عنوان الفتوى : أفضلية علي لا تستلزم جمعه للقرآن أو كونه أعلم الصحابة
استفسارنا هو بخصوص كتاب منهاج السنة لصاحبه ابن تيمية الصفحة 229 الجزء الثامن حيث يقول: بأن عثمان جمع القرآن كله بلا ريب وكان أحيانا يقرؤه في ركعة وعلي قد اختلف فيه هل حفظ القرآن كله، أم لا. فهل يعقل هذا الكلام عن علي وهو من أهل البيت أي الثقل الأصغر الذي أمر النبي بالتمسك بهم مع القرآن فكيف يكون التمسك بالقرآن والتمسك بمن يجهل أموراً بالقرآن مع أن النبي أمر بالتمسك بكليهما، مع العلم بأن ابن تيمية لم يأت ولو بقول واحد لأي من العلماء أو الصحابة، يقول بأن علي لا يحفظ القرآن كاملا بل العكس صحيح كان كبار الصحابة يلجؤون إلى علي في شتى معضلاتهم بعد النبي ويشهدون بعلمه وهو الذي قال فيه النبي أنا مدينة العلم وعلي بابها، وهو القائل عن نفسه سـلـوني, واللّه لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم. وسلوني عن كتاب اللّه, فواللّه ما من آية ألا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل. المصدر: عـلـوم الـقـرآن 4/204, تهذيب التهذيب: 7/297, فتح الباري: 8/599, عمدة القاري: 19/190, مفتاح السعادة: 2/55.وأما استفسارنا الثاني وهو: بالنسبه لقول شيخ الإسلام في منهاج السنة الجزء السابع الصفحة512 وهو قوله عن حديث رسول الله: أقضاكم علي والقضاء يستلزم العلم والدين. فهذا الحديث لم يثبت وليس له إسناد تقوم به الحجة يعني أن عليا ليس عنده علم ولا دين مع أن الحديث ذكرهُ كل من البخاري في صحيحه ورواه السيوطي في الدر المنثور والنسائي وابن الأنباري ودلائل النبوة للبيهقي وفي طبقات ابن سعد وفي مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة وفي مستدرك الحاكم وهو حديث صحيح وفي الاستيعاب، وأسد الغابة، وحلية الأولياء لأبي نعيم وفي الرياض النضرة وغيرها من الكتب، وأيضا كلام الشيخ ابن تيمية في منهاج السنة الجزء السابع الصفحة 515 في تضعيفه لحديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها. مع أن هذا الحديث من رواته يحيى بن معين، ورواه كل من الحاكم وقد صححه، والترمذي وصاحب كنز العمال، ورواه: أحمد بن حنبل والبزار، وابن جرير الطبري، والطبراني، وأبو الشيخ، وابن بطة، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن الأثير، وأبو مظفر السمعاني، والنووي، والعلائي، والمزي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، والسمهودي، وابن حجر المكي، والمناوي، والزرقاني. وأما استفسارنا الأخير هو: بالنسبه لقوله في كتاب منهاج السنة الجزء الرابع صفحة 136 ذكر الغزالي والماوردي وهما إمامان للشافعيه أن تسطيح القبور هو المشروع، لكن لما جعلته الرافضة شعاراً لهم عدلنا عنه إلى التسنيم وذكر الزمخشري وكان من أئمة الحنفية في تفسير قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته أنه يجوز بمقتضى هذه الاية أن يصلي على آحاد المسلمين، لكن لما اتخذت الرافضة ذلك في أئمتهم منعناه وقال مصنف الهداية من الحنفية إن المشروع التختم في اليمين، ولكن لما اتخذته الرافضة جعلنا التختم في اليسار، فهل يجوز العدول عن ما صح من سنة النبي مخالفة للرافضة أو غيرهم؟ وشكراً جزيلاً لكم، وجزاكم الله كل خير على هذا الجهد المضني والعاقبة للمتقين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا ينبغي التحامل على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بسبب ذكره خلاف أهل العلم هل حفظ علي رضي الله عنه القرآن جميعه أم لا، فإنه لم يُرِد بذلك الغض من علي رضي الله عنه، وإنما ذكره في باب مناقشة تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما، حيث ذكر رحمه الله تعالى ما خص الله به كل واحد من هذين الخليفتين واعتماده في ذلك على الأدلة من السنة مع أنه رحمه الله تعالى لم يكن أول من ذكر الخلاف في هذا الأمر، فقد ذكر الشعبي وغيره من علماء التابعين أنه لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان، كما في كتاب البرهان للزركشي، ومن ظن أن شيخ الإسلام رحمه الله يريد بهذا الغض من علي رضي الله عنه فقد أساء الظن وارتكب الإثم، ولينظر كلامه في الكتاب المذكور منهاج السنة النبوية، حيث يقول: فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه. انتهى.
وقال فيه أيضاً: وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متوليا على الناس، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتا. انتهى.
وقال في مجموع فتاويه: أما كون علي رضي الله عنه من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل؛ بل هو أفضل أهل البيت وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ثم إن وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته كما في الحديث لا يلزم منها ولا تقتضي جمع الواحد منهم لجميع القرآن؛ بل هي وصية بمحبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم، زاد بعض العلماء: إذا لم يكن مخالفاً للدين. ولهذا فإن مذهب أهل السنة هو محبة أهل البيت والتمسك بهدي الصحابة والعلماء والصلحاء منهم مع محبة سائرهم ولو كانوا غير علماء، وهم عند أهل السنة مثل غيرهم من الصحابة والتابعين منهم العلماء الكبار ومنهم من لم يكن من أهل العلم ولا ينافي ذلك محبته.
أما الاستفسار الثاني هو تضعيف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لحديث: وأقضاهم علي. فإنه لا يريد بذلك نفي مناقب علي رضي الله عنه ولا نفي العلم والدين عنه فحاشاه من ذلك، وإنما هو من باب بيان ما ثبت وما لم يثبت من جهة الإسناد والمتن، فالحديث لم يصح عنده رحمه الله تعالى من وجه تقوم به الحجة، وقال: إنه لم يروه أحد من أهل السنن الذين تعتبر روايتهم. والحديث ليس في البخاري -كما ذكر السائل- وحتى لو صح هذا الحديث فليس فيه دليل على أن عليا رضي الله عنه أفضل من غيره من الخلفاء قبله، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى بعد أن ذكر عدم صحة هذا الحديث: والحديث الذي فيه ذكر علي مع ضعفه، فيه أن معاذ بن جبل أعلم بالحلال والحرام، وزيد بن ثابت أعلم بالفرائض، فلو قدر صحة هذا الحديث لكان الأعلم بالحلال والحرام أوسع علما من الأعلم بالقضاء، لأن الذي يختص بالقضاء إنما هو فصل الخصومات في الظاهر. انتهى.
فإذا يرى شيخ الإسلام أن هذا لا يصح إذ إنه يقتضي تفضيل معاذ على علي رضي الله عنهما، هذا ولا يلزم من نفي صحة هذا الحديث الإلزام الذي ذكره السائل، فهذا غير مراد عند شيخ الإسلام ولا عند غيره من عامة أهل السنة، وشيخ الإسلام لا ينازع في إثبات فضل علي رضي الله عنه ولا علمه ولا سابقته، ولكن يرد على من استدل بهذا الحديث على أن عليا أفضل من الخلفاء قبله، فبين أن الحديث غير صحيح وإن صح فإنه لا يدل على ما يقصده الطرف الآخر بدليل اختصاص معاذ بأنه أعلمهم بالحلال والحرام، وبدليل اختصاص زيد بن ثابت بأنه أعلمهم بالفرائض، ولم يقل أحد بتفضيل معاذ أو زيد رضي الله عنهما على الخلفاء.
وأما حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها. فهو ضعيف، كما ذكر الألباني أيضاً، وقد رواه الترمذي بلفظ: أنا دار الحكمة وعلي بابها. وقال: هذا الحديث غريب، قال في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: اختلف أهل العلم في هذا الحديث، فقال ابن الجوزي وغيره: إنه موضوع، وقال الحاكم وغيره: إنه صحيح، قال الحافظ ابن حجر: والصواب خلاف قولهما معا وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، كذا في الفوائد المجموعة للشوكاني. انتهى.
وقال في تحفة الأحوذي أيضاً نقلا ً عن الطيبي في الرد على من تمسك بهذا التمثيل للقول بأن أخذ العلم والحكمة مختص به لا يتجاوز إلى غيره إلا بواسطته رضي الله عنه لأن الدار إنما يدخل من بابها، وقد قال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) قال: ولا حجة لهم فيه إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ولها ثمانية أبواب، قال القاري: معنى الحديث علي (باب) من أبوابها ولكن التخصيص يفيد نوعا من التعظيم وهو كذلك لأنه بالنسبة إلى بعض الصحابة أعظمهم وأعلمهم.. إلى أن قال: ومما يحقق ذلك أن التابعين أخذوا أنواع العلوم الشرعية من القراءة والتفسير والحديث والفقه من سائر الصحابة غير علي رضي الله عنه فَعُلِم عدم انحصار البابية في حقه اللهم إلا أن يختص بباب القضاء، فإنه ورد في شأنه أنه أقضاكم علي. انتهى بتصرف قليل.
أما ما ذكر من مسألة تسطيح القبر والتختم باليمنى وإفراد آحاد المسلمين بالصلاة.. فإن شيخ الإسلام أورده من كلام الشخص الذي يرد عليه في كتابه منهاج السنة، حيث إن ذلك الشخص ذكر هذه المسائل منتقدا من يقول بها من أهل السنة، فأجاب شيخ الإسلام عن هذه المسائل بقوله: فنقول: الذي عليه أئمة الإسلام أن ما كان مشروعاً لم يترك لمجرد فعل أهل البدع.. وأصول الأئمة كلهم توافق هذا. انتهى بحذف قليل، ثم ذكر مسائل استثناها بعض أهل العلم، وهي مبينة في كتاب منهاج السنة النبوية بعد هذا الكلام. فالرجاء مراجعته للمزيد من الفائدة.
والله أعلم.