عنوان الفتوى : حكم الإجهاض برضا الزوجين وممارسة الطبيب له
1 – هل يجوز للطبيب أن أُجْري عملية الإجهاض وبرضا الزوجين؟ وإذا كان يجوز ذلك ففي أية مرحلة من عمْر الحمْل؟
2 – يقال: إن الإجهاض يجوز خلال أربعين يومًا من بدء العَلُوق أو من أول الحمْل، فكيف نحسب أو نعد الأربعين يومًا بالنسبة لتاريخ أول يوم من أيام الطمْث للمرأة؟
1) إن إجراء عملية الإجهاض جوازها وعدمه شرعًا تبَعٌ لكوْن الإجْهاض المُراد جائزًا أو ممنوعًا. والإجهاض يكون جائزًا أو محظورًا بحسَب الأحْوال، كما أن درجة حظْره، أي: قوة الحظر التي تبدأ من كونه مكروهًا وتنتهي بالتحريم، تختلف بحسب الأحوال والمراحل الحَمْلية.
ويُمكن القول في ضوء النصوص الفقهية: إن الإجهاض بوجه عام، دون مسوِّغ شرعي هو ممنوع محْظور؛ لأنه ينافي الحضَّ النبوي على التناكح والتناسل لاستكثار الأمة الإسلامية، ولأنه تَخلُّص من الحمل بعد تكونه، ففيه تعدٍّ على مخلوقٍ في مرحلة سيُصْبح بعدها بَشَرًا سويًّا.
على أن لكل قاعدة استثناءً، فإذا وُجد مسوِّغ في بعض الحالات تُصبح مُستثناة من المنْع، أي: أن المنْع هو الأصل، والمسوِّغ استثناء يتقيَّد بحدوده.
2) هذا الحظر الشرعي قبل تمام أربعين يومًا من الحمْل يكون في درجة الكراهة؛ لأن الحَمل لم تتخلَّق أعضاؤه في هذه المرحلة، ثم بعد الأربعين تشتدُّ درجة الحظْر تبَعًا لعمْر الحَمْل، وتَخلُّق بعض أعضائه أو كلها، حتى يصل إلى تمام أربعة أشهر فيُصبح الحظْر في درجة التحريم، فيكون حرامًا، إذ يُعتبر هذا الوقت بداية لنفْخ الروح، حيث تبدأ عندئذ وتظهر حركة حيوية للحمل على بطن المرأة، تَشْعر بها الحامل كما يشعر بها من يَضع يده على بطنها، فالإجهاض المتعمَّد في هذه المرحلة دون مسوِّغ شرعي مُلجئ يكون جناية على إنسان تام الخَلق، لكنه لم يُستقبل في الوجود.
3) أما مسوِّغات الإجهاض فقبل الأربعين يومًا تسوِّغه الأعذار غير الشديدة كالخوف على صحة الأم، وكضيق ذات اليد عن النفقات التي تستتبعها الولادة وتربية الولد، وكالحاجة إلى سفر ضروري يكون فيه نمو الحمل ثم الولادة عائقًا، كما لو كان لأجل دراسة أو لأعمال تستدعي تنقل الزوجين.
ثم كلما ازدادت مدة الحمل يحتاج جواز الإجهاض إلى مسوِّغ أقوى؛ كتحقُّق ضررٍ صحي للأم إذا استمر الحمْل.
أما بعد الأشهر الأربعة فلا يجوز، إلا إذا كان يخشى على الأم الهلاك من الحمل، حيث يكون الإجهاض عندئذ طريقًا لإنقاذ حياة الأم؛ لأن حياة الأم محققة، أما استمرار حياة الحمل حتى يولد سليمًا فليس محققًا كتحقق حياة الأم، فالحفاظ على حياتها أوجب.
هذا خلاصة ما يستفاد من كلام فقهاء الحنفية في هذا الشأن.
وحكم الطبيب أو القابلة في إجراء الإجهاض يتبع هذا التفصيل؛ لأنه مساعدة على أمر فيأخذ حكمه، فحيث يجوز للمرأة الإجهاض يجوز للطبيب، وحيث يكره يكره له، وحيث يحرم يحرم عليه. ويبدو لي أن هذا فيما إذا كانت مهمة الطبيب إعطاء دواء مجهض، أما إذا كان بعملية تنكشف فيها المرأة على الطبيب فلا أراه جائزًا إلا إذا كان الإجهاض لتخْليص المرأة من ضرر صحي محقَّق سيُصيبها من الحمل؛ لأن الإجْهاض إذا كان له مسوِّغ خفيف يجْعله جائزًا، فإن كشْف عوْرة المرأة مُحرَّم لا تُبيحه إلا الضرورة كالعلاج من مرض، ودفع ألم أو ضرر في الصحة.
4) أما متى يكون عمرُ الحمل أربعين يومًا، فإن كان فيه دليل تاريخي معروف عُمل به، كما لو حصل اتصال جنسي مرة واحدة، بعد الطُّهر من الطمث، وحصَل الحمل فإن بدايته هي تاريخ ذلك الاتصال، وإلا فالعِبرة بتاريخ آخر اتصال قبل انْقطاع العادة الشهرية؛ لأن العَلُوق قبله مجرد احتمال غير متيقَّن، علمًا أنه إذا كان هناك طرق طبية يقينية لمعرفة عمْر الحمل فلا مانع شرعًا من الأخذ بها، أما مجرَّد أن الحمل في المُعتاد يكون بعد أسبوعين من بداية الطمث فلا يكفي للتحديد؛ لأنه يفيد تاريخ العَلُوق الفعلي في هذه الفترة بعد الطمث.
فالمُهم أن عمْر الحمْل لا يُمكن تحديده إلا بدليل واقعي متيقَّن، وعند الاحتمال يُؤخذ بالأقل لأنه المتيقَّن، والله سبحانه أعلم.