عنوان الفتوى : هل عقوبة امتناع الزوج عن زوجته كعقوبة امتناع المرأة عن فراش زوجها؟
في الحديث: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون"، فلماذا يفعل ذلك بالزوجة التي تؤذي زوجها، ولا يفعل بالزوج الذي يسيء إلى زوجته؟ وهل هذا يعني أنه عندما تؤذي الزوجة زوجها تتأثر صلاتها، وإذا أضرّ الزوج بزوجته، فلا تتأثر صلاته؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لذات الذنب تتأثر صلاة الزوجة فقط؟ ولماذا يخفف العقاب عن الزوج؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالنص على عقوبة المرأة، خصوصًا عند امتناعها عن فراش زوجها، يمكن أن تلتمس حكمته في معرفة الفرق بين حاجة الرجل والمرأة للجماع، أو صبرهما عنه؛ فصبر الرجل عن ذلك أقلّ من المرأة؛ ومن ثم؛ فحاجته أعظم! وراجعي في ذلك الفتاوى: 183865، 8935، 263254.
ومع هذا نقول: إن الحديث الذي ذكرته السائلة لم يذكر عقوبة الزوج إن هو أسخط امرأته، أو أضرّ بها دون وجه حق، وليس معنى هذا أنه لا عقوبة عليه؛ فقد تكون عقوبته أشد، وقد تكون أخف؛ فالله أعلم بذلك.
ولا يمكننا نحن الجزم به، وحسبنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة. رواه ابن ماجه، وأحمد. وصححه البوصيري، وحسنه النووي، والألباني.
قال النووي في (رياض الصالحين): معنى "أحرّج": ألحق الحرج ـ وهو الإثم ـ بمن ضيع حقّهما، وأحذّر من ذلك تحذيرًا بليغًا، وأزجر عنه زجرًا أكيدًا. اهـ.
وقال المناوي في (فيض القدير): بأن تعاملوهما برفق، وشفقة، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصّروا في حقّهما الواجب، والمندوب.
ووصفهما بالضعف استعطافًا، وزيادة في التحذير والتنفير؛ فإن الإنسان كلما كان أضعف، كانت عناية الله به أتم، وانتقامه من ظالمه أشد. اهـ.
وإذا لم يثبت في الشرع نص بعقوبة معينة للزوج في مثل هذه الحال، فيكفينا العلم بأنه آثم مستحق للعقوبة، ونَكِل قدر ذلك إلى الله الحكم العدل سبحانه.
وعلى أية حال؛ فالذي ينبغي تقريره هنا أنه لا يجوز للرجل أن يمتنع عن فراش زوجته، مع قدرته على ذلك، وحاجة الزوجة إليه؛ فإن إعفاف الزوجة من آكد حقوقها عليه، وقد يكون ذلك أوجب من نفقته عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف؛ وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها. والوطء الواجب، قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته؛ كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين. اهـ.
وقال ابن العربي المالكي في «أحكام القرآن»: قوله تعالى: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} [البقرة:226]، يقتضي أنه قد تقدّم ذنب، وهو الإضرار بالمرأة في المنع من الوطء. اهـ.
والله أعلم.