عنوان الفتوى : المشقة المحتملة في استئجار بيت خير من تملكه بالربا

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

أضع مسألتي بين أيديكم الكريمة آملا من الله عز وجل أن أجد عندكم الجواب الشافي و الكافي. القضية تتعلق بموضوع القروض الربوية من أجل اقتناء السكن. أعلم أن القروض الربوية حرام وأنها لا تجوز إلا في الحالات القصوى، لكن ألا يعتبر شرعا امتلاك مسكن يحمي المسلم وأسرته من تقلبات الزمن من الضروريات القصوى. لقد قرأت عددا من الفتاوى على بعض المواقع لكنها لم تشف غليلي لأنها تطرقت لموضوع القروض الربوية بشكل عام ولم تتحدث عن مسألتي بشكل محدد، كما قرأت بعض الكتابات التي تعرضت لموضوعي واعتبرت أن القروض الربوية من أجل امتلاك السكن لا تجوز، وطرحت بدائل شرعية مقابل ذلك، حصرتها في ثلاث نقط وهي: اللجوء إلى التمويلات التي تقدمها المصارف الإسلامية أو إمكانية وجود شخص أو جهة تقرضك بدون فوائد أو كراء مسكن كحل أخير. وأنا هنا أطرح مسألة الكراء للنقاش (و سأتغاضى عن طرح مسألة التمويلات التي تقدمها الأبناك الإسلامية لأنها و بكل بساطة غير موجودة ببلدي المغرب أو بالأحرى ممنوعة من طرف المعنيين بالأمر فلا توجد لدينا مصارف إسلامية هنا بالمغرب، كما أن مسألة وجود شخص أو جهة تقرضك بدون فوائد أمر منعدم في زماننا هذا و لا أظن أنه يمكن أن يعتد شرعا باحتمال كهذا). المهم، أطرح مسألة الكراء التي يدفع بها البعض كحجة على عدم جواز أخذ قرض ربوي بما أن الكراء يوفر للشخص مسكنا، و أسرد هنا عددا من سلبيات هذا الأمر التي تجعل منه حلا به مشقة و حرج بالغ للمسلم و ليس بالضرورة حلا ورديا كما قد يخيل للوهلة الأولى: 1- إن ثمن الكراء الذي يدفع شهريا يعادل في الأغلبية الساحقة الأقساط التي تدفع لسداد القرض الربوي، بل في بعض الأحيان قد يكون أعلى من هذه الأقساط. و لا أنكر أنه في حالات أخرى يكون أقل. 2- أن الإنسان يقضي عمره كله و هو يدفع جزءا من راتبه للكراء و في نهاية المطاف فإنه لا يتمكن من تملك مسكنه الخاص، و يبقى هذا الجزء من راتبه يستنزف دخله الشهري، بينما في حالة قروض السكن الربوية فإن السداد يتوقف في يوم من الأيام و بالتالي يرجع هذا القدر من الراتب الذي يذهب للسداد لتعزيز الراتب الشهري. و كما لا يخفى عليكم فإن الراتب الشهري يقل عندما يحال الشخص على التقاعد بينما تكاليف الحياة هي في ارتفاع مستمر، مما يزيد الضغط على الأجرة الشهرية.3- لدينا هنا في المغرب قانون يلزم المكتري بالزيادة في ثمن الكراء المدفوع على رأس كل ثلاث سنوات، مما يعني ارتفاعا مستمرا لمبلغ الكراء(نسبة الزيادة تحوم حول 10℅ من مبلغ الكراء الأصلي بمعنى أنه خلال ثلاثين سنة سيتضاعف مبلغ الكراء المدفوع ).4- هناك الاحتمال الدائم لمطالبة صاحب المنزل بمنزله مما يطرح مشكلة التنقل و الرحيل إلى محل آخر، وهنا مشكلة كبرى حيث نقل الأثاث قد يعرضه أو على الأقل جزءا منه للتلف أو الكسر أو الخدش...إضافة إلى أن المقاسات في الغالب لا تكون هي نفسها مقاسات غرف أو نوافذ المنزل الجديد فيضطر الشخص إلى الزيادة أو النقصان في أثاث و ستائر المنزل مما يعرضها للضياع خصوصا إذا و ضعنا في اعتبارنا أن الواحد منا قد يضطر للرحيل كل سنة أو سنتين بل أعرف أشخاصا اضطروا للتنقل أكثر من مرة في السنة الواحدة، إضافة إلى أن الواحد منا قد يكون مضطرا أيضا إلى نقل أبنائه إلى المدارس الأقرب إلى المسكن الجديد خصوصا إذا كانوا ما يزالون صغارا، مما يخلق لهم مشاكل في متابعة دراستهم خاصة إذا تم ذلك وسط السنة الدراسية.5- إن الشخص الذي يعيش في منازل الكراء لا يحس في يوم من الأيام بالراحة و الاستقرار النفسي لأنه دائم الإحساس بأن هذا المسكن ليس ملكا له و بالتالي ليست له الحرية المطلقة بالتصرف فيه، كتغيير ديكوراته الداخلية أو القيام ببعض الإصلاحات...6- إن إمكانية توفير أو ادخار جزء من الراتب الشهري بهدف تكوين رأس مال يمكن في المستقبل من شراء مسكن احتمال منعدم لأن الأجر بالكاد يكفي لتلبية متطلبات الحياة اليومية. ختاما، أشكركم سادتي العلماء على سعة صدركم، و أؤكد لكم أنني طرحت هذه المسألة بهذا التفصيل لأنني أريد فتوى دقيقة و محددة بدل الفتاوى المعممة التي نجدها على كثير من مواقع الإنترنت أو نسمعها من السادة العلماء الأفاضل.أريد معرفة رأي الشرع في مسألة تقض مضاجع الكثيرين من أبناء هذا البلد المسلم. و جازاكم الله عنا كل خير.

مدة قراءة الإجابة : دقيقتان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد مضى بيان الحلات التي يجوز فيها الاقتراض من البنوك الربوية لبناء مسكن، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 43263 ،6689 ، 61214 . وبا لنسبة للقدرة على استئجار مسكن كمانع من موانع الاقتراض بالربا فلا شك أنه قيد معتبر ما لم يكن في الاستئجار ذاته مشقة بحيث يستهلك الاستئجار غالب الراتب الذي يحصله المرء وليس له دخل غيره يسد به حاجاته الضرورية، ففي هذه الحالة يجوز له الاقتراض بالربا لبناء مسكن ليوفر لنفسه النفقات الضرورية من راتبه، أما حيث يمكن الجمع بين الاستئجار وتوفير النفقات الضرورية فلا يجوز الاقتراض بالربا بحال. أما عن المشقة الحاصلة بسبب الاستئجار كالانتقال من مسكن لآخر فإنها مشقة يسع المرء تحملها لعدم خروجها عن المعتاد، وحصول كثرة الانتقال من مسكن إلى مسكن أمر نادر والنادر لا حكم له، إذ الأعم الأغلب كما هو معلوم البقاء في المسكن المستأجر مدة طويلة.

والله أعلم.