عنوان الفتوى : تغيير المرأة إلى رجل
عندي مشكلة عويصة أرجو أن تـعينوني على حلها في ضوء أحكام الشرع الشريـف؛ فأنا سيدة مـسلمة، أصلى وأصوم وأؤدي فرائض الله، وأجتنب ما حرم الله، وأنا من أسـرة ثرية ذات مال ومنزلة، يحسـدني عليها الكثيرات من الـنساء، ومشكلتي أني لا أشعر بأنوثتي، أي لا أحس بأنني أنثى، بل أشعر في أعماقي أني رجل ولست بامرأة، وقد خطبني أكثر من واحد ورفـضت، ثم ضغط علي أهلي فقبلت الزواج من أحدهـم، ولكنها كانت محنة وبلـية بـالـنسـبة لي، فكأن رجلا يعاشر رجلا .. وكان لا بد من النتيجة الـحتميـة وهي الـطـلاق .
والآن أفكر في حل جذري لمشكلتي أعرضه عليكم، وهو أن أذهب إلى طبيب مختص ليجري لي عملية جراحية يحولني بها إلى رجل، وأحيا حياة الرجل .
وأحب أن أذكر لفضيلتك أن الأطباء قرروا أن أجهزتي الأنثوية طبيعية، وأني أنثى كاملة، ولكن بعض الأطباء مستعدون لإجراء عملية التغيير، وتركيب عضو ذكريّ لي، وتعطيل الأعضاء الأنثوية .. الخ ..
فهل هذا يجوز شرعا لأعالج ما أعاني طوال حياتي؟ أرجو من سماحتكم الإجابة الوافية بالأدلة الشرعية، حتى يطمئن قلـبي .. أدام الله عليكم التوفيـق.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة و السلام على رسول الله، وبعد:
الزوجية ظاهرة كونية عامة، بثها الله تعالى في هذا الكون كله: إنسانه وحيوانه ونباته وجماده . كما قرر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) يس : 36 وقوله تعالى: ( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) الذاريات : 49
والذكورة والأنوثة هما أبرز مظاهر هذه الزوجية، وعلى أساسها قامت حياة الإنسان والحيوان لحاجة كل من الذكر والأنثى إلى صاحبه . وهي حاجة بيولوجية محضه عند الحيوان . وهي عند الإنسان أرقى من ذلك وأعمق، فهي بيولوجية ونفسية وفكرية واجتماعية وأخلاقية.
ولهذا حين خلق الله آدم أبا البشر، لم يدعْه وحده، ولم يسكنه الجنة بمفرده، إنما خلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها، ويأنس بها، كما قال تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) الأعراف : 189
وقال لآدم (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ،وكلا منها رغدا حيث شئتما ) البقرة : 35 إذ لا معنى لجنة يعيش الإنسان فيها وحيدا.
وقد ركب الله في كل من جنس الذكر والأنثى الميل الفطري إلى الجنس الآخر ، ليلتقيا ويتعاشرا ويكون من ذلك الأبناء والأحفاد ، كما قال تعالى : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) النحل : 72
وهذا الميل الفطري بين الرجل والمرأة هو الذي أنشأ الحياة الزوجية، وكان من ثمراته الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة، ومن ينابيعه فاضت قصص الحب والعشق، التي تغنى بها الشعراء والأدباء في أنحاء العالم طوال التاريخ.
ومن هنا لا يتصور أن يستغني الرجل عن المرأة، أو المرأة عن الرجل، إلا من قبيل (الشذوذ ) عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
ومن هنا أيضا شرع الإسلام الزواج بين الرجل والمرأة ليحقق أهدافا إنسانية عظيمة أشار إليها القرآن يقول سبحانه: ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم : 21 وقال عز وجل ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) البقرة : 187 بكل ما توحي به كلمة ( اللباس ) من اللصوق والستر والدفء والزينة.
لهذا كان من الغريب جدا: موقف الأخت السائلة من الرجال، ونفورها منهم، وشعورها في أعماقها بأنها رجل مع أن الأطباء من أهل الاختصاص قرروا أنها أنثى كاملة، وأن جميع أجهزتها الأنثوية لا خلل فيها .
لا بد أن يكون وراء هذا الموقف منها أسباب نفسية عميقة الجذور، ينبغي البحث عنها، والعمل الجاد، من أهل الذكر والخبرة على علاجها، كما قال تعالى: ( فاسأل به خبيرا ) الفرقان :59 ( ولا ينبئك مثل خبير) فاطر : 14
وقد قال صلى الله عليه وسلم ” ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، غير داء واحد هو الهرم ” وفي حديث آخر : ” ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ”
ومن المهم في العلاج: أن تؤمن الأخت السائلة بأن علاجها ممكن، وأن تساعد الطبيب بهذا الإيمان وألا ترفض العلاج من داخل نفسها، فإن قبول المريض للدواء واعتقاده بنفعه، وثقته بطبيبه من أعظم أسباب شفائه .
ولتلجأ أيضا إلى الله تبارك وتعالى: تسأله وتدعوه وتتضرع إليه أن يشرح لها صدرها، وييسر لها أمرها، ويحل لها عقدتـها، فإن الدعاء دواء روحي له قيمته، يعرفه المؤمنون، ويجهله الماديون.
وقد دعا أيوب عليه السلام ربه ( أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) الأنبياء : 83 فاستجاب الله دعاه وكشف ما به من ضر، رحمة منه تعالى، ولطفا به .
أما ما تفكر فيه السائلة، فهو أمر محظور شرعا في حالتها . لأن تحويل الإنسان من أنثي إلى ذكر ، أو من ذكر إلى أنثى : لا يجوز إلا في حالة تكون فيها طبيعة التكوين الجسدي مساعدة على ذلك . فقد توجد بعض مظاهر الأنوثة على شخص هو في حقيقة تركيبه رجل ، وفيه أعضاء الرجولة مخبوءة في جسده، من الخصيتين والذكر ونحو ذلك، وتكون مظاهر الأنوثة سطحية، والعملية الجراحية لتحويل هذه الأنثى إلى ذكر مقبولة، بل مطلوبة شرعا، لأنها تعيد الأمور إلى نصابها، وتضع الشئ في موضعه، وليس فيها تغيير لخلق الله تعالى .
وكذلك إذا كان الشخص فيه بعض مظاهر الذكورة، وهو في حقيقة تكوينه البدني أنثى، والأعضاء الأنثوية مخبوءة في كيانه مثل المبيض والفرج والرحم وغيرها .
فهذا يقبل بل يطلب شرعا إجراء العملية له، ليستقر في وضعه الصحيح بلا حرج.
إنما المحرم والممنوع هو : تحويل الرجل الطبيعي في تكوينه إلى امرأة ، وتحويل المرأة الطبيعية في تكوينها إلى رجل . فهذا من الخروج على الفطرة، والتغيير لخلق الله، الذي هو من عمل الشيطان عدو الإنسان، الذي حذر الله تعالى منه، وبين لنا وسائله في إخراج الإنسان من الاستقامة إلى الانحراف، ومن سواء الفطرة إلى شذوذها .
قال تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان، ومن يتبع خطوات الشيطان، فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) النور : 21 ( وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . لعنه الله وقال : لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ) النساء : 119
وأي تغيير لخلق الله تعالى أعظم من تغيير الرجل إلى امرأة، أو المرأة إلى رجل ؟
وكيف تكون امرأة بلا مبيض ولا رحم؟ وكيف يكون رجل بلا خصية ولا قضيب طبيعي؟
إن أول أثر لهذا التغيير: أنه يمنع الإنجاب أو الأمل فيه تماما، وهذا لا ريب فيه، ولو فتحنا هذا الباب لكل الناس لانقطع النسل، وانتهى وجود البشر .
ثم إنه يترتب عليه أحكام شرعية خطيرة جدا . فإذا تحولت المرأة إلى رجل مثلا، وأجزنا ذلك، ورتبنا عليها آثارها، فمعناه: إننا نجيز لها أو له أن يتزوج امرأة، وهو في الحقيقة زواج امرأة بامرأة زواج الجنس بالجنس نفسه، وهذا من أكبر المحرمات شرعا .
كما يترتب على ذلك: أن ترث هذا المرأة المسترجلة، أو المحولة إلى رجل . ميراث الرجال، فتأخذ ما ليس بحقها شرعا .
وكذلك إذا تحول الرجل إلى امرأة، فمعناه: أنه يحل له أن يتزوج رجلا، وهو في الواقع زواج رجل برجل . وهو من أعظم الكبائر . ويترتب عليه أن يضيع حقه في الميراث، وأن يأخذ الآخرون من نصيبه ما ليس لهم .
إن الله تعالى خلق الزوجين: الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما تكوينه الخاص به، يقوم بوظيفة منوطة به في الحياة، لا يجوز له أن يلغيها أو يعطلها، ومن أعظمها: الأبوة والأمومة، فكل ما يعطل الأبوة والأمومة لا يجوز، لأنه خروج على الفطرة، وشرود عن الشريعة، وفرار من المسؤولية، وانحراف عن الأخلاق .
أسأل الله تعالى للأخت السائلة: أن يعينها على نفسها، وأن يشرح لها صدرها، وييسر لها أمرها، و يحل لها عقدتها بما يتفق مع الشرع الحكيم . إنه سبحانه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول .
والله أعلم