عنوان الفتوى : مسائل في الإضراب والحداد والتأبين ويوم الشهيد
العلماء الأفاضل: ما الحكم الشرعي في قيام أفراد المقاومة في الانتفاضة بإغلاق المحلات التجارية والمرافق العلمية والعملية أو التعبير بالإضراب حدادا على الشهداء وعمليات الاغتيال ؟ وما حكم الحداد العام على أرواح الشهداء؟ وما حكم تحديد أيام في الانتفاضة مثل يوم الأسير ويوم الشهيد ويوم الأرض والوطن ونحو ذلك ؟ وما حكم تأبين الشهداء واتخاذ الراية السوداء حدادا عليهم؟ وما حكم إبراز قبور الشهداء والكتابة عليها ؟ وما حكم كتابة الشعر فيهم والإنشاد لهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسيكون جواب ما سألت عنه عاما، إذ لا خصوصية للانتفاضة فيه.
فإغلاق المحلات والمرافق العلمية والعملية والمحلات التجارية والإضراب ونحو ذلك، إن كان فيه من المصلحة ما يترجح على ما فيه من المفسدة فلا بأس به. وإن رجحت المفسدة فيه أو تساوت مع المصلحة لم يجز. وذلك لأن القاعدة أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، كما هو معلوم، ولكن هذا الغلق والنظر في المصلحة أو المفسدة يرجع فيه إلى ولي الأمر أومن يقوم مقامه وليس إلى آحاد الناس.
وأما الحداد بالمعنى الشرعي فقد خصه الشرع بما يلي:
- المرأة التي توفي عنها زوجها فتحد مدة العدة أربعة أشهر وعشرا وجوبا.
- المرأة التي توفي أحد أقاربها تحد ثلاثة أيام جوازا، بدليل ما ثبت في الصحيحين عن زينب بنت أبي سلمة قالت: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها وقالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا.
ولا خصوصية للشهداء في الحداد، فيحد عليهم أزواجهم وأقاربهم المدد المذكورة.
ولا يجوز تحديد أيام لم يأذن بها الشارع، سواء كانت مثل يوم الأسير ويوم الشهيد ويوم الأرض والوطن أو كانت غير ذلك. لأن كل إحداث من هذا القبيل يعتبر بدعة، ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة رواه أحمد.
وقد ذكر أهل العلم بأنه لا يجوز إحداث يوم يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67 ].
ولا بأس بتأبين الشهداء إذا لم يكن فيه كذب أو شيء من الأمور المنهي عنها.
ولا بأس أيضا باتخاذ الراية السوداء، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد الألوية والرايات السود, فمن ذلك ما رواه أحمد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن العاص وعنده راية سوداء. وفي مسند الشاميين: كان لرسول صلى الله عليه وسلم لواء أسود... وأما فعل ذلك حدادا فلم يرد في الشرع.
وليس من الهدي الشريف إبراز القبور والكتابة عليها للشعر أو غيره، ولا الإنشاد لها. قال الإمام ابن القيم: ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، ألا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سوا. رواه مسلم.
فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية القبور المشرفة كلها، " ونهى أن أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه " وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه، فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء لا مبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه، وكان يعلم قبر من يريد تعريف قبره بصخرة. ولا فرق في ذلك بين قبر شهيد وغيره.
والله أعلم.