عنوان الفتوى : منع الإعانة على الربا بوجه من الوجوه
اعذروني على تضييع وقتكم ولكني في حاجة إلى رأي سديد مثل رأيكم, فأنا خريج من جامعة الملك فيصل في الإحساء في السعودية ومقيم مع عائلتي والحمد لله بتوفيق من الله قد حصلت على عمل في بنك الرياض في منطقة الرياض ولأن هذه الوظيفة أفضل وظيفة قد أحصل عليها بشهادتي وبتخصصي فأنا لن أتقدم إلى وظائف أخرى سواء للشركات أو الدوائر الحكومية ولكن هنا تأتي المشكلة فوالدتي حلفت وأقسمت يمينا أن لاتأكل ولا تلبس ولا تقبل من مدخولي أي شيء والسبب أنها سمعت من عدة أشخاص أن العمل في المجال البنكي حرام فحاولت إقناعها بالرجوع عن حلفها, وأنا لا أريد أن أصرف على نفسي ريالا واحدا طالما أمي لم تأخذ مني أضعافه ففي النهاية هذه أمي التي تعبت في تربيتي فكيف لي أن لا أرد لها جميلها، والدي وإخواني لا يعارضون عملي في المجال البنكي ولأن عائلتنا ديمقراطية فالقرار النهائي بالعمل في البنك عائد لي دون تدخلهم ولكني تعودت على الأخذ برأيهم لأنهم أكبر مني سنا وأعرف مني في الحياة لا أريد أن أطيل عليكم في النهاية استطعت أن أقنع والدتي بأني سوف أسأل ذوي الأختصاص والفتوى وأشرح لكم مكاني الوظيفي وموقعي فإذا أنتم أفتيتم بجواز العمل في البنك فإنها سوف ترضى علي وترضى مني إن الوظيفة التي سأعمل فيها في قسم تسويق منتجات وخدمات البنك للشركات ولكن عملي ليس تسويقي فأنا تخصصي هو تقنية المعلومات لذلك سوف يكون عملي هو دعم فني للمنتجات والخدمات التي تستخدمها الشركات حيث إن البنك يقوم بإنتاج برامج وخدمات تقدم للشركات وهذه البرامج تحتاج إلى فني يشرف على عملها ويقوم على تصحيح الأخطاء ويقوم كذلك بتطويرها وهنا يأتي يا شيخ دوري من الواضح يا شيخ أن وظيفتي أبعد ما يمكن عن الربا وتداوله وشاهديه وكاتبه فأنا لست واحدا منهم والدين الإسلامي أحكامه بالمنطق والمنطق يقول إني لا أتداول بالربا وأكسب دخلي الشهري بعرق جبيني فأين الحرام من ذلك؟ أرجو منكم أن تفتوني في هذا لأني لن أجد أفضل من رأيكم . وشكراً لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله للأخ السائل ثقته فينا، ونسأل الله أن نكون أهلاً لهذه الثقة، ونشكر للأخ الكريم كذلك بره بوالدته وحرصه على رضاها والإحسان إليها.
وأما عن جواب سؤاله فنقول: إنه لا يخفى أن الوسائل لها أحكام المقاصد، ولا ريب أن عملك في نهاية الأمر يصب في مصلحة البنك وترويج خدماته الربوية، فالمعروف أن أعمال البنك وخدماته لا يستقل بها فرد، بل يقوم بها فريق كل بحسبه حتى حارس البنك وموظف الاستقبال له في ذلك نصيب.
وكل من أعان على منكر أو إثم فهو مشارك لصاحب المنكر، وقد نهى الله تعالى عن الإعانة على الإثم بقوله: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
وورد أنه لعن في الخمر عشرة.. فلم يلعن الشارب فقط، بل لعن العاصر والحامل وغيرهما ، كل ذلك لأنهم أعانوا شاربها على شربها.
فهل عملك فيه إعانة للبنك على معاملاته الربوية؟ الجواب: نعم.
والحديث الذي أشرت إليه فيه تنصيص على الكاتب والشاهد، وغيرهما ممن يعين على الربا يقاس عليهما، ولهذا قال العلماء كالإمام النووي: في الحديث دليل على منع الإعانة على الباطل بوجه من الوجوه.
فالمقصود أنه يجب عليك ترك هذه الوظيفة، والعمل في وظيفة أخرى لا حرج فيها شرعاً، ولو كانت أقل أجراً، فإن الله تعالى يبارك في القليل الحلال ويمحق الكثير الحرام.
وثمة فائدة نلفت انتباه السائل إليها وهي: يحمد في الأسرة أن تكون قائمة على الشورى والمشاورة، ولكن ذلك لا يمنع أن ينكر بعضهم على بعض ما وقع فيه من منكر، ويأمر بعضهم بعضاً بالمعروف. قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ {طه: 132}. وقال تعالى: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ {لقمان: 17}.
فالواجب على والدك وإخوانك إذا رأوك ترتكب منكراً أن ينكروا عليك حسب استطاعتهم، لا أن يتركوك وشأنك بحجة ديمقراطية الأسرة، إذ واجب الشرع والرحم يقضيان إعانتك على الخير وحجزك عن ظلم نفسك أو غيرك.
والله أعلم.