عنوان الفتوى : سداد دين الوالد على سبيل البر والإحسان لا الوجوب

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أسال الله أن يجزي كل من يعمل في هذا الموقع خير الجزاء، وأن يعينكم على حمل هذه الأمانة، أمانة التوقيع عن الله. أعرض عليكم مشكلة أصبحت أدعو بالموت إن كان في الموت خير لشدة ما أعانيه فيها من حيرة وتخبط وقد لجأت إلى صفحتكم كي ألتمس على نورها الطريق راجيا الله أن يكشف ما بي من ضيق فأنا شاب تلقيت تعليمي الجامعي في الغرب على نفقة والدي، وبعد أن تخرجت كشف لي أنه استعمل أثناء الإنفاق على تعليمي أموالا كان قد تسلمها كأمانات (صدقات وزكاة) لإيصالها إلى مستحقيها من أسر وأيتام وغير ذلك في فلسطين، حيث وصل المبلغ المفرّط به لما يزيد عن الخمسين ألف دولار الآن والدي لا يستطيع وحده إعادة هذا المال لضعف دخله، وطلب مني أن أسدده عنه كون هذا المبلغ قد صرف في معظمه على تعليمي أنا وإخوتي وبما أنه لا توجد في بلدي فرص عمل جيدة تدر ما يكفي علي لسداد حاجاتي فضلا عن ديون أبي من الأمانات، فإنني أعتزم السفر إلى الغرب، حيث يمكنني العمل هناك لأعيل أولادي وأسدد دين أبي لكن المشكلة تكمن في والدتي إذ إنها لم تعد تحتمل المزيد من الفراق فقد صبرت على بعدي عشر سنوات إلى أن أتممت دراستي وهي برغم إدراكها للأوضاع الاقتصادية المتدهورة الذي تمر بها البلد وعلمها بقصة الأمانات المفرّط بها، تعارض بقوة أن أغترب من جديد، علما أنها لا تحتاج أحدا للقيام عليها، فهي ليست عاجزة وأختي التي تعيش معها تقوم على رعايتها. والآن وبعدما قررت السفر باتت تعيش في هم وحزن شديد جعلني أخشى حتى على حياتها إذ إنها تعاني من السكري وبعض الأمراض المزمنة، فهي لا تكف عن البكاء والشكوى، وجعلتني أتردد كثيرا فيما نويته خوفا من أن أبوء بغضبها إن خرجت وهي على هذه الحال سؤالي : هنا ماذا يجب أن أفعل؟ هل أسافر لأسدد أموال الصدقات والأيتام التي استعملت في الإنفاق علي وعلى إخوتي رغم ما قد يعنيه ذلك من غضب سيلحق بي من جانب والدتي المكسورة القلب أم أترك والدي بديونه وأجلس عند أمي علما أنه لن يرضى عني كذلك لو فعلت هذا، فليس عنده مصدر آخر ليسدد منه دينه (سوى أراض لا يستطيع التصرف بها لإشكالات قانونية) ، وما يعنيه ذلك من الإثم والعذاب الذي قد يلحق به إن مات وهذا المال لا يزال معلقا برقبته، فهو في أواخر الستينيات من العمر كما أنه ليس عندي هنا عمل جيد أستطيع أن أعيش من ورائه أنا وأولادي حياة كريمة أفتونا بهذا جزاكم الله خيرا، وإن أمكن أن يطلع على سؤالي عدد من العلماء الأجلاء فإن مصيري كله متعلق بإجابتكم ؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ارتكبه والدك من أكل أموال اليتامى والمساكين إثم كبير وجرم عظيم. قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء: 10 } وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من المهلكات الموبقات في الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال : الإشراك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات . فعليه التوبة إلى الله من ذلك ، وشرط صحة التوبة أن يرد كل ما أخذ من أموال الأيتام والمساكين ، أو طلب السماح منهم فإنه لا تبرأ ذمته إلا بذلك، فإن تاب توبة نصوحاً وبذل جهده في التخلص من هذه الحقوق وبدأ يدفع لمستحقيها ما وجد فنرجو أن يتقبل الله توبته ويعينه على إكمال أداء تلك الحقوق ، وليس عليك إثم فيما فعله والدك ما دمت لا تعلم بأمر هذه الأموال ، فلا تزر وازرة وزر أخرى. 

وينبغي لك أن تسعى في سداد دين والدك براً وإحساناً منك به لا وجوباً ، بقدر سعتك واستطاعتك ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ويلزمك طاعة والدتك في ما أمرتك به من عدم السفر إلا بإذنها ورضاها ، وننصحك بالصبر على شظف العيش ، من أجل رضا والدتك ، واعلم أن طاعتها مقدمة على طاعة الوالد عند التعارض ، وسبق بيانه في الفتوى رقم : 33419 ، كما أن أمرها أرشد من أمر الوالد  في هذه المسألة وذلك أن السفر إلى الغرب فيه ضرر على دينك ودين أبنائك ، وراجع الفتوى رقم : 2007 ، وفقك الله وأعانك على طاعته وعلى قضاء دين والدك . 

والله أعلم .