عنوان الفتوى : مبنى اليمين على نية الحالف
كان هناك أحد عند الباب، فذهبت لأفتح، فقلت من؟ فلم يرد، فظننتها بنت خالتي تمزح، فحلفت، وقلت: والله لن أفتح إلا عندما تقول من أنت. ثم علمت أنها ليست هي من عند الباب، وإنما هو شخص آخر، ففتحت الباب، فهل عليَّ كفارة يمين؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دمت نيتكِ، تقتضي تخصيص اليمين بابنة خالتكِ، فإنكِ لا تحنثين بفتح الباب لغيرها، وليس عليكِ كفارة يمين، لأن مبنى الأيمان على نية الحالف، ثم على سبب اليمين، وباعثها.
جاء في الكافي لابن قدامة: ومبنى الأيمان على النية، فمتى نوى بيمينه ما يحتمله، تعلقت يمينه بما نواه، دون ما لفظ به، سواء نوى ظاهر اللفظ، أو مجازه، مثل أن ينوي موضوع اللفظ، أو الخاص بالعام، أو العام بالخاص، أو غير ذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وإنما لكل امرئ ما نوى ـ فتدخل فيه الأيمان، ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على أنه أراده دون ظاهر اللفظ، فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى، فلو حلف ليأكلن لحماً، أو فاكهة، أو ليشربن ماء، أو ليكلمن رجلاً، أو ليدخلن داراً، أو لا يفعل ذلك، وأراد بيمينه معيناً، تعلقت يمينه به دون غيره، وإن نوى الفعل، أو الترك في وقت بعينه، اختص بما نواه، وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش، يريد قطع منته، تناولت يمينه كل ما يمتن به؛ لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه... ومن لم تكن له نية، وكان ليمينه سبب هيجها، يقتضي معنى أعم من اللفظ، مثل من امتنت عليه زوجته، فحلف لا يشرب لها الماء من العطش، أو لا يلبس ثوبا من غزلها، أو حلف: لا يأوي معها في دار، لسبب يقتضي جفاءها، فحكمه حكم القاصد كذلك؛ لأن السبب دليل على النية والقصد، فقام مقامه. اهـ.
وفي الشرح الكبير للدردير: وخصصت نية الحالف لفظه العام، وقيدت لفظه المطلق... ثم إن عدمت النية، أو لم تضبط خصص، وقيد بساط يمينه، وهو السبب الحامل على اليمين، إذ هو مظنة النية... مثاله قول ابن القاسم فيمن وجد الزحام على المجزرة، فحلف لا يشتري الليلة لحما، فوجد لحما دون زحام، أو انفكت الزحمة فاشتراه، لا حنث عليه، وكذا لو سمع طبيبا يقول لحم البقر داء، فحلف لا آكل لحما، فلا يحنث بلحم ضأن؛ لأن السبب الحامل كونه داء، وليس الضأن كذلك، فيخصص لفظه العام بلحم البقر، كما يقيده شراؤه في الأول بوقت الزحمة. اهـ.
والله أعلم.