عنوان الفتوى : المكر والكيد من صفات الفعل الاختيارية
شبهة حول صفة مكر الله سبحانه وتعالىيثير البعض هذه الشبهة حول صفة المكر لله سبحانه وتعالى ويقولون كيف يمكن أن تكون هذه الصفة المذمومة لله سبحانه وتعالى ؟ وللرد عليهم وتبيان جهلهم ننقل لكم ما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان : مكر محمود ، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال سبحانه وتعالى:{ والله خير الماكرين } فلا يكون مكره إلا خيرا ومكر مذموم ، وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43 ، فالمكر يكون في موضع مدحاً ويكون في موضع ذماً : فإن كان في مقابلة من يمكر ، فهو مدح ، لأنه يقتضي أنك أنت أقوى منه . وإن كان في غير ذلك ، فهو ذم ويسمى خيانة . ولهذا لم يصف الله نفسه بصفة المكر على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها أي على سبيل المقابلة والتقييد فيقال : يمكر بأعدائه، أو يمكر بمن يمكر برسله والمؤمنين ، وما أشبه هذا كما قال الله تعالى :{ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون } وقال تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } آل عمران : 45 وقوله تعالى :{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} الأنفال : 30 ، وقوله تعالى :{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} النمل : 51 وكذلك قوله سبحانه وتعالى : (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ )) وقوله : (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )) أي برسلهم ، وبالحق الذي جاءت به الرسل ، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئاً ، وقوله (( فلله المكر جميعاً )) أي : لا يقدر أحد أن يمكر مكراً إلا بإذنه ، وتحت قضائه وقدره ومشيئته سبحانه وتعالى . فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له ولا يلتفت إليه ، فَلِلَّهِ أَسْبَاب الْمَكْر جَمِيعًا , وَبِيَدِهِ وَإِلَيْهِ , لا يَضُرّ مَكْر مَنْ مَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدًا إلا مَنْ أَرَادَ ضُرّه بِهِ , فلا يَضُرّ الْمَاكِرُونَ بِمَكْرِهِمْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه أَنْ يَضُرّهُ ذَلِكَ . ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان في شر فهو مذموم ، وإن كان في خير فهو محمود . ________________-__________________ قرأتها في أحد المنتديات فما رأيكم حفظكم الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مكر الله على من يمكر به من صفاته الفعليه الخبرية التي لا يوصف بها وصفا مطلقا، والدليل على هذه الصفة الآيات المذكورة في السؤال. قال الطيبي: المكر الخداع، وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون. وقال ابن الملك: المكر الحيلة والفكر في دفع عدوه بحيث لا يشعر به العدو. قال ابن تيمية: كذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والخديعة والسخرية المضاف إلى الله تعالى، وزعموا أنه سمي باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا، كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ {يوسف: 76}. فكاد له كما كادت إخوته. اهـ. الفتاوى
قال الشيخ محمد خليل هراس في شرح الواسطية عند قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ {آل عمران 54}. تضمنت هذه الآيات إثبات صفة المكر والكيد وهما من صفات الفعل الاختيارية، لكن ينبغي أن لا يشتق له من هاتين الصفتين اسم فيقال له: ماكر وكائد، بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين. اهـ.
وقال العلامة العثيمين في المجموع الثمين: لا يوصف الله تعالى بالمكر إلا مقيدا، فلا يوصف الله تعالى به وصفا مطلقا، والمكر التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، فإن قيل: كيف يوصف الله تعالى بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله تعالى به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر. اهـ.
ومما سبق يتبين أن ما نقل في السؤال عن الراغب الأصفهاني في مفرداته صحيح لا غبار عليه، وهو كلام أهل السنة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 43955.
والله أعلم.