عنوان الفتوى : الحكمة من جعل الإحداد للزوجة دون الزوج
لماذا لا يحد الرجل على زوجته 4 أشهر و عشرا مثلما تحد الزوجة على زوجها؟ ما الحكمة؟ ألا يكون ذلك ظلما للمرأة ولحقوقها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله تعالى هو الحكيم العليم، والحكيم هو الذي يضع الأمور في مواضعها دون خلل، والعليم هو الذي يعلم الأمور كلها دقيقها وكبيرها قبل أن تكون، والأدلة على حكمة الله وعلمه بعدد مخلوقاته، فأنت أيها السائل وجميع بني جنسك، بل والحيوانات والجبال والبحار والأفلاك كلها شاهدة بعلم الله وحكمته، وصدق من قال:
وفي كل شيء له آيةٌ * تدل على أنه الواحد
ولو تأملت في جزء صغير في بدنك وهو القلب وأسراره وكم قضى العلماء والأطباء منذ دهور طويلة وما زالوا وهم يكتشفون أسراره وعجائبه، فمن خلق هذا القلب وركبه وهداه للقيام بعمله إنه الحكيم العليم الخبير جل جلاله.
وهذه الحقيقة لا يرتاب فيها عاقل، ولا يشك فيها منصف.
وقد أقام الله نظام السموات والأرض وما فيها من مخلوقات على الحق والعدل، وحرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:40} ، وقال عز وجل: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44}، وفي الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
فلا يجوز لمسلم أن يسمح لخاطره أن يصف الله تعالى بالظلم، وإن عجز عن فهم حكمة أمرٍ من الأمور اتهم رأيه وعقله، وكم من أمور قد تخفى حكمتها على العباد لضعفهم وجهلهم.
ونعود إلى جواب السؤال فنقول: إنَّ من الحكم التي ظهرت لبعض عباد الله تعالى في أمر الله سبحانه وتعالى المرأة أن تَحُد على زوجها، أن المرأة مأمورة بأن تعتد ليبين نقاء الرحم من حمل، ولعظيم حق الزوج عليها بخلاف الرجل في الأمرين، والحداد تبعٌ للعدة، والمرأة في زمن العدة لا يحل نكاحها ولا التصريح بخطبتها، والتجمل والتزين مدعاة للزوجة ولمن قد يطلع عليها إلى ذلك فكان ممنوعاً، لأنه يفضي إلى ممنوع، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين: وأما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدة وهو من مقتضياتها ومكملاتها، فإن المرأة إنما تحتاج إلى التزين والتجمل والتعطر لتتحبب إلى زوجها، وترد لها نفسه، ويحسن بينهما المعاشرة.
فإذا مات واعتدت منه وهي لم تصل إلى زوج آخر، فاقتضى تمام حق الأول، وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله، أن تمنع مما تصنعه النساء لأزواجهن، مع ما في ذلك من سد الذريعة إلى طمعها في الرجال، وطمعهم فيها بالزينة والخضاب والتطيب. فإذا بلغ الكتاب أجله صارت محتاجة إلى ما يرغِّب في نكاحها، فأبيح لها من ذلك ما يباح لذات الزوج، فلاشيء أبلغ في الحسن من هذا المنع والإباحة، ولو اقترحت عقول العالمين لم تقترح شيئا أحسن منه. اهـ
وراجع الفتوى رقم:10011 .
والله أعلم.