عنوان الفتوى : حكم الاختلاط العائلي مع المزاح واللعب والضحك، ومدى المؤاخذة عليه
الاختلاط العائلي: أنا وبنات عمي نجلس ونتكلم مع بعض، ونتبادل أطراف الحديث. ولكن بوجود محارم، ومن دون خلوة، مع لبس الحجاب الشرعي، ومن دون ملامسة. ولكن يمكن أن نمزح ونضحك، وأيضا نلعب ألعابا ورقية من دون ملامسة، ونجلس مثلا عندما نجتمع بالساعات، مرة كل شهر، أو كل أسبوعين.
فهل في ذلك شيء؟
هن أكبر مني سنا مثلا ب 4 سنوات، أجلس معهن منذ كنت أعتبر صغيرا، وعندما بلغت أصبحن يجلسن معي بالزي الشرعي، ومع عدم الملامسة.
فهل لو مت وأنا أتكلم هكذا من دون فعل، يحرم ذلك علي؟
وهل إن كنت أفعل كل الطاعات سأحاسب على ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان حكم الجلسات العائلية، وأنها جائزة، إذا روعيت فيها الضوابط الشرعية، فيمكنك مطالعة الفتوى: 98295.
وحَسَنٌ أن يكون ما ذكر في السؤال من وجود المحارم، وانتفاء الخلوة، والتزام الحجاب الشرعي، ولكن يبقى الإشكال فيما هو مذكور من المزاح والضحك واللعب، فإن هذه الأمور مدعاة للفتنة، ومفتاح لباب الشرور، وتتنافى مع ما يجب أن يكون عليه الرجل والمرأة الأجنبية في التعامل بينهما من الأدب والحشمة.
وإذا كان الله -تعالى- قد نهى النساء عن أن يضربن بأرجلهن فتعلم زينتهن الباطنة، فتفتن القلوب، فكيف يبيح لهن المزاح والضحك واللعب؟!
قال تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ {النور:31}.
قال السعدي في تفسيره: أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. انتهى.
والمسلم إذا مات على معصية لم يتب منها، فربما يحاسب بها ويعاقب عليها، فالواجب المبادرة إلى التوبة النصوح، وقد ختم الله الآية السابقة بقوله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.
فالتوبة هي سبيل الفوز والنجاة. وشروط التوبة بيناها في الفتوى: 5450.
وفعل الطاعات لا يمنع من المحاسبة على المعاصي والسيئات، قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ {آل عمران:30}.
هذا مع العلم بأن ما ذكرنا من المحاسبة على الذنوب إنما هو فيما إذا لم تغفر للمرء بحسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، ونحو ذلك، فقد قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}.
وثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة.
وعلى كل حال، فإن على المسلم أن لا يحتقر الذنب ولو كان صغيرا، فقد جاءت السنة بالنهي عن ذلك، كما في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه. رواه أحمد.
وراجع لمزيد الفائدة، الفتوى: 254278.
والله أعلم.