عنوان الفتوى : هل يضمن الصبي المال الذي أخذه بغير حق
بسم الله الرحمن الرحيمأنا شاب عندي 24 عاما منذ عشر سنوات كان عندنا في البيت شنطة على سبيل الأمانة من خالي وفي يوم كنت ألعب فيها علي سبيل التسلية انفتحت مني ولقيت داخلها نقودا ونظرا لصغر سني وأني كنت مغضبا من خالي لأنه لا يسأل عنا خصوصا أن والدي متوفى، وطبعا ضعف النفس ابتدأت آخذ من الفلوس ثم بعد فترة هداني ربي وتبت وانقطعت عن ذلك، وابتدأت أقترب من الله قدر المستطاع وعزمت على أن أرد الفلوس، لكن المشكلة أن خالي أخذ الشنطة من عندنا وطبعا عرف لكنه لم يتكلم خصوصا أن أمي لا تعرف ما بداخل الشنطة المهم أني أود أن أقول لوالدتي عن هذا الموضوع ولكني خائف من شيئين الأول: أن تعتبره خيانة لها وهو كذلك ولكني أريد أن أرجع النقود بنفسي دون أن تعرف هي خصوصاً أن الله قد ستر علي وهي في وقت من الأوقات لاحظت وجود نقود معي فلما سألت قلت لها أني وجدتها في الشارع وأنني ندمت وسوف أردها بطريقة ما وكذبت لأني لا أريد أن أكبر الموضوع معها وأني كما قلت سوف أتصرف لوحدي.أما السبب الثاني: أني أخاف أن تكون نقود خالي حراما خصوصا أن خالي أحضر هذه الفلوس بعد وفاة جدي مباشرة وإذا كان كذلك فلا أريد أن أفضحه لعل أن يكون قد رد النقود مثلي ولا أريد فرقة ومشاكل بين الأخوات. فماذ أفعل؟ أنا قررت أن أذهب لخالي وأحكي له ما حدث مني وأستسمحه فإن كانت فلوسه حلالا فإن شاء الله يسامحني، ولكن هل في هذه الحالة أقول لوالدتي الحقيقة حتي لو كان أحد الأصدقاء يحاول أن يقول لها هذا الموضوع ولكني أنكره فلو رددت المبلغ أعتقد لا فائدة أن تعرف لكن المشكلة لو كان المبلغ حراما أو من إخوته فماذا أفعل اعترافي له لا يكفي لأنه توجد حقوق لأناس آخرين فماذا أفعل لو قال إنه سيردهم هل أسكت وأدافع عنه وأقول إن لم يكن في الشنطة فلوس على أساس أنه تم رد الفلوس بطريقة غير مباشرة. وإذا قال إنه لا يريد رد النقود فماذا أفعل؟ أنا أحب خالي هذا حبا شديدا بالرغم من ضيقي منه لإهماله لنا ولكني أحبه، ولكن أنا أحب الله أكثر وأريد إرجاع الحق لأصحابه بطريقة تعطيهم حقوقهم ولا تقطع صلة الأرحام على قدر المستطاع. ياليت ترد ون علي سريعا فالعمر قصير أرجوك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلاشك أن أخذ مال المسلم أمر محرم إلا إذا كان عن طيب نفس منه، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء: 29}.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. متفق عليه.
ويجب على من أخذ مال غيره بغير حق أن يرده له، سواء أخذه قبل البلوغ أو بعده، لأن ضمان أموال الغير لا يشترط فيه التكليف.
قال ابن قدامة في المغني: لا حد على الصبي والمجنون وإن باشرا القتل وأخذا المال، لأنهما ليسا من أهل الحدود، وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما، ودية قتيلهما على عاقلتهما.
فيجب عليك إذا أن ترد المال الذي أخذته إلى خالك، وإن كان أخذك لهذا المال بعد البلوغ، فيجب عليك إضافة إلى رد المال التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب.
واعلم أن عزمك على تكليم خالك واستسماحه أمر طيب، ونحن نشجعك عليه، وأما كونك لا تعرف من أين أتى خالك بهذا المال، وأنك تشك أنه مال حرام، فإن ذلك لا تأثير له على الحكم السابق، وهو وجوب رد المال إلى خالك لأن المال ماله ما لم تقم بينة بخلاف ذلك، أما الشك ومجرد الدعوى بدون بينة، فإن ذلك لا يكفي للتشكيك فيما يحوزه الناس من أموال.
قال ابن عابدين في (حاشيته): إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه. فما دام خالك هو صاحب التصرف في هذا المال، فإن المال ماله ما لم تقم بينة على خلافه، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعين واليمين على من أنكر. رواه البيهقي، وحسنه ابن رجب في جامع العلوم وابن حجر في الفتح وصححه الألباني.
وعليه، فإذا كان لديك بينة أن هذا المال من تركة جدك قبل قسمتها فلك أن تتقدم إلى المحكمة الشرعية بهذه البينة لتعود الحقوق إلى أصحابها، وأما مجرد الشك، فإنه غير كافٍ كما أسلفنا.
وأما بخصوص إخبار أمك بالموضوع، فإننا ننصحك بعدم فعل ذلك، لأنها كما ذكرت أنت في سؤالك قد تعتبرك خائناً للأمانة، وقد تشك هي أيضاً في خالك دون بينة، فعليك أن تستر على نفسك وترد المال إلى خالك وتستسمحه، فإن أقر هو أن المال مال ورثة جدك، فإنه يطالب حينئذ برد الحقوق إلى أصحابها.
والله أعلم.