عنوان الفتوى : على الرجل أن يجمع بين برّ أمّه وإحسان عشرة زوجته
السؤال
أنا ابن وحيد، وأبي متوفى، ولديَّ ثلاث أخوات متزوجات، وزوج الأخت الكبرى متوفى، وتعيش في شقة مستقلة في منزل أهل زوجها؛ لأن لديها طفلين، أحدهما يحتاج معاملة خاصة جدًّا جدًّا، ولتعرّضها لمواقف سيئة من أهل زوجها.
والأختان الأخريان تعرضن لمواقف سيئة جدًّا من أهل أزواجهنّ؛ لذلك فضّلن أن ينفردن بمعيشتهنّ مع أزواجهن، ويوجد من يقيم مع أهل أزواجهنّ، ويرعاهم، ويقضي حوائجهم.
وأنا وزوجتي نسكن في نفس العمارة التي تسكن فيها أمّي في طابق مختلف، وفي بداية زواجي كانت زوجتي تنزل إلى أمّي كل يوم في وقت متأخر -في الثالثة عصرًا-، ولم تكن أمّي راضية عن ذلك؛ لأنها تستيقظ كل يوم باكرًا جدًّا، وتشعر بالوحدة طول هذا الوقت.
وعملي يتطلب مني أن أخرج كل يوم الساعة السادسة صباحًا، ولا أعود إلا الساعة السابعة مساءً، وأحيانًا تلومني أمّي على نزول زوجتي المتأخر، وتشعر أمّي منها عندما نزولها أنها نزلت مجبرة، وأنها لا تفعل الأشياء بحبّ، وأنها لا تقوم بكنس الشقة مثلًا من تلقاء نفسها، إلا إذا وجدت أمّي تقوم بذلك، وتجدها أمّي مقتصرة على إعداد الطعام فقط.
ومع تطور الخلافات طلب أهل زوجتي أن تستقلّ زوجتي بمعيشتها، وقالوا: إن الشرع يكفل لها ذلك، وفي ذلك الوقت كان زوج أختي الصغيرة مسافرًا، فكانت أختي تعيش مع أمّي؛ لذلك قرّرت أن تستقلّ زوجتي في شقتها.
بعد ذلك كانت خالتي تزورنا، فطلبت من زوجتي أن تتصل بأمّي لتعرض عليها المساعدة، ولكن أمّي -على حسب كلام زوجتي- قالت لها كلامًا كثيرًا عن أبويها وأهلها، وأن والدها ترك أمّه تعيش وحدها، وأنه تركها وسافر من أجل الأموال، وكلام من هذا القبيل، وهذا أحزن زوجتي، وأحزن والدها عندما عرف بذلك.
في اليوم الذي ذهبت أختي لبيتها، قررت أن أرسل زوجتي لأهلها؛ لأنها في الشهر الأخير لحملها، وستضع هناك، وحتى لا أترك أمّي بمفردها في هذا الوقت، وكنت متفقًا مع زوجتي على هذا اليوم من قبل، فغضبت أمّي غضبًا شديدًا؛ لأنها ترى أن زوجتي ذهبت لأهلها في هذا الوقت لئلا تنزل لها.
ذهبت زوجتي لأهلها، وولدت ولادة قيصرية، ولم تتصل بها أمّي، ولم تذهب لزيارتها، ورغم ذلك طلبت من زوجتي أن تتصل بها لتسألها عن أختي التي ولدت بعدها بأربعة أيام، وعندما ذهبت لأحضرها من بيت أبيها، دخلت على أمّي بالطفلة وزوجتي، وجلسنا معًا لبعض الوقت.
وزوجتي الآن تنزل معي عندما أصل من العمل، وتحدث بعض المشاكل أيضًا، وأنا الآن أقوم بتناول الطعام يومًا مع أمّي، ويومًا مع زوجتي، وأشعر بحزن شديد جدًّا جدًّا، وضيق شديد في صدري لأن أمّي تعيش بمفردها بعد أن تعبت معنا، خاصة بعد وفاة والدي، فأريد منكم جوابًا شافيًا كافيًا عن هذا الأمر، وحلولًا واقية، وحق كل فرد منهم على الآخر، وحقهم عليَّ، وحقّي تجاههم، مقرونًا بالأدلة الشرعية؛ حتى أفعل ما يرضي الله تجاه أمّي وزوجتي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فحق الأمّ على أولادها عظيم، وبرّها من أوجب الواجبات، ومن أفضل القربات.
ومن حقّها عليهم أن يقوموا برعايتها وخدمتها إذا احتاجت إلى خدمة، وهذا الحقّ واجب على جميع الأولاد -ذكورهم وإناثهم-، كما بينا ذلك في الفتوى: 127286.
وخدمة الزوجة لأمّ زوجها ليست واجبة عليها، ولكنها تفضّل وإحسان، وراجع الفتوى: 33290.
وعليه؛ فالواجب عليك وعلى أخواتك رعاية أمّكم، وخدمتها، وزيارتها، ومؤانستها، حسب استطاعتكم.
ولا يجب على زوجتك أن تقيم مع أمّك، أو تخدمها، إلا أن تتبرع بذلك.
وعليك أن تجمع بين برّ أمّك وبين إحسان عشرة زوجتك، وهذا يتطلب منك حكمةً ومداراةً، وراجع الفتوى: 139282.
وحقّ أخواتك عليك، وحقّك عليهم؛ هو صلة الرحم، وليس لها قدر معين، أو وسيلة محددة، ولكنّها تحصل بكل ما يعد في العرف صلة، جاء في إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين: وصلة الرحم، أي: القرابة، مأمور بها أيضًا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلًا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك. انتهى.
والله أعلم.