وأعمالها بدر الدين بيدرا، ووزيره ابن السلعوس الصاحب شمس الدين، ونائبه بالشام حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول، وصاحب مكة نجم الدين أبو نمي محمد بن إدريس بن علي بن قتادة الحسيني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحب الروم غياث الدين كيخسرو، وهو ابن ركن الدين قلج أرسلان السلجوقي، وصاحب حماة تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمد، وسلطان بلاد العراق وخراسان وتلك النواحي أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولو بن جنيكزخان.
وجلال الدين فيروز الخلجي في الهند.
هو الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس بن عبد الله، كان قد بويع بالملك بعد أخيه الملك السعيد، وجعل الملك المنصور قلاوون أتابكه وخطب له، وضرب السكة باسمه ثلاثة أشهر، ثم استقل قلاوون بالملك لصغر سن سلامش وقتها، فلما عزل من الحكم بقي خاملا.
كان سلامش من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظرا، فقد كان شابا مليحا، تام الشكل، رشيق القد، طويل الشعر، ذا حياء وعقل، وقد افتتن به خلق كثير، وكان رئيسا مهيبا وقورا، أرسله السلطان قلاوون إلى أخيه الملك السعيد في الكرك ثم أعادهم إلى القاهرة، ولما تملك الملك الأشرف جهزه وأخاه الملك خضر وأهله إلى مدينة إسطنبول بلاد الأشكري، فمات هناك وهو قريب من عشرين سنة، وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية، ويذكر أن الظاهر بيبرس كان قد اعتقل قلاوون لما استلم السلطنة وأرسله مع أمه إلى بلاد الأشكري، فجرى لولده سلامش وأمه ما فعله هو بغيره!
هو أرغون بن أبغا ملك التتار, وحاكم بلاد العراق وخراسان وما حولها.
كان شهما شجاعا سفاكا للدماء، كافرا، على دين قومه المغول؛ لذلك قتل عمه المسلم السلطان أحمد (تكدار) بن هولاكو، فعظم في أعين المغول, فلما كان في هذه السنة مات من شراب شربه فيه سم، فاتهمت المغول اليهود به, وكان وزيره سعد الدولة بن الصفي يهوديا, فقتلوا من اليهود خلقا كثيرا، ونهبوا منهم أموالا عظيمة جدا في جميع مدائن العراق، ثم اختلفوا فيمن يقيمونه بعده، فمالت طائفة إلى كيختو فأجلسوه على سرير المملكة، فبقي مدة، قيل سنة، وقيل أقل من ذلك، ثم قتلوه وملكوا بعده بيدرا، وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى الملك الأشرف وهو محاصر عكا ففرح بذلك كثيرا، وكانت مدة ملك أرغون ثماني سنين، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق بالعدل والسياسة الجيدة.
شرع السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون في الاهتمام بفتح عكا، وبعث الأمير عز الدين أيبك الأفرم أمير جاندار إلى الشام لتجهيز أعواد المجانيق، فقدم دمشق وجهزت أعواد المجانيق، وبرزت في أول ربيع الأول وتكاملت في الثاني عشر، وسار بها الأمير علم الدين سنجر الدواداري أحد أمراء الشام، ثم فرقت على الأمراء مقدمي الألوف، فتوجه كل أمير ومضافيه بما أمر بنقله منها، وخرج من القاهرة الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني إلى استنفار الناس من الحصون بممالك الشام، فوصل المظفر صاحب حماة إلى دمشق في الثالث عشر بعسكره وبمجانيق وزردخاناه- خزانة الأسلحة- ووصل الأمير سيف الدين بلبان الطباخي نائب الفتوحات بعساكر الحصون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه في الرابع عشر، وتوجه الأمير حسام الدين لاجين نائب الشام بالجيش من دمشق في العشرين من ربيع الأول، وسار جميع النواب بالعساكر إلى عكا، وكان السلطان الأشرف خليل توجه بالعساكر يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول يريد أخذ عكا، وسير حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في سابع ربيع الآخر، وسار السلطان فنزل عكا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، ووصلت المجانيق يوم ثاني وصوله وعدتها اثنان وتسعون منجنيقا، فتكامل نصبها في أربعة أيام، وأقيمت الستائر ووقع الحصار، وقد أتت جمائع الفرنج إلى عكا أرسالا من البحر، صار بها عالم كبير، فاستمر الحصار إلى سادس عشر جمادى الأولى، وكثرت النقوب بأسوار عكا، فلما كان يوم الجمعة السابع عشر عزم السلطان على الزحف، فرتب كوساته- قطعتان من نحاس تشبهان الترس الصغير يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص- على ثلاثمائة جمل، وأمر أن تضرب كلها دفعة واحدة، وركب السلطان وضربت، فهال ذلك أهل عكا، وزحف بعساكره ومن اجتمع معه قبل شروق الشمس، فلم ترتفع الشمس حتى علت السناجق- الرايات- الإسلامية على أسوار عكا، وهرب الفرنج في البحر وهلك منهم خلق كثير في الازدحام، والمسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون فقتلوا ما لا يحصى عده كثرة، وأخذوا من النساء والصبيان ما يتجاوز الوصف، وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنج نحو عشرة آلاف في هيئة مستأمنين، ففرقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخرهم، وكانت مدة حصار عكا أربعة وأربعين يوما، واستشهد من المسلمين الأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي ودفن بجلجولية، وعز الدين أيبك العزي نقيب العساكر، وسيف الدين أقمش الغتمي، وبدر الدين بيليك المسعودي، وشرف الدين قيران السكزي، وأربعة من مقدمي الحلقة، وجماعة من العسكر، وفي يوم السبت الثامن عشر وقع الهدم في مدينة عكا، فهدمت الأسوار والكنائس وغيرها وحرقت، وحمل كثير من الأسرى بها إلى الحصون الإسلامية.
بعد أن من الله على المسلمين بفتح عكا، فتحت صور وحيفا وعثليث وبعض صيدا بغير قتال، وفر أهلها خوفا على أنفسهم، فتسلمها الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، فقدمت البشائر بتسليم مدينة صور في التاسع عشر، وبتسليم صيدا في العشرين منه، وأن طائفة من الفرنج عصوا في برج منها، فأمر السلطان بهدم صور وصيدا وعثليث وحيفا، فتوجه الأمير شمس الدين نبا الجمقدار بن الجمقدار لهدم صور، واتفق أمر عجيب، وهو أن الفرنج لما قدموا إلى صور كان بها عز الدين نبا واليا عليها من قبل المصريين، فباع صور للفرنج بمال، وصار إلى دمشق!
خرج الأمير يلبغا الناصري نائب حلب عن طاعة السلطان برقوق؛ وذلك لأن السلطان أصلا كان من مماليكه، فأبى أن يكون من تابعيه، وخاصة أن السلطان كان يقبض على الكثير من الأمراء بأدنى ريبة؛ مما أوغر صدورهم تجاهه، وانضم إلى يلبغا أمير ملطية الأمير تمربغا الأفضلي المعروف باسم منطاش، فأرسل السلطان العساكر لإعادتهم إلى الطاعة، ثم في حادي عشر من جمادى الأولى ورد صراي تمر- دوادار الأمير يونس الدوادار، ومملوك نائب حلب - على البريد بأن العسكر توجه إلى سيواس، وقاتل عسكرها، وقد استنجدوا بالتتر، فأتاهم منهم نحو الستين ألفا، فحاربوهم يوما كاملا وهزموهم، وحصروا سيواس بعدما قتل كثير من الفريقين وجرح معظمهم، وأن الأقوات عندهم عزيزة، فجهز السلطان إلى العسكر مبلغ خمسين ألف دينار مصرية، وسار بها تلكتمر الدوادار في السابع والعشرين، ثم إن العسكر تحركوا للرحيل عن سيواس، فهجم عليهم التتار من ورائهم، فبرز إليهم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وقتل منهم خلقا كثيرا، وأسر نحو الألف، وأخذ منهم العسكر نحو عشرة آلاف فرس، وعادوا سالمين إلى جهة حلب.