Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


قدم خالد العراق لمساندة المثنى بأمر من أبي بكر ومعه عشرة آلاف مقاتل، ومع المثنى وأصحابه ثمانية آلاف، وجعل على مقدمته المثنى وبعده عدي بن حاتم، وجاء خالد بعدهما، وواعدهما الحفير ليصادموا عدوهم، وكان ذلك الفرج أعظم فروج فارس وأشدها شوكة، وكان صاحبه هرمز، وهو سيئ المجاورة للعرب، فكلهم عليه حنق، وكانوا يضربونه مثلا فيقولون: أكفر من هرمز, فلما سمع  أنهم تواعدوا الحفير، سبقهم إليه ونزل به، وجعل على مقدمته قباذ وأنوشجان، وكانا من أولاد أردشير الأكبر، واقترنوا في السلاسل، لذلك سميت بذلك، فسمع بهم خالد، فمال بالناس إلى كاظمة، فسبقه هرمز إليها، وقدم خالد فنزل على غير ماء فقال له أصحابه في ذلك: ما تفعل؟ فقال لهم: لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين.

فحطوا أثقالهم، وتقدم خالد إلى الفرس فلاقاهم، وأرسل الله سحابة فأغدرت وراء صف المسلمين، فقويت قلوبهم، وخرج هرمز ودعا خالدا إلى البراز، وأوطأ أصحابه على الغدر بخالد، فبرز إليه خالد ومشى نحوه راجلا، ونزل هرمز أيضا وتضاربا، فاحتضنه خالد، وحمل أصحاب هرمز، فما شغله ذلك عن قتله، وحمل القعقاع بن عمرو فأزاحهم، وانهزم أهل فارس وركبهم المسلمون، وسميت الوقعة ذات السلاسل، ونجا قباذ وأنوشجان، وأخذ خالد سلب هرمز، وكانت قلنسوته بمائة ألف.

كان أهل فارس يجعلون قلانسهم على قدر أحسابهم فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف، فكان هرمز ممن تم شرفه، وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر.


عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت بجمع نصوص القرآن وخاصة بعد موت عدد كبير من حفظة القرآن في اليمامة، وكان هذا الأمر غير مقبول لدى الصحابة رضي الله عنهم في البداية، ولكن الله شرح صدورهم له كما شرح صدر أبي بكر له، فكلف أبو بكر زيد بن ثابت بمهمة الكتابة، فقال لزيد: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك, قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فتتبع القرآن فاجمعه.

فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو -والله- خير.

فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر, فكنت أتتبع القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال.

وكان الأمر شديدا على زيد لكنه قام بها خير قيام، فكان هذا الأمر أول جمع للقرآن، وبقي المصحف عند أبي بكر في خلافته.


فتح المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بلدة أمغيشيا، وكانت مصرا كالحيرة، وقيل: اسمها منيشيا، وهي تقع على نهر الفرات، ولم يقع بأمغيشيا قتال، وإنما هجرها أهلها بعد هزيمة الفرس في أليس، فدخلها المسلمون فاتحين، وأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله لأن أهلها أعجلهم المسلمون أن ينقلوا أموالهم وأثاثهم وكراعهم وغير ذلك، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة، سوى النفل الذي نفله أهل البلاء, وأرسل إلى أبي بكر بالفتح والغنائم والسبي، وأخرب أمغيشيا.

فلما بلغ ذلك أبا بكر قال: عجز النساء أن يلدن مثل خالد.


قامت وقعة الولجة بين الفرس والمسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، والولجة مكان في العراق، وسميت المعركة باسمه لوقوع الأحداث فيه, لما وقع الخبر بأردشير بمصاب قارن وأهل المذار، جند الملك جيشا عظيما من قبيلة بكر بن وائل والقبائل الأخرى الموالية له, تحت قيادة قائد مشهور منهم يدعى الأندرزغر, وكان فارسيا من مولدي السواد.

وأرسل بهمن جاذويه في إثره ليقود جيوش الملك, وحشر الأندرزغر من بين الحيرة وكسكر ومن عرب الضاحية, فلما اجتمع للأندرزغر ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه، وأجمع السير إلى خالد، ولما بلغ خالدا وهو بالقرب من نهر دجلة خبر الأندرزغر ونزوله الولجة، نادى بالرحيل، وخلف سويد بن مقرن، وأمره بلزوم الحفير، وتقدم إلى من خلف في أسفل دجلة، وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة، وترك الاغترار، وخرج خالد سائرا في الجنود نحو الولجة، حتى نزل على الأندرزغر بالولجة، فاقتتلوا بها قتالا شديدا، حتى ظن الفريقان أن الصبر قد فرغ، واستبطأ خالد كمينه، وكان قد وضع لهم كمينا في ناحيتين، عليهم بسر بن أبي رهم، وسعيد بن مرة العجلي، فخرج الكمين في وجهين فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا، فأخذهم خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم، وكانت الهزيمة كاملة؛ ففر الفرس وفر العرب الموالون لهم, بعد أن قتل وأسر منهم عددا عظيما, ومضى الأندرزغر منهزما, فمات عطشا في الفلاة, وبذل خالد الأمان للفلاحين؛ فعادوا وصاروا أهل ذمة, وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم.


كتب هرمز إلى أردشير وشيرى بخبر مسير خالد إليه من اليمامة، فأمده بقارن بن قريانس، فخرج قارن من المدائن حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة، فعسكر قارن وفلول الفرس بالمذار بالقرب من نهر دجلة، واستعمل على مجنبته قباذ وأنوشجان، ولما انتهى الخبر إلى خالد عن قارن قسم الفيء على من أفاءه الله عليه، ونفل من الخمس ما شاء الله، وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبي بكر.

ثم خرج خالد سائرا حتى نزل المذار على قارن في جموعه، فالتقوا وخالد على تعبيته، فاقتتلوا على حنق وحفيظة، وخرج قارن يدعو للبراز، فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى فابتدراه، فسبقه إليه معقل فقتله، وقتل عاصم بن عمرو الأنوشجان، وقتل عدي بن حاتم قباذ, وقتلت فارس مقتلة عظيمة، فركب الفرس السفن، ومنعت المياه المسلمين من طلبهم، وأقام خالد بالمذار، وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت، وقسم الفيء، ونفل من الأخماس أهل البلاء، وبعث ببقية الأخماس،  وقيل: قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق، ولولا المياه لأتي على آخرهم، ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة.

ثم أخذ خالد يسبي ذراري المقاتلة ومن أعانهم، وأقر الفلاحين ومن أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوا، وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا إلى الجزاء، فأجابوا وتراجعوا، وصاروا أهل ذمة، وصارت أرضهم لهم.

وكان في السبي حبيب أبو الحسن -يعني أبا الحسن البصري- وكان نصرانيا.


كان الآزاذبة مرزبان الحيرة, فلما أخرب خالد أمغيشيا علم الآزاذبة أنه غير متروك، فأخذ في أمره وتهيأ لحرب خالد، لما توجه خالد إلى الحيرة وحمل الرحال والأثقال في السفن أرسل الآزاذبة ابنه ليقطع الماء عن السفن, فتعجل خالد في خيل نحو ابن الأزاذبة فلقيه على فرات بادقلى، فقتله وقتل أصحابه، وسار نحو الحيرة، فهرب منه الآزاذبة، وكان قد بلغه موت أردشير وقتل ابنه، فهرب بغير قتال، فتحصن أهل الحيرة فحصرهم في قصورهم.

دخل خالد الحيرة، وأمر بكل قصر رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فعهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بدعوته إحدى ثلاث، فإن قبلوا قبلوا منهم، وإن أبوا أن يؤجلوهم يوما، وقال: لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر، ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم.

فلما دعوهم أبوا إلا المنابذة, فنشب القتال وأكثر المسلمون القتل فيهم، فنادى القسيسون والرهبان: يا أهل القصور، ما يقتلنا غيركم.

فنادى أهل القصور: يا معشر العرب، قد قبلنا واحدة من ثلاث، فادعوا بنا وكفوا عنا حتى تبلغونا خالدا.

فخرج قائد من كل قصر، فأرسلوا إلى خالد، مع كل رجل منهم ثقة، ليصالح عليه أهل الحصن، فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون الآخرين، وقد حاور خالد بن الوليد أحد رؤسائهم وهو عمرو بن عبد المسيح ابن بقيلة، وكان مع خادمه كيس فيه سم، فأخذه خالد ونثره في يده وقال: لم تستصحب هذا؟ قال: خشيت أن تكونوا على غير ما رأيت، فكان الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي.


لما أصاب خالد يوم الولجة ما أصاب من نصارى بكر بن وائل الذين أعانوا الفرس غضب لهم نصارى قومهم، فكاتبوا الفرس، واجتمعوا على أليس وعليهم عبد الأسود العجلي وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه يأمره بالقدوم على نصارى العرب بأليس، فقدم بهمن جاذويه جابان إليهم، فاجتمع على جابان نصارى العرب من أهل الحيرة.

وكان خالد لما بلغه تجمع نصارى بكر وغيرهم سار إليهم ولا يشعر بدنو جابان.

فلما طلع جابان بأليس قالت العجم له: أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم، ثم نقاتلهم؟ فقال جابان: إن تركوكم فتهاونوا بهم.

فعصوه وبسطوا الطعام، وانتهى خالد إليهم وحط الأثقال، فلما وضعت توجه إليهم، وطلب مبارزة عبد الأسود وابن أبجر ومالك بن قيس، فبرز إليه مالك من بينهم، فقتله خالد وأعجل الأعاجم عن طعامهم.

فقال لهم جابان: حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام، فإن ظفرتم فأيسر هالك، وإن كانت لهم هلكوا بأكله.

فلم يفعلوا، واقتتلوا قتالا شديدا، والمشركون يزيدهم ثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه، فصابروا المسلمين، فقال خالد: اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم.

فانهزمت فارس فنادى منادي خالد: الأسراء الأسراء، إلا من امتنع فاقتلوه.

فأقبل بهم المسلمون أسراء، ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة.

فقال له القعقاع وغيره: لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم، فأرسل عليها الماء تبر يمينك، ففعل فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمي نهر الدم إلى اليوم، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين: قد نفلتكموه، فتعشى به المسلمون، وجعل من لم ير الرقاق يقول: ما هذه الرقاق البيض؟


ركب خالد في جيوشه بعد فتح الحيرة حتى انتهى إلى الأنبار وعليها قائد يقال له: شيرزاذ، فأحاط بها خالد، وعليها خندق وحوله أعراب من قومهم على دينهم، واجتمع معهم أهل أرضهم، ولما تواجه الفريقان أمر خالد أصحابه فرشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين، وسميت هذه الغزوة ذات العيون، فراسل شيرزاذ خالدا في الصلح، فاشترط خالد أمورا فامتنع شيرزاذ من قبولها، فتقدم خالد إلى الخندق فاستدعى بردايا الأموال من الإبل فذبحها حتى ردم الخندق بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فلما رأى شيرزاذ ذلك أجاب إلى الصلح على الشروط التي اشترطها خالد، وسأله أن يرده إلى مأمنه فوفى له بذلك، وخرج شيرزاذ من الأنبار وتسلمها خالد، فنزلها واطمأن بها، وتعلم الصحابة ممن بها من العرب الكتابة العربية، ثم صالح خالد أهل البوازيج وكلواذى.


لما فرغ خالد بن الوليد من الأنبار واستحكمت له استخلف على الأنبار الزبرقان بن بدر، وقصد عين التمر، وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم، وعقة بن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب وإياد ومن لاقاهم فلما سمعوا بخالد قال عقة لمهران: إن العرب أعلم بقتال العرب، فدعنا وخالد.
، قال: صدقت، لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب، وإنكم لمثلنا في قتال العجم -فخدعه واتقى به- وقال: دونكموهم، وإن احتجتم إلينا أعناكم.

فقالت الأعاجم له: ما حملك على هذا؟ فقال: إن كانت له فهي لكم، وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى تهنوا، فنقاتلهم وقد ضعفوا.

فلزم مهران العين، ونزل عقة لخالد على الطريق، فقدم عليه خالد وهو في تعبئة جنده، فعبى خالد جنده وقال لمجنبتيه: اكفونا ما عنده، فإني حامل.

ووكل بنفسه حوامي، ثم حمل وعقة يقيم صفوفه، فاحتضنه فأخذه أسيرا، وانهزم صفه من غير قتال، فأكثروا فيهم الأسر، واتبعهم المسلمون، ولما جاء الخبر مهران هرب في جنده، وتركوا الحصن، ولما انتهت فلال عقة من العرب والعجم إلى الحصن اقتحموه واعتصموا به، وأقبل خالد في الناس حتى ينزل على الحصن ومعه عقة أسير، وعمرو بن الصعق، وهم يرجون أن يكون خالد كمن كان يغير من العرب، فلما رأوه يحاولهم سألوه الأمان، فأبى إلا على حكمه، وأمر خالد بعقة وكان خفير القوم فضربت عنقه ليوئس الأسراء من الحياة، ولما رآه الأسراء مطروحا على الجسر يئسوا من الحياة، ثم دعا بعمرو بن الصعق فضرب عنقه، وضرب أعناق أهل الحصن أجمعين، وسبى كل من حوى حصنهم، وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وقال: ما أنتم؟ قالوا: رهن، فقسمهم في أهل البلاء، منهم نصير أبو موسى بن نصير، وسيرين أبو محمد بن سيرين.


بعد أن انصرف خالد من عين التمر أقام بدومة الجندل فظن الفرس أنه قد غادر العراق متوجها إلى الجزيرة العربية مع القسم الأكبر من قواته، فأرادوا طرد قواته من العراق، واستعادة الأراضي التي فتحها المسلمون؛ فطمع الأعاجم، وكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة، فخرج زرمهر وروزبه يريدان الأنبار، واتعدا حصيدا والخنافس، فسمع  القعقاع بن عمرو وهو خليفة خالد على الحيرة، فأرسل أعبد بن فدكي وأمره بالحصيد، وأرسل عروة بن الجعد البارقي إلى الخنافس، ورجع خالد من دومة إلى الحيرة وهو عازم على مصادمة أهل المدائن محلة كسرى، لكنه كره أن يفعل ذلك بغير إذن أبي بكر الصديق، وشغله ما قد اجتمع من جيوش الأعاجم مع نصارى الأعراب يريدون حربه، فبعث القعقاع بن عمرو أميرا على الناس، فالتقوا بمكان يقال له: الحصيد، وعلى العجم رجل منهم يقال له: روزبه، وأمده أمير آخر يقال له: زرمهر، فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزم المشركون وقتل منهم المسلمون خلقا كثيرا، وقتل القعقاع بيده زرمهر، وقتل رجل يقال له: عصمة بن عبد الله الضبي روزبه.

وغنم المسلمون شيئا كثيرا، وهرب من هرب من العجم، فلجأوا إلى مكان يقال له: خنافس، فسار إليهم أبو ليلى بن فدكي السعدي، فلما أحسوا بذلك ساروا إلى المصيخ، وعندما وصل أبو ليلى إلى الخنافس وجدها خالية من الفرس، فأقام بها مدة، ثم أرسل إلى خالد بن الوليد ينهي إليه أنباء استيلائه على المدينة، ويخبره بفرار الفرس إلى المصيخ، فلما استقر الفرس  بالمصيخ بمن معهم من الأعاجم والأعارب قصدهم خالد بن الوليد بمن معه من الجنود، وقسم الجيش ثلاث فرق، وأغار عليهم ليلا وهم نائمون فأنامهم، ولم يفلت منهم إلا اليسير فما شبهوا إلا بغنم مصرعة.


سار خالد بن الوليد رضي الله عنه بجيوشه المجتمعة إلى الفراض على تخوم الشام والعراق والجزيرة، وتعاون الفرس والروم ضد المسلمين, فأقام هنالك شهر رمضان مفطرا لشغله بالأعداء، ولما بلغ الروم أمر خالد ومصيره إلى قرب بلادهم حموا وغضبوا وجمعوا جموعا كثيرة، ثم ناهدوا خالدا فحالت الفرات بينهم، فقالت الروم لخالد: اعبر إلينا.

وقال خالد للروم: بل اعبروا أنتم.

فعبرت الروم إليهم، فاقتتلوا هنالك قتالا عظيما بليغا، ثم هزم الله جموع الروم وتمكن المسلمون من اقتفائهم، فقتل في هذه المعركة من الفرس والروم والعرب المتنصرة أكثر من مائة ألف، وأقام خالد بعد ذلك بالفراض عشرة أيام، ثم رتب لرجوع جيشه للحيرة، ثم  اتجه مع بعض جنده للحج دون علم أحد بهم.


أقام خالد بن الوليد بالفراض عشرة أيام، ثم أذن بالقفول إلى الحيرة، لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بن عمرو أن يسير في المقدمة، وأمر شجرة بن الأعز أن يسير في الساقة، وأظهر خالد أنه يسير في الساقة, ثم انطلق في كوكبة من أصحابه، وقصد شطر المسجد الحرام، وسار إلى مكة في طريق لم يسلك قبله قط، وتأتى له في ذلك أمر لم يقع لغيره، فجعل يسير معتسفا على غير جادة، حتى انتهى إلى مكة فأدرك الحج, ثم عاد فأدرك أمر الساقة قبل أن يصلوا الحيرة، ولم يعلم أبو بكر الصديق بذلك أيضا إلا بعد ما رجع أهل الحج من الموسم، فبعث يعتب عليه في مفارقته الجيش، وأمره بالذهاب إلى الشام ممدا جموع المسلمين.


خرج الجنيد المري غازيا يريد طخارستان، فوجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية عشر ألفا، ووجه إبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر، وجاشت الترك فأتوا سمرقند وعليها سورة بن الحر، فكتب سورة إلى الجنيد: إن خاقان جاش الترك فخرجت إليهم فلم أطق أن أمنع حائط سمرقند، فالغوث الغوث.

وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للمسير، وبلغ الترك فغوروا الآبار التي في طريق كش فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل ودخل الشعب، فصبحه خاقان في جمع عظيم، وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك، فحمل خاقان على المقدمة وأخذ الراية ابن مجاعة فقتل، وتداولها ثمانية عشر رجلا فقتلوا، وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا، فكانت السيوف لا تقطع شيئا، فقطع عبيدهم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان، فكانت المعانقة ثم تحاجزوا فبينا الناس كذلك إذ أقبل رهج وطلعت فرسان، فنادى الجنيد: الأرض الأرض! فترجل وترجل الناس، ثم نادى: ليخندق كل قائد على حياله.

فخندقوا وتحاجزوا ثم طلب الجنيد النجدة فعرفت الترك بذلك فكمنت له وقتلته، فخرج من الشعب واشتد الأمر حتى قال الجنيد: كل عبد قاتل فهو حر.

فقاتلوا قتالا عجب منه الناس حتى انكشف العدو ورجع الجنيد إلى سمرقند.


غزا الجراح بن عبد الله الحكمي بلاد الخزر، فاجتمع الخزر والترك من ناحية اللان، فلقيهم الجراح فيمن معه من أهل الشام وأذربيجان، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، فصبر الفريقان، وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين فاستشهد هو ومن معه من الجند بأردبيل، ولما قتل الجراح طمع الخزر وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل، وعظم الخطب على المسلمين.

فلما بلغ ذلك هشام بن عبد الملك بعث سعيد بن عمرو الحرشي بجيش وأمره بالإسراع إليهم، فلحق الترك وهم يسيرون بأسارى المسلمين نحو ملكهم خاقان، فاستنقذ منهم الأسارى ومن كان معهم من نساء المسلمين، ومن أهل الذمة أيضا، وقتل من الترك مقتلة عظيمة جدا، وأسر منهم خلقا كثيرا فقتلهم صبرا، ولم يكتف الخليفة بذلك حتى أرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر الترك، فسار إليهم في برد شديد وشتاء عظيم، فوصل إلى باب الأبواب،وسار بمن معه في طلب الأتراك وملكهم خاقان.


هو أبو عقبة الجراح بن عبد الله الحكمي مقدم الجيوش، فارس الكتائب.

ولي البصرة من جهة الحجاج، ثم ولي خراسان وسجستان لعمر بن عبد العزيز.

وكان بطلا، شجاعا, عابدا، قارئا, كبير القدر, مهيبا طوالا، كان إذا مر في جامع دمشق يميل رأسه عن القناديل من طوله.

قال الجراح: تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.

كان أميرا على أرمينية، فقتلته الخزر، ففزع الناس لقتله في البلدان, ولما قتل طمع الخزر في المسلمين وأوغلوا في البلاد، وغلبت الخزر على أذربيجان، حتى بلغوا قريبا من الموصل.

كان البلاء بمقتله على المسلمين عظيما، بكوا عليه في كل جند.

كان رحمه الله خيرا فاضلا صالحا، رثاه كثير من الشعراء.


هو عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان بن فيروزان، أحد القراء السبعة، إمام أهل مكة في القراءة، ولقي فيها عددا من الصحابة، وكان فصيحا بليغا مفوها، أبيض اللحية، طويلا، جسيما، أسمر، أشهل العينين، يخضب بالحناء، عليه السكينة والوقار، توفي في مكة.


قام هشام بن عبد الملك بعزل خالد بن عبد الله القسري البجلي وولى بدلا منه يوسف بن عمر الثقفي، وقد اختلفت الروايات بشأن سبب عزله.


سار أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان بجيوشه إلى مدينة ختل فافتتحها، وتفرقت في أرضها جنوده يقتلون ويأسرون ويغنمون، فجاءت العيون إلى ملك الترك خاقان أن جيش أسد قد تفرق في بلاد ختل، فاغتنم خاقان هذه الفرصة فركب من فوره في جنوده قاصدا إلى أسد، وتزود خاقان وأصحابه سلاحا كثيرا، وقديدا وملحا، وساروا في خلق عظيم، وجاء إلى أسد فأعلموه بقصد خاقان له في جيش عظيم كثيف، فتجهز لذلك وأخذ أهبته، فأرسل من فوره إلى أطراف جيشه، فلمها وأشاع بعض الناس أن خاقان قد هجم على أسد بن عبد الله فقتله وأصحابه، ليحصل بذلك خذلان لأصحابه، فلا يجتمعون إليه، فرد الله كيدهم في نحورهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وذلك أن المسلمين لما سمعوا بذلك أخذتهم حمية الإسلام وازدادوا حنقا على عدوهم، وعزموا على الأخذ بالثأر، فقصدوا الموضع الذي فيه أسد، فإذا هو حي قد اجتمعت عليه العساكر من كل جانب، وسار أسد نحو خاقان حتى أتى جبل الملح، وخاض نهر بلخ ففاجأهم الترك من ورائهم وقتلوا منهم عددا ثم بقوا عدة أشهر كذلك حتى التقوا مرة أخرى وكر عليهم المسلمون وأعملوا فيهم، وكان الحارث بن سريج الذي خرج على عاصم قد التجأ إلى خاقان الترك وحارب معه وقد هربا سويا من هذه الحرب وغنم المسلمون الكثير من أموالهم وأمتعتهم ودوابهم.


لما أخذ زيد بن علي زين العابدين بن الحسين البيعة ممن بايعه من أهل الكوفة، أمرهم في أول هذه السنة بالخروج والتأهب له، فشرعوا في أخذ الأهبة لذلك.

فانطلق رجل يقال له: سليمان بن سراقة.

إلى يوسف بن عمر الثقفي نائب العراق فأخبره - وهو بالحيرة يومئذ - خبر زيد بن علي هذا ومن معه من أهل الكوفة، فبعث يوسف بن عمر يتطلبه ويلح في طلبه، فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن علي فقالوا له: ما قولك -يرحمك الله- في أبي بكر وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيها إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذا بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة.

قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذا؟ قال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تأبوا فلست عليكم بوكيل فرفضوه وانصرفوا عنه، ونقضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية ثم إن زيدا عزم على الخروج بمن بقي معه من أصحابه، فواعدهم ليلة الأربعاء من مستهل صفر، فبلغ ذلك يوسف فأمر عامله بأن يحبس الناس في المسجد ليلتها حتى لا يخرجوا إليه، ثم خرج زيد مع الذين اجتمعوا معه فسار إليه نائب الكوفة الحكم وسار إليه يوسف بن عمر في جيش، وحصل قتال في عدة أماكن بينهم حتى أصيب زيد بسهم في جبهته ثم دفن، ثم جاء يوسف وأخرجه وصلبه، وقيل: بقي كذلك طويلا ثم أنزل وحرق، فما حصل لزيد بن علي هو نفس ما حصل للحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء.


ثارت البربر بالمغرب فخرج ميسرة المدغري وقام على عمر بن عبد الله المرادي بطنجة فقتله وثارت البرابر مع أميرهم ميسرة الحقير، ثم خلف ميسرة على طنجة عبد الأعلى بن حديج، وزحف إلى إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب إلى السوس فقتله، ثم كانت وقائع كثيرة بين أهل المغرب الأقصى وأهل أفريقيا، وكان المغرب حينئذ قوما ظهرت فيهم دعوة الخوارج، ولهم عدد كثير وشوكة كبيرة، وهم برغواطة وكان السبب في ثورة البربر وقيام ميسرة إنها أنكرت على عامل ابن الحبحاب سوء سيرته، وكان الخلفاء بالمشرق يستحبون طرائف المغرب ويبعثون فيها إلى عامل أفريقيا فيبعثون لهم البربر السنيات، فلما أفضى الأمر إلى ابن الحبحاب مناهم بالكثير وتكلف لهم أو كلفوه أكثر مما كان، فاضطر إلى التعسف وسوء السيرة، فحينئذ عدت البرابر على عاملهم فقتلوه وثاروا بأجمعهم على ابن الحبحاب.


خرج إليون من القسطنطينية ومعه مائة ألف فارس، فأخبر بذلك البطال وهو عبد الله الأنطاكي فأخبر البطال أمير عساكر المسلمين بذلك، وكان الأمير مالك بن شبيب، وقال له: المصلحة تقتضي أن نتحصن في مدينة حران فنكون بها حتى يقدم علينا سليمان بن هشام بالمدد، فأبى عليه ذلك ودهمهم الجيش، فاقتتلوا قتالا شديدا والأبطال تحوم بين يدي البطال ولا يتجاسر أحد أن ينوه باسمه خوفا عليه من الروم، فاتفق أن ناداه بعضهم وذكر اسمه غلطا منه، فلما سمع ذلك فرسان الروم حملوا عليه حملة واحدة، فاقتلعوه من سرجه برماحهم فألقوه إلى الأرض، ورأى الناس يقتلون ويأسرون، وقتل الأمير الكبير مالك بن شبيب، وانكسر المسلمون وانطلقوا إلى تلك المدينة الخراب فتحصنوا فيها، وانطلق ليون إلى المسلمين الذين تحصنوا فحاصرهم، فبينما هم في تلك الشدة والحصار إذ جاءتهم البرد بقدوم سليمان بن هشام بالمدد، ففر ليون في جيشه هاربا راجعا إلى بلاده -قبحه الله- فدخل القسطنطينية وتحصن بها.


بعد أن تفشت الخوارج في المغرب وهم الصفرية ولوا عليهم ميسرة المدغري المعروف بميسرة الحقير، فأعلن الثورة على عبيدالله بن الحبحاب فاستولى على طنجة وقتل عاملها عمر بن عبد الله المرادي وولى عبد الأعلى الرومي، فتوجه الأخير إلى السوس لقتال إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب، وكان أبوه ولاه على السوس، وقتل في المعركة عبد الأعلى فسير ميسرة لقتال إسماعيل على رأس جيش من البربر فقاتلوا وقتلوا إسماعيل، فوجه عبيد الله بن الحبحاب جيشا بقيادة خالد بن أبي عبيدة الفهري لقتال ميسرة فتحاجز الفريقان وعاد ميسرة إلى طنجة فنقم عليه البربر وقتلوه وولوا عليهم خالد بن حميد الزناتي فالتقى جيش البربر مع جيش خالد الفهري بالقرب من طنجة فكانت معركة ضارية شديدة كانت نتيجتها هزيمة جيش خالد الفهري وقتل الكثير منهم، وسميت وقعة الأشراف لكثرة الأشراف في جيش خالد الفهري والذين قتل الكثير منهم.


غزا نصر بن سيار أمير خراسان غزوات متعددة في الترك، وأسر ملكهم كور صول في بعض تلك الحروب وهو لا يعرفه، فلما تيقنه وتحققه، سأل منه كور صول أن يطلقه على أن يرسل له ألف بعير من إبل الترك -وهي البخاتي- وألف برذون، وهو مع ذلك شيخ كبير جدا، فشاور نصر من بحضرته من الأمراء في ذلك، فمنهم من أشار بإطلاقه، ومنهم من أشار بقتله.

ثم سأله نصر بن سيار كم غزوت من غزوة؟ فقال: ثنتين وسبعين غزوة.

فقال له نصر: ما مثلك يطلق، وقد شهدت هذا كله.

ثم أمر به فضربت عنقه وصلبه، فلما بلغ ذلك جيشه من قتله باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه، وجذوا لحاهم وشعورهم وقطعوا آذانهم وحرقوا خياما كثيرة، وقتلوا أنعاما كثيرة، فلما أصبح أمر نصر بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حرقه أشد عليهم من قتله، وانصرفوا خائبين صاغرين خاسرين، ثم كر نصر على بلادهم فقتل منهم خلقا وأسر أمما لا يحصون كثرة.


كان بدء الدعوة من قبل محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ووصلت الدعوة إلى خراسان، ثم لما توفي محمد بن علي في عام 124 هـ سار بالأمر من بعده ابنه إبراهيم وساعد في قوة الأمر ظهور أبي مسلم الخراساني الذي كان يخدم في سجن يوسف بن عمر أحد المسجونين بتهمة الدعوة العباسية وكان بكير بن ماهان أحد الدعاة الكبار للدعوة العباسية في خراسان قد اشتراه أبا مسلم وأرسله إلى إبراهيم بن محمد فأعطاه لأبي موسى السراج ليؤدبه فسمع منه وحفظ، وقيل غير ذلك في نسب أبي مسلم، وقيل: إن إبراهيم طلب منه تغيير اسمه حتى تتمكن الدعوة العباسية فالله أعلم.


هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، أول من دون الحديث، أحد كبار الحفاظ والفقهاء، حدث عن عدد من الصحابة كأنس وابن عمر، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، كان من مشاهير القراء، له مؤلفات في المغازي والتاريخ والقرآن، استقر في الشام وبقي إلى أن قيل ليس في الدنيا له نظير، توفي في قرية شغب أول حدود فلسطين مع الحجاز، فرحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


هو الجعد بن درهم، رأس المعطلة، أصله من خراسان، أسلم أبوه وصار من موالي بني مروان، وقد ولد في خراسان وهاجر بعد ذلك إلى دمشق حيث أقام هناك، وهو أول من ابتدع: أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله.

كان الجعد زنديقا، شهد عليه ميمون بن مهران، فطلبه هشام، فظفر به، وسيره إلى خالد بن عبد الله القسري في العراق فقتله يوم النحر، ومنه أخذ الجهم بن صفوان مقالته في التعطيل.


هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد القرشي الأموي الدمشقي، أمير المؤمنين، بويع له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن عبد الملك بعهد منه إليه، وذلك يوم الجمعة لأربع بقين من شعبان سنة خمس ومائة، وكان له من العمر يومئذ أربع وثلاثون سنة، وكان جميلا أبيض أحول، يخضب بالسواد، وهو الرابع من ولد عبد الملك لصلبه الذين ولوا الخلافة، فكان هشام آخرهم، وكان في خلافته حازم الرأي، وكان ذكيا مدبرا للأمور، له بصر بها جليلها وحقيرها، اشتهر هشام في خلافته بالحلم والعفة، وكان قد نظم الدواوين وزاد في موارد الدولة، لم يكن أحد من بني مروان أشد نظرا في أمر أصحابه ودواوينه، ولا أشد مبالغة في الفحص عنهم من هشام.

أمر بقتل غيلان القدري.

يؤخذ عليه تغافله عن دعاة بني العباس الذين نشطوا في عهده، ولعل كراهية هشام للعنف وسفك الدماء كانت سببا في تغاضيه عنهم حتى استفحل أمرهم قبيل وفاته، بحيث لم يستطع خلفاؤه وقف مد الدعوة العباسية؛ لذا لما مات هشام اضطرب ملك بني أمية، بقي في الخلافة عشرين سنة إلا شهرين، وصلى عليه ابنه مسلمة، ودفن في الرصافة.


كان يزيد بن عبد الملك قد عهد الأمر من بعده لأخيه هشام ثم لابنه الوليد من بعده، وكان الوليد بن يزيد ماجنا غارقا في شرب الخمر، حاول عمه هشام أكثر من مرة عزلة من الخلافة لكنه لم يفعل, فلما توفي هشام بويع بالخلافة للوليد بن يزيد وعمره خمس وثلاثون سنة.

أكثر الوليد بن يزيد العطاء للناس, وسار في الناس سيرة حسنة في بداية خلافته فاستوثقت له الأقاليم بالبيعة, لكن غلب عليه مجونه ومعاقرته للخمرة.


كان أبو الخطار لما بايع ولاة الأندلس من قيس قد قال شعرا وعرض فيه بيوم مرج راهط، وما كان من بلاء كلب فيها مع مروان بن الحكم، وقيام القيسيين مع الضحاك بن قيس الفهري على مروان, فلما بلغ شعره هشام بن عبد الملك علم أنه رجل من كلب، وكان هشام قد استعمل على أفريقيا حنضلة بن صفوان الكلبي سنة أربع وعشرين ومائة، فكتب إليه هشام أن يولي الخطار الأندلس، فولاه وسيره إليها.


لما تولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخلافة سار في أول أمره سيرة حسنة مع أنه كان قد اشتهر عنه أنه صاحب شراب، ولكن الذي ولد النقمة عليه أنه عقد لولديه بالخلافة من بعده الحكم وعثمان، وهما لم يبلغا سن الرشد بعد، كما أسرف في شرابه وانتهاك المحرمات فثقل ذلك على الناس ونقموا عليه مما حداهم إلى أن بايعوا سرا لابن عمه يزيد بن الوليد، فنادى يزيد بخلع الوليد الذي كان غائبا في عمان الأردن، وكان قد وضع نائبا له على دمشق ففر منها وأرسل يزيد جماعة من أصحابه بقيادة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك إلى الوليد بن يزيد فقتلوه في قصره البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، فكانت مدة خلافته سنة وثلاثة أشهر تقريبا.