عنوان الفتوى : البقاء مع الزوج الذي يسبّ الدِّين عند الغضب ولا يصلّي إلا نادرًا

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

السؤال

زوجي يسب الدِّين وقت الغضب، وقد سبّه مرتين خلال يومين، وعندما كلمتُه عن ذلك، قال لي: أخرج عن شعوري، فقلت له: فعليك أن تتوب من هذا الأمر، فحكمه شديد جدًّا، فقال لي: استغفرت، فقلت له: حاوِلْ وقت الغضب أن تغيّر وضعك، أو تتوضأ، فقال لي: إن شاء الله.
ثم بعدها بشهر سبّ دِين أحد أولادنا، فقلت له: أتدري ما حكم سب الدِّين، فابحث عن حكمه، وتركتُه، وخرجتُ من الغرفة، وأنا أخاف أن أغضبه أكثر بالقول: إن سب الدِّين ردة، فيكرر السبّ للدِّين، وأكون سببًا في ذلك، وأنا أعلم أنه يجب أن تكون النصيحة بالحسنى، فلا أريد أن أضايقه وأشعره أنني أتعامل معه كأنه كافر وأنا مؤمنة، فأُبَغِّضه في الدِّين، فهل ما زلت أحِلّ له أم لا؟ وهل يجب أن أكون أقوى من ذلك، وأقول له صراحة: إن هذا كفر؟ مع العلم أنه محامٍ، وأنا أقول: إنه بالتأكيد يعلم الحكم.
أما المشكلة الثانية: فإنه لا يصلي إلا نادرًا جدًّا، وأشعر أن أمور الدِّين ليست من أولوياته، ونصحته بالصلاة أكثر من مرة، ولا يستجيب إلا بإرادته، وهذا لا يحدث تقريبًا، وقلت له: حتى يتعلّم منك أولادنا، فيقول: إن شاء الله، ولا يفعل، وأشعر أن دِيني قد نقص من وقت خطبتنا، فقد كنت أقوم الليل قبلها، وأختم المصحف، وأجلس جلسة الضحى -بفضل الله-، والآن لا يحدث هذا، وأرى أني أتأثر به للأسوأ، ولا أعرف هل أبقى معه أم أتركه؟
ولديَّ أولاد منه، وقد كنت أريد أن تكون أمور الدِّين أول اهتماماته، لكني لم أرَ ذلك فيه، وأريد أن أتقرّب لله مثل ما أريد، فماذا أفعل؟ وهل أتعامل معه بشدة هذه الفترة، وأعتبرها آخر فرصة للبقاء، إن لم يترك سب الدِّين، ويلتزم بالصلاة؟ مع العلم أن آخر مرة سبّ فيها الدِّين كانت منذ أيام، وكنت مع أمّه المريضة، ولا أريد أن أتركها وأرحل.
وعندما صليت الاستخارة جاءني العذر الشرعي في اليوم التالي مباشرة، وجاءت أخته لتجلس مع أمّه المريضة، فشعرت أن الله يقول لي أن أتركه.
وسألت أكثر من مرة شيوخًا أفاضل مثلكم: هل أتركه؟ فقالوا لي: إن استمَرَّ، فاتركيه، علمًا أن معاملته لوالديه لا تعجبني بالمرة، وأخاف أن أكون متسرّعة في طلب الطلاق، وأخاف من ربي، فما الذي يرضي ربي مني الآن؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فاعلمي أولًا أن الغضب لا يتنافى مع أهلية التكليف، بل الغضبان مكلّف، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون قد صدر منه القول أو الفعل، وهو غير مدرك لما يقول، قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. وراجعي الفتوى: 167817.

وكونه يتكرر منه سب الدِّين كلما غضب، قد يكون دليلًا على نوع من الاستخفاف، وعدم المبالاة، وهذا أمر خطير.

 وعلى تقدير كونه مدركًا لما يقول عند سبّه الدِّين، فلا تمكّنيه من نفسك، ولا من معاشرتك؛ حتى تعرضي أمرك على القاضي الشرعي، أو من يقول مقامه من أهل العلم الثقات.

وعلى تقدير كونه معذورًا، فالعصمة باقية بينكما، ولا يلزمك فراقه.

ويبقى النظر فيما ذكرت عنه من تركه الصلاة إلا قليلًا؛ فترك الصلاة أمر عظيم، وكبيرة من كبائر الذنوب، بل ذهب بعض الفقهاء إلى كفر من تركها، ولو تكاسلًا، كما هو مبين في الفتوى: 1145

فالواجب أن ينصح، ويُذكَّر بالله تعالى، فإن تاب وأناب واستقام في المحافظة على الصلاة؛ فالحمد لله، وإلا فالأفضل لك مفارقته، فلا خير لك في البقاء في عصمة مثله، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحبّ لها أن تختلع منه؛ لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.

وبقاؤك معه -وهو على هذه الحالة-؛ قد يضرّ بك وبأولادك، وقد ذكرت أنك بسببه ضعف إيمانك وهمّتك إلى عمل الطاعات، وقد يتأثّر به الأولاد، ويكتسبون منه رِقة الدِّين، وسوء الأخلاق.

 والظاهر -والله أعلم- أن أمر الفراق، وطلب الطلاق -والحالة هذه- ليس محلًّا للاستخارة؛ لأن الاستخارة تكون في المباح مستوي الطرفين، وطلب الطلاق هنا مستحب، كما في الكلام الذي نقلناه عن البهوتي.

وتراجع الفتوى: 239488.

والله أعلم.