عنوان الفتوى : مسألة في الطلاق
مسلم يعيش في بلاد فرنسا تزوج من مسلمة، له منها بنتان وابن. ثم ساءت الأحوال بينهما طويلا لأسباب تعاملية كما يحدث في كل الأسر و أيضا لأسباب دينية إذ لم تكن الزوجة حينها تؤدي الصلاة، و قد هداها الله تعالى إلى أداء الصلاة. يقول وغضبت منها يوما غضبا شديدا فلم أدر إلا و أنا أنطق بالطلاق ثلاثا: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بهذه الصيغة و باللغة العربية. و لم يكن يدري حينها حرمة هذا الفعل و خطورة ما يترتب عليه. و شرعوا في إجراءات التطليق أمام المحاكم الفرنسية. ثم استفتى أهل العلم فأفتوه بالبينونة الصغرى. و يبدو أن من أفتاه اعتبر الغضب شديدا كما أخذ بعين الاعتبار جهل الرجل بالطلاق البدعي، فعد التطليقة واحدة فقط. فأوقف الرجل إجراءات الطلاق أمام المحكمة و أعاد المرأة إلى عصمته بعقد و مهر جديدين. ثم بعد مدة احتدم الخلاف بينهما من جديد. و في هذه الحال، كانت المرأة هي التي طلبت الطلاق من المحكمة. و بعد مدة من الإجراءات، حكمت المحكمة بطلاقهما. مع العلم أن الرجل كان رافضا للطلاق و لكنه قبل بحكم المحكمة من باب المروءة. و نظرا لوجود الأطفال في حضانة الأم كما تفرضه قوانين البلاد، و خطورة تربيتهم في هذه الحال، و نظرا لطول العشرة التي زادت عن 20 سنة، و مراجعة الرجل لنفسه، يريد هذا الأخير لم شمل أسرته، فهو يسأل الآن هل يعتبر طلب المرأة للطلاق من محاكم فرنسا خلعا؟ و إذا كان الأمر كذلك، فهل هو في حكم الطلاق البائن بينونة صغرى أم كبرى؟ و إذا كان بائنا بينونة صغرى، فهل يمكنه أن يتزوج من هذه المرأة من جديد؟ أفتونا مشكورين جزاكم الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فروى الإمام أبو داود في سننه بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثاً، قال: فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس.. وإن الله قال: ومن يتق الله يجعل له مخرجا، وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك وبانت منك امرأتك . أ هــ
فعلم من هذا أن قول الرجل لزوجته: أنت طالق أنت طالق أنت طالق تعتبر ثلاث طلقات وتبين منه زوجته فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم ، إلا أن ينوي بالثانية والثالثة تأكيد الطلقة الأولى لا فعل وإنشاء طلاق جديد ، فإن نوى التأكيد كانت الثلات واحدة ، وأكثر الناس في الحقيقة لا ينوون التأكيد بل ينوون ويقصدون الطلاق الثلاث ، وأما كون الطلاق وقع في حال غضب فهذا لا يلغي الطلاق، وانظر حكم طلاق الغضبان في الفتوى رقم : 39182 .
وخلاصة القول هو أنه إن كان هذا الرجل لم يقصد التأكيد فقد بانت منه زوجته ، وما حصل له من أولاد بعد ذلك الطلاق فإنهم ينسبون إليه لأنه وطء بشبهة ، ويجب عليه فراقها ، وما حدث بعد ذلك من طلاق فهو غير محسوب لأنه وقع على المرأة بعد الخروج من الزوجية، ويعبر عن ذلك الفقهاء بقولهم " لم يصادف محلاً " وفي حال أن هذا الرجل نوى التأكيد فتكون طلقة واحدة.
وعليه؛ فما وقع من الطلاق في المحكمة فيه التفصيل التالي: إن كان قد تلفظ الطلاق تحت الإكراه- ولمعرفة الإكراه تنظر الفتوى رقم : 6106 . - فهذا الطلاق غير واقع ، وإن كان بغير إكراه فهو واقع بالقدر الذي تلفظ به . وإن كان لم يتلفظ بل كتب أو وقع فلا يقع الطلاق إلا مع نية الطلاق كما سبق في الفتوى رقم : 52839 . علماً بأن من أهل العلم من يرى أن طلاق الثلاث بلفظ واحد أو في مجلس واحد يعتبر طلقة واحدة، ولمزيد من الفائدة في هذا الموضوع تراجع الفتوى رقم : 24444 .
أما من أفتاك به من استفتيته من كون الطلاق الثلاث الذي صدر منك يعتبر بينونة صغرى وتحتاج بعده إلى تجديد عقد فلا نعلم له أصلاً . إلا أن يكون نقل الفتوى غير صحيح بل حصل فيه تصرف بأن يكونوا قد أفتوه بأن طلاق الثلاث يقع واحدة وله مراجعتها خلال العدة فإن انتهت العدة قبل مراجعتها فقد بانت بينونة صغرى ويعيدها بعقد جديد . فهذا قول لبعض أهل العلم كما أسلفنا .
والله أعلم .