عنوان الفتوى : تقصير الزوج في حقوق زوجته بسبب مرضه البدني والنفسي
أنا متزوجة منذ سنتين ونصف تقريباً ، وزوجي لا يقربني إلا كل ثلاثة أو خمسة شهور تقريباً ، متعللاً دوماً إما بالمرض ، أو السحر ، أو عدم الاستقرار المالي ، ولا يتودد نهائيّاً لي ، وكلما صارحته بالأمر أوجد الأعذار الجاهزة ، مع العلم أنه لا يعاني شيئاً كما يقول ، ويرفض الذهاب للطبيب ، حتى أخبرت عائلته بالموضوع ، وأيضاً لم يجدوا أي فائدة من الكلام معه ، وهو يضغط عليَّ من أجل العلاج للحمل ، ولا أعلم كيف سيحصل ، أنا متعبة جدّاً ، ولا أعلم ما أفعل ، إن علم أهلي بموضوعي سيكون الطلاق أكيداً ، ومع العلم أننا ذهبنا إلى العديد من شيوخ الدين ، وكلهم أجمعوا على وجود نفْس أصابتنا ، ولم ينفع معنا شيء ، وبصراحة أنا أخاف من القيام بالفاحشة . أرجو منكم إطلاعي ما يتوجب عليَّ عمله ، وفي حالة الطلاق ما هي حقوقي ؟ .
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف ، فقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19
، وهو من الحقوق المشتركة ، فيجب على كل واحدٍ من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف .
ولكل واحدٍ من الزوجين حق على الآخر ، وقد فصلنا القول في حقوق الزوجين بعضهما على
بعض في جواب السؤال (
10680 ) .
ومن حقوق الزوجة على زوجها : إعفافها بالوطء ، وهو واجب على القادر ، وهو قول جمهور
العلماء.
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 30 / 127 ) :
" من حقّ الزّوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها ، وذلك بأن يطأها ، وقد ذهب جمهور
الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب على الزّوج أن يطأ زوجته "
انتهى
.
وقد اختلف العلماء في الحد الذي يجب فيه على الزوج جماع زوجته ، وأصح الأقوال أن
ذلك يتبع حاجتها وقدرته .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها ، فهل عليه إثم أم لا ؟ وهل
يطالب الزوج بذلك ؟ .
فأجاب :
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف ، وهو من أوكد حقها عليه ، أعظم من إطعامها ،
والوطء الواجب قيل : إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة ، وقيل : بقدر حاجتها وقدرته ،
كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته ، وهذا أصح القولين .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 271 ) .
وقد يكون زوجك تعرض لأمراضٍ
نفسيَّة أو عضويَّة ، وهو ما سبَّب له نفوراً من الجماع أو التودد ، وليس لكِ الجزم
بعدم وجود ذلك عنده ، وبخاصة أنكِ تقولين إن المشايخ الذين اطلعوا على حالتكما رأوا
أنه قد أصابتكما عينٌ – أو " نَفْس " - ، فلا يبعد أن تكون تلك العيْن هي التي
تسببت في سلوكه المتغير .
سئل الدكتور عبد الله السدحان – وهو أحد المختصين في أمور الرقية ، ورسالته
للدكتوراة كانت بعنوان " دراسة مقارنة عن الرقية الشرعية " - :
هل تسبِّب العين أمراضاً عضوية ومشكلات مادية أو اجتماعية ؟ .
فأجاب :
نعم ، تتسبَّب العين في عدم شفاء كثير من الأمراض العضوية ، بل واستفحالها ، وكذلك
المشكلات المادية ، والزوجية ، والقطيعة ، وكثير من المصائب ، كيف وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم : ( أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ) ، فما
دون الموت من المصائب أولى أن تُلحق بالعين .
عن " مجلة الدعوة " العدد ( 2018 ) ، 15
شوال 1426هـ ، 17 نوفمبر 2005 م .
ومن واجب الزوجة الصالحة أن تقف مع
زوجها في مثل هذه الأحوال ، فهو أحوج ما يكون لمن يسانده ، ويعينه في علاجه ، حتى
يكتب الله له الشفاء ، وإذا كان ما أصابه سببه الظروف المادية ، والحياة الاجتماعية
: فإنك تستطيعين كسب قلبه بالتجمل له ، والتودد إليه ، والتلطف معه ، فأنتِ سكنه ،
وقد جعل الله بين الزوجين من المودة والرحمة ما يسهِّل عليك الوصول إلى قلبه ،
والتخفيف عنه ما يعانيه من ضغط الحال .
ولتعلمي أن الرجل ليس كالمرأة ، فالمرأة تستطيع تلبية حاجة زوجها الجنسية في كل
أحوالها ، إلا أن تكون مريضة أو حائضاً أو نفساء ، والرجل لا يستطيع ذلك إلا أن
يكون نشيطاً وله رغبة في الجماع ، ولذا لم يوجب الشرع عليه العدل في الجماع بين
زوجاته ؛ لأن هذا يتبع النشاط والرغبة والقوة ، ولذا – أيضاً – جاء الوعيد في
الامتناع عن الفراش للزوجة دون الزوج .
وأما قولك ! إنك تخافين من الوقوع في الفاحشة فإنه ينبغي لك الصبر والتحمل وإعانة
زوجك حتى يشفيه الله ، فإن لم يمكنك الصبر فلك الحق في طلب الطلاق .
وعلى زوجكِ المسارعة في علاج نفسه ، ولا ينبغي له التردد في ذلك أو التهاون والكسل
، فهو – بحسب كلامك – واقع في التفريط في حق زوجته ، وللزوجة حقها في الإعفاف ، فإن
كان قادراً فليفعل ، وإلا فليطلِّقها ، وليسرحها سراحاً جميلاً ، إن كانت لا تستطيع
الصبر على مرض زوجها .
وفي جواب السؤال رقم (
11359 ) ذكرنا
كيفية الوقاية من العين ، والعلاج منها ، فلينظر .
نسأل الله أن يصلح أحوالكما .
والله اعلم .