عنوان الفتوى : وصايا للزوجة التي يسيئ الزوج معاملتها

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

أنا متزوجة منذ ست سنوات برجل عن اقتناع بدينه وخلقه، كما ظهر لي في الخطبة التي دامت شهرين.
وبعد الزواج اكتشفت أنه مريض بالصرع، ولم يخبرني، وأن زوجي يدخن السجائر والحشيش. وعلمت أن أهله كانوا يعلمون ولم يخبروني. وأيضا أنه شخص شديد العصبية، وإذا غضب لم يعلم ما يقول.
كل هذه الأشياء أصابتني بالإحباط الشديد، وقللت احترامه في نفسي، فكنت كثيرا عندما أراه يشرب أسمعه كلاما شديدا. واستمر الحال هكذا مدة انفصلنا خلالها مرتين؛ لأنه كان دائما الشك بي، ويقول إني أفعل أشياء محرمة، ويسب أبي وأمي، ويضربني بشدة، وكنت أرد عليه بشدة.
ومنذ سنة تعاهدنا على تغيير أمورنا للأفضل، وزوجي عاهدني أنه سيترك الحشيش. وفعلا استمر الأمر ستة أشهر وتحسنت علاقتنا كثيرا. وكان زوجا رائعا، وأصبح لا يشك في. ثم عاد مرة أخرى للشرب وأصدقاء السوء، وعادت له الشكوك في مرة أخرى، مع العلم أني ملتزمة بالحجاب الشرعي، ولا أعمل، فلا اختلاط بالرجال، ولكن إذا خرجنا سويا يقول لي: أنت تنظرين إلى الرجال. أنت تحاولين إغواء إخوتي، مع أني لا أتعامل معهم.
يقول: تقفين في البلكونة من أجل أن ينظروا إليك، ويسبني ويسب أمي بكلام سيئ جدا، والله أصبحت لا أرد عليه في أغلب الأحيان، ولكن تضعف نفسي أحيانا خصوصا أنه يقول هذا الكلام علي أمام أمه وإخوته، فأرد عليه بكلام شديد.
هو الآن يقول إني أظلمه، وأن أفعالي معه من قهر الرجال، وأن الله أحل له أن يقومني بالضرب والسب والحبس في المنزل، يغلق علي من الخارج؛ لأني غير مؤتمنة.
كل هذه الأشياء تكسر قلبي.
ويقول أيضا إنه يكون يريد أن يجامعني فإذا لم أبادر أنا لم يطلب. وبعد هذا يقول إني ملعونة؛ لأني لم أحس به. أو إذا كنا متخاصمين فلم أعرض عليه نفسي أكون ملعونة. أنا لا أعرف كيف أتصرف معه، لا أريد أن أغضب الله فيه، أريد طريقه تلين قلبه في التعامل.
وكيف أتعامل مع الشكوك؛ لأن قلبي مكسور وبشدة والله، مع العلم أنني حاولت معه الذهاب للطبيب لأجل التعافي من شرب الحشيش وشخصه الطبيب بحالة ذهانية بسبب شرب الحشيش.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإننا نخشى أن تكوني قد خُدِعْتِ بهذا الرجل، وما قد ظهر لك من حاله، أو بثناء من أثنى عليه ممن لا يوثق به من الناس.

والذي ينبغي للمرأة إذا تقدم لها خاطب أن تسأل عنه من يعرفه، وتعاملوا معه من الثقات، كما فعلت تلك المرأة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي الصحيحين: أن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- قالت له: إن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه. وأما معاوية فصعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد. فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة. فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به.

قال ابن قدامة في المغني: ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالمستشيرة له فيهما، أو في العدول عنهما إلى غيرهما. وليس في الاستشارة دليل على ترجيح أحد الأمرين، ولا ميل إلى أحدهما على أنها إنما ذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه و سلم- لترجع إلى قوله ورأيه. اهـ.

وقد ذكرت عن زوجك هذا جملة من التصرفات -فإن صحت عنه- فإنها تدل على معصيته لربه، وتفريطه في حقك كزوجة وسوء عشرته لك.

وهو مأمور شرعا بأن يحسن عشرتك، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وهذه المعاشرة بالمعروف تتضمن جملة من المعاني الجميلة.

قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقّها -من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك-، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.

فنوصيك أولا بالصبر عليه، وكثرة الدعاء له بالهداية، وأن تبذلي له النصح بالحسنى، وتستعيني عليه بمن ترجين أن يقبل قوله إن رأيت الحاجة لذلك.

وإن كان يشك فيك ويتهمك بما ليس فيك، فقد أتى بهتانا وإثما عظيما، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}.

وذكريه بأن الواجب عليه أن يحسن الظن بك. وينبغي أن تحرصي على الابتعاد عن كل ما يمكن أن يدعو للشبهة، فشأن المؤمن اجتناب مواطن الشبهات، كما أوضحنا في الفتوى: 55903.

والأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تعتدي على زوجها بسب، أو بضرب، ونحو ذلك؛ فإن هذا يتنافى مع مقتضى قوامته عليها، فقد قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ {النساء:34}، ولكن إن كان ذلك على سبيل القصاص من غير بغي أو عدوان، فلا حرج في ذلك، وراجعي فتوانا: 312607.

ولا يلزمك شرعا المبادرة بطلبه للفراش، أو عرض نفسك عليه، ولم يأمر الشارع المرأة بذلك؛ لكونها قد جبلت على الحياء. وإن وصفك بأنك ملعونة لكونك لم تقومي بذلك، فقد جنى عليك جناية عظيمة، وقد جاء الشرع بالنهي عن اللعن بغير وجه حق. وقد ذكرنا بعض النصوص بهذا الخصوص في الفتوى: 291886.

ونؤكد في الختام على أمر الدعاء والسعي لإصلاح الحال، فإن تيسر ذلك، فالحمد لله، وإلا فانظري في أمر فراقه بالطلاق أو الخلع إذا ترجحت المصلحة، وإلا فاصبري عليه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

والله أعلم.