عنوان الفتوى : لماذا لم تر قريش جبريل لما ظهر لنبينا صلى الله عليه وسلم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لماذا لم يرَ أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم هيئة جبريل في الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء، مع إنه عظيم في خلقه، وله ست مائة جناح، والجناح الواحد يسد الأفق، فكيف لم يره أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

روى البخاري (6214)، ومسلم (161): عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ ‌عَلَى ‌كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ).

وجبريل من عالم الغيب، فلا يبصره إلا من أذن الله له بذلك، فلذا قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس ومعه غيره، فيأتيه جبريل فيراه صلى الله عليه وسلم ولا يراه غيره.

روى البخاري (3217)، ومسلم (2447) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: ( يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ. فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ ‌تَرَى مَا لَا أَرَى!! ) تُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم".

فالصحابة لم يكونوا يرون جبريل إلا إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل من البشر، فأبصارهم في هذه الحال تطيق أن تراه.

كما في حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: (مَنْ هَذَا؟)

قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ، قال: فقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: ايْمُ اللَّهِ! مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ عن جِبْرِيلَ" رواه البخاري (3634) ومسلم (2451).

وروى الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (2/955)، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ - أي الشعبي -، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ رَأَيْتُ عِنْدَهُ [ أي النبي صلى الله عليه وسلم ] رَجُلًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَزْعُمُ ابْنُ عَمِّكَ أَنَّهُ رَأَى عِنْدَكَ رَجُلًا قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ( نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ ).

وصحح إسناده محقق الكتاب.

وهذا كله يدل عليه قول الله تعالى:

( وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ) الأنعام/8 - 9.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلِين بي = القائلين: لولا أنزل على محمّدٍ ملك بتصديقه = مَلَكًا ينزل عليهم من السماء، يشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم باتباعه: ( لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا )، يقول: لجعلناه في صورة رجل من البشر، لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته... " انتهى من "تفسير الطبري" (9 / 162).

وقال ابن عطية رحمه الله تعالى:

" فإن أهل التأويل مجمعون: أن ذلك لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته...

وقوله عز وجل: ( وَلَوْ جَعَلْناهُ ) الآية: المعنى أنّا لو جعلناه ملكا ، لجعلناه - ولا بد - في خَلْق رجل؛ لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته. وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد...

ولا يعارَض هذا برؤية النبي عليه السلام لجبريل وغيره في صورهم، لأن النبي عليه السلام أعطي قوة غير هذه كلها. صلى الله عليه وسلم " انتهى من "المحرر الوجيز" (2 / 270).

وقوله: "غير هذه كلها"؛ مراده: " قُوَى الْبَشَرِ ". كذا قاله أبو حيان في بيانه لكلام ابن عطية. انظر: "البحر المحيط" (4/443).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فإنهم لا يطيقون الأخذ عن الملك، كما قال تعالى: ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ).

وروى ابن أبي حاتم: عن أبي زرعة، عن منجاب بن الحارث، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ( وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ) لأهلكناهم، ( ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ): لا يؤخرون، ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ) يقول: " لو أتاهم ملك، ما أتاهم إلا في صورة رجل؛ لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة "، وكذلك قال غيره من المفسرين...

فبين سبحانه أنه لو أنزل ملكا لم يمكنهم أن يروه إلا في صورة بشر، كما كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه الناس في صورة دحية الكلبي، أو في صورة أعرابي لما أتاه وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، وكذلك لمّا أتوا إبراهيم ولوطا، ورأتهم سارة وقوم لوط؛ لم يأتوا إلا في صورة رجال، وكذلك لما أتى جبريل مريم عليها السلام لينفخ فيها، أتاها في صورة رجل، قال تعالى: ( فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً ، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً ) " انتهى. من "الرد على المنطقيين" (ص 539).

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...