عنوان الفتوى : الحل يكمن بحسن التدبير لا بتحديد النسل
هل عبارة "هو يعلم أن وضعه المادي، لا يسمح له بإنجاب أطفال، فلماذا إذن لديه أربعة أو خمسة أطفال!!"، ما حكم هذه العبارة؟
قبل أن تجيبني على هذه العبارة، قرأت بعض الفتاوى المتعلقة بها. أعلم جيدا ما ترمون إليه، لأنكم حقا تقولون عين الصواب. أعلم جيدا أنه إذا قلتم مرة إنه يجوز عدم الإنجاب خوفا من الفقر، فقد يمتثل لكم الكثير والكثير من البشر، وتخيل أنه أصبح ديدن الناس إنجاب طفل أو طفلين، وصار انخفاض التعداد السكاني أمرا ملحوظا، وأصبحت القوى العاملة في السوق قليلة، وزاد عدد كبار السن، فهذا سيرهق الدولة كثيرا، وسيترتب عليها أمور معروفة للكل. انظر حاليا إلى الدول المتقدمة، تبذل جهدها، وتوفر برامج الدعم للأطفال من أجل تشجيع الناس على الإنجاب، وهذا كله بلا فائدة.
أعلم أيضا أن قلة الإنجاب والسكان سيضعف الدولة عسكريا، لذا أنا أقف معكم. لكن المشكلة فعلا، ومن خلال بحوثي، هي: ما هو تعريف الإسلام للفقر؟ الإنسان له تعريفه الخاص، والعالم له تعريفه الخاص، والبيئة لها تعريفها الخاص، فكما نعلم لن يموت أحد من الجوع، لكن المشكلة هي في جودة الحياة. الزوج يقوم بحساب مصروفات حياته، ويعلم جيدا أنه إذا أراد العيش بنفس مستوى المعيشة من الرفاه، فإنه يتحمل وجود عائلة مكونة فقط من طفل واحد، وإذا أراد إنجاب طفل آخر، فإنه سيلجأ إلى الدين، أو القروض الربوية.
شكرا لكم على وقتكم وجهودكم، لكن الذي دفعني لهذا السؤال، أنه قبل مدة، توجد عائلة لدينا غير منظمة، تلجأ إلى الربا والزكاة وغيرها، فقط من أجل الرحلات العائلية والأكل الفاخر من المطاعم، فقلت غاضبا: ما دمت تعلم أن وضعك المادي، لا يسمح لك إلا بإنجاب طفل واحد، فلماذا كل سنة أو سنتين، وزوجتك حامل بطفل؟؟؟ سأفترض أن جوابه بأنه يحب الأطفال، ويريد عائلة سعيدة، ومن هذه الأمور. حسنا وصلتني مشاعرك الجياشة، ولكن ماذا عن ديني، لقد أقرضتك مالا قبل سنين، ولم تعده لي حتى هذه اللحظة، أريده حالا. عندما تكون صاحب شركة، ويأتيك موظف ليس مؤهلا، يبكي أمامك، ويخبرك بأن لديه عشرة أطفال في المنزل، لماذا تلومني؟ أأنا الذي أنجبتهم أم أنت؟؟ إليك عني.
أتمنى أن تجيبوني على سؤالي حسب ما شرحت لكم، أعلم جيدا أن المتوكل على الله حق التوكل، فإنه لن يحدث له أي مما ذكرت، ولكنني أتكلم عن ناس عاديين، وعن واقع مرير يصعب فهمه.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإيضاح الأمر يبدأ من المثال الذي ذكره السائل: (عائلة تلجأ إلى الربا والزكاة من أجل الرحلات العائلية والأكل الفاخر من المطاعم)!
ففحوى هذا المثال أن الإشكال ليس في عدد أفراد العائلة! فلو قلَّ عددها لبقي حالها كما هو، لبقاء العلة التي هي: فساد الإدارة، وسوء التدبير، وخطأ التخطيط، واختلال الأولويات! فلو أن راعي هذه العائلة تحلى بالمسئولية، ووظف موارد الأسرة في المكان الصحيح، وتخلى عن مظاهر الترف، ووجه اهتمامه إلى تربية أفرادها لينفعوا أنفسهم ومجتمعهم، ويتسلحوا بالعلم النافع، والعمل الصالح، لتغير الحال، وصارت الكثرةُ نعمةً، ومنفعة ذاتية، ومتعدية.
وهكذا الحال في الدولة والمجتمع ككل! فالقوة البشرية والعددية هي الأصل، وأفراد المجتمع إذا صلحوا وتسلحوا بالعلم والعمل، كانوا هم العقول والأيدي التي تبني المجتمع والدولة، وتحقق الفائض لا مجرد الاكتفاء، ولكن العلة الحقيقية إنما هي في: سوء التربية، وفساد الأخلاق، وضياع الغاية، وغياب التخطيط، والانكباب على الشهوات العاجلة، ونسيان الآخرة، أو نقول اختصارا: مخالفة الإسلام وشريعة الرحمن. فهي التي تحدد الغاية الصحيحة، وتبين الوسائل النافعة، وترتيب الأولويات ترتيبا موافقا للحكمة. وراجع للفائدة الفتاوى: 120528، 16894، 274915.
والله أعلم.