عنوان الفتوى : كتيب الفريضة الغائبة والرد عليه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

تقرير عن كتاب الفريضة الغائبة اطلعنا على صورة ضوئية لهذا الكتاب فى أربع وخمسين صفحة وقد احتوى فى جملته على تفسيات لبعض النصوص الشرعية من القرآن والسنة وعنى بالفريضة الغائبة الجهاد داعيا إلى إقامة الدولة الإسلامية، وإلى الحكمبما أنزل الله مدعيا أن حكام المسلمين اليوم فى ردة، وأنهم أشبه بالتتار، يحرم التعامل معهم، أو معاونتهم، ويجب الفرار من الخدمة فى الجيش، لأن الدولة كافرة، ولا سبيل للخلاص منها إلا بالجهاد وبالقتال كأمر الله فى القرآن، وأن أمة الإسلام تختلف فى هذا عن غيرها فى أمر القتال وفى الخروج على الحاكم، وأن القتال، فقد كان المجاهدون فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعده وفى عصور التابعين، وحتى عصور قريبة ليسوا علماء، وفتح الله عليهم الأمصار ولم يحتجوا بطلب العلم، أو بمعرفة علم الحديث وأصول الفقه، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل على أيديهم نصرا للإسلام، لم يقم به علماء الأزهر يوم أن دخله نابليون وجنوده بالخيل والنعال فماذا فعلوا بعلمهم أمام تلك المهزلة وآية السيف نسخت من القرآن مائة آية وأربعا وعشرين آية. وهكذا سار الكتاب فى فقراته كلها داعيا إلى القتال والقتل

مدة قراءة الإجابة : 47 دقائق

فيما يلى الحكم الصحيح مع النصوص الدالة عليه من القرآن ومن السنة فى أهم ما أثير فى هذا الكتيب تمهيد (أ) القرآن نزل بلسان عربى مبين على رسول عربى، لا يعرف غير لغة العرب. ففى القرآن الكريم قول الله سبحانه {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} يوسف 2، وقوله تعالى {وكذلك أنزلناه حكما عربيا} الرعد 37، فوجب أن نرجع إلى لغة العرب وأصولها لمعرفة معانى هذا القرآن واستعمالاته فى الحقيقة والمجاز وغيرهما وفقا لأساليب العرب، لأنه جاء معجزا فى عبارته، متحديا لهم أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية. ولا شك أنه نزل على رسول عربى قال جل شأنه {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} إبراهيم 4، (ب) الإيمان وحقيقته الإيمان فى لغة العرب، هو التصديق ملطقا، ومن هذا القيل قول الله سبحانه حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام قال تعالى {وما أنت بمؤمن لنا} يوسف 17، أى ما أنت بمصدق لنا فيما حدثناك به عن يوسف والذئب. وقول النبى صلى الله عليه وسلم فى تعريف الإيمان (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خير وشره) ومعناه التصديق القلبى بكل ذلك وبغيره مما وجب الإيمان به. والإيمان فى الشرع هو التصديق بالله وبرسله وبكتبه وبملائكته وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر. قال تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} البقرة 285، وهكذا توالت آيات الله فى كتابه ببيان ما يلزم الإيمان به. والإيمان بهذا تصديق قلبى بما وجب الإيمان به، وهو عقيدة تملأ النفس بمعرفة الله وطاعته فى دينه. ويؤيد هذا دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (اللهم ثبت قلبى على دينك) وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله (هلا شققت قلبه) . وإذا ثبت أن الإيمان عمل القلب، وجب أن يكون عبارة عن التصديق الذى من ضرورته المعرفة، ذلك لأن الله إنما يخاطب العرب بلغتهم ليفهموا ما هو المقصود بالخطاب، فلو كان لفظ الإيمان فى الشرع مغايرا عن وضع اللغة، لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين أن معنى الزكاة والصلاة غير ما هو معروف فى أصل اللغة، بل كان بيان معنى الإيمان إذا غاير اللغة أولى. (ج) الإسلام وحقيقته الإسلام يقال فى اللغة أسلم دخل فى دين الإسلام، وفى الشرع كما جاء فى الحديث الشريف (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) . وبهذا يظهر أن الإسلام هو العمل بالقيام بفرائض الله من النطق بالشهادتين وأداء الفروض والانتهاء عما حرم الله سبحانه ورسوله. فالإيمان تصديق قلبى، فمن أنكر وجحد شيئا مما وجب الإيمان به فهو كافر، قال الله تعالى {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا} النساء 136، أما الإسلام فهو العمل والقول، عمل بالجوارح ونطق باللسان، ويدل على المغايرة بينهما قول الله سبحانه {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم} الحجرات 14، والحديث الشريف فى حوار جبريل عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام يوضح مدلول كل منهما شرعا على ما سبق التنويه عنه فى تعريف كل منهما (حديث جبريل من الايمان والإسلام والاحسان وراه الترمذى ج - 10 ص 77 و 78 بشرح القاضى ابن العربى) وهما مع هذا متلازمان، لأن الإسلام مظهر الإيمان. (د) متى يكون الإنسان مسلما حدد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بى، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) رواه البخارى. وفى قوله (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرة) . وراه البخارى. هذا هو المسلم، فمتى يخرج عن إسلامه، وهل ارتكاب معصية بفعل أمر محرم، أو ترك فرض من الفروض ينزع عنه وصف الإسلام وحقوقه قال الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وفى حديث طويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ذاك جبريل أتانى قال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت وإن زنى وإن سرق، قال وإن زنى وإن سرق..) رواه البخارى. هذه النصوص من القرآن والسنة تهدينا صراحة إلى أنه وإن كانت الأعمال مصدقة للإيمان ومظهرا عمليا له، لكن المسلم إذا ارتكب ذنبا من الذنوب بأن خالف نصا فى كتاب الله، أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يخرج بذلك عن الإسلام، ما دام يعتقد صدق هذا النص ويؤمن بلزوم الامتثال له، وفقط يكون عاصيا وآثما لمخالفته فى الفعل أو الترك. بل إن الخبر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دال على أن الإيمان بالمعنى السابق منقذ من النار فقد روى أنس رضى الله عنه. قال (كان غلام يهودى يخدم النبى صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم ويعوده (يعنى يزوره وهو مريض) فقعد عند رأسه، فقال له أسلم. فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده. فقال له أبوه أطع أبا القاسم. فأسم. فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذى أنقذه من النار) رواه البخارى وأبو داود. (هاء) ما هو الكفر فى اللغة كفر الشىء ستره (أى غطاه) والكفر شرعا أن يجحد الإنسان شيئا مما أوجب الله الإيمان به بعد إبلاعه إليه، وقيام الحجة عليه. وهو على أربعة أنحاء كفر إنكار، بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود وكفر معاندة، وكفر نفاق. ومن لقى الله بأى شىء من هذا الكفر لم يغفر له، قال تعالى {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وقد شاع الكفر فى مقابلة الإيمان، لأن الكفر فيه ستر الحق، بمعنى إخفائه وطمس معامله، ويأتى هذا اللفظ بمعنى كفر النعمة، وهو بهذا ضد الشكر. وأعظم الكفر حجود وحدانية الله باتخاذ شريك له، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته. والكافر متعارف بوجه عام فيمن يجحد كل ذلك. وإذا كان ذلك هو معنى الإيمان والإسلام والكفر مستفادا من نصوص القرآن والسنة، كان المسلم الذى ارتكب ذنبا وهو يعلم أنه مذنب عاصيا لله سبحانه وتعالى معرضا نفسه لغضبه وعقابه، لكنه لم يخرج بما ارتكب عن ربققة الإيمان وحقيقته، ولم يزل عند وصف الإسلام وحقيقته وحقوقه. وأيا كانت هذه الذنوب التى يقترفها المسلم خطأ وخطيئة، كبائر أو صغائر، لا يخرج بها عن الإسلام ولا من عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 116، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت (المحلى لابن حزم ج - 11 ومثله رواه مسلم) قال (أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا (أى لا يرم أحدنا الآخر بالكذب والبهتان) فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له، ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) وبهذا يكون تفسير خلود العصاة فى نار جهنم الوارد فى بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} النساء 14، يمكن تفسير هذا - والله أعلم - بالخلود الآبد المؤبد إذا كان العصيان بالكفر أما إذا كان العصيان بارتكاب ذنب - كبيرة أو صغير خطأ وخطئية دون إخلال بالتصديق والإيمان. كان الخلود البقاء فى النار مدة ما حسب مشئية الله وقضائه، يدل على هذا أن الله سبحانه ذكر فى سورة الفرقان عددا من كبائر الأوزار (الآيتان 68، 69 من سورة الفرقان) ثم أتبعها بقوله سبحانه {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا} الفرقان 70، 71، وهذا لا يعنى الاستهانة بأوامر الله طمعا فى مغفرته، أو استهتارا بأموامره ونواهيه، فإن الله أغير على حرماته وأوامره من الرجل على أهله وعرضه، كما جاء فى الأحاديث الشريفة. ذلك هو الكفر، وتلك هى المعصية، ومنهما تحدد الكافر، والعاصى أو الفاسق، وأن هذين غير ذاك فى الحال وفى المال. (و) هل يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه. أو تكفير المؤمن الذى استقر الإيمان فى قلبه ومن له الحكم بذلك إن كان له وجه شرعى قال الله سبحانه {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة} النساء 94، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاث من أصل الإيمان وعد منها الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل) (رواه أبو داود) وقوله (لا يرمى رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك) . (رواه الامام أحمد فى مسنده ج - 18) من هذه النصوص نرى أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعل محرم منهى عنه، وأ، من يكفر مسلما أو صفه بالفسوق، يرتد عليه بهذا الوصف إن لم يكن صاحبه على ما وصف. من له الحكم بالكفر أو بالفسق قال الله تعالى {فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول} النساء 59، وقال سبحانه {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122، وقوله {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء 7، وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الزهرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (أعلام الموقعين لابن القيم ج - 2 ص 126) (سمع النبى صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون فى القرآن (يعنى يتجادلون فى بعض آياته) فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتهم منه، فكلوه إلى عالمه) . هذا هو القرآن، وهذه هى السنة، كلاهما يأمر بأن النزاع فى أمر من أمور الدين يجيب أن يرد إلى الله وإلى رسوله، أى إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله، وأن من يتولى الفصل وبيان الحكم هم العلماء بالكتاب وبالسنة، فليس لمسلم أن يحكم بالكفر أو بالفسق على مسلم، وهو لا يعلم ما هو الكفر، ولا ما يصير به المسلم مرتدا كافرا بالإسلام، أو عاصيا مفارقا لأوامر الله. إذ الإسلام عقيدة وشريعة. له علماؤه الذين تخصصوا فى علومه تنفيذا لأمر الله ورسوله فالتدين للمسلمين جميعا، ولكن الدين وبيان أحكامه وحلاله وحرامه لأهل الاختصاص به وهم العلماء، قضاء من الله ورسوله. وبعد هذا التمهيد ببيان هذه العناصر، نتابع قراءة ذلك الكتيب على الوجه التالى. لنرى ما إذا كانت أفكاره فى نطاق القرآن والسنة أو لا. 2 أولا الجهاد جاء فى ص 3 وما بعدها أن الجهاد فى سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى، وخطورته العظمى على مستقبيل هذا الدين، قد أهمله علماء العصر وتجاهلوه، بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد ثم ساق الكتاب حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى) الخ الحديث. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب قريشا فقال (استمعوا يا معضر قريش أما الذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) وبهذا رسم الطريق القويم الذى لا جدال فيه، ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو فى قلب مكة. والجهاد فى سبيل الله أمر جاء به القرآن، وجرت به السنة، لا يمارى فى هذا أحد. ولكن ما هو الجهاد الجهاد فى اللغة أصله المشقة، يقال جاهدت جهادا، أى بلغت المشقة. وفى الشرع جهاد فى الحرب، وجهاد فى السلم. فالأول هو مجاهدة المشركين بشروطه، والآخر هو جهاد النفس والشيطان - ففى الحديث (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، ألا وهو جهاد النفس) وللحديث روايات أخرى وليس من الأحاديث الموضوعة كما جاء فى هذا الكتيب، فقد رواه البيهقى وخرجه العراقى على الاحياء (أحياء علوم الدين للغزالى وعلى هامشه تخريج الأحاديث للحافظ العراقى فى كتاب شرح عجائب القلب) فالجهاد ليس منحصرا لغة ولا شرعا فى القتال، بل إن مجاهدة الكفار تقع باليد وبالمال وباللسان وبالقلب، وكل أولئك سبيله الدعوة إلى الله بالطريق الذى رسمه الله تعالى فى القرآن، وابتعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن} النحل 125، هل الجهاد فرض عين على كل مسلم قال أهل العلم بالدين وأحكامه إن الجهاد بالتقال كان فرضا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم من دعاه الرسول من المسلمين للخروج للقتال، وأما بعده فهو فرض كفاية إذا دعت الحاجة. ويكون فرض عين على كل مسلم ومسلمة فى كل عهد وعصرنا إذا احتلت بلاد المسلمين ويكون بالقتال وبالمال وباللسان وبالقلب. لقوله صلى الله عليه وسلم (رواه أحمد وأبو داود والنسائى) (جاهدوا المشركين بأوالكم وأيديكم وألسنتكم) . وجهاد النفس هو فرض عين على كل مسلم ومسملة دائما وفى كل وقت، وفى هذا أحاديث شريفة كثيرة، منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ضمن حديث وراه الترمذى وقال حديث حسن صحيح) (المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله عز وجل) . حديث (بعثت بالسيف بين يدى الساعة) هو حديث صحيح لكن ما مدلوله وهل تؤخذ ألفاظه هكذا وحدها دون النظر إلى الأحاديث الأخرى وإلى سير الدعوة منذ بدأت. وإن ما قال به هذا الكتيب هو ما قال به المستشرقون، حيث عابوا على الإسلام فقالوا إنه انتشر بالسيف. ألا ساء ما قال هؤلاء وأولئك، فإن القرآن قد فصل فى هذه القضية وما كان رسول الله إلا مبلغا ومنفذا للوحى، ولا يصدر منه ما يناقض القرآن الذى يقول {لا إكراه فى الدين} البقرة 256، ويقول {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} النحل 125، ويقول {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يونس 99، ويقول {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران 20، ويقول {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} القصص 56، ذلك القرآن أصل الإسلام، والسنة مفسرة له لا تختلف معه، وحديث بعثت بالسيف مع هذه الآيات لا يؤخذ على ظاهره، فقد جاء بيانا لوسيلة حماية الدعوة عند التعدى عليها، أو التصدى للمسلمين، وإلا فهل استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم السيف لإكراه أحد على الإسلام اللهم لا وما كان له أن يخالف القرآن الذى نزل على قلبه. وقوله الشريف (وجعل رزقى فى ظل رمحى) إشارة إلى آية الغنائم (الآية 41 من سورة الأنفال (واعلموا انما غنمتم من شىء فان لله خمسة وللرسول ولذى القربى)) وقسمتها، وأن له رزقا فى بيت مال المسلمين، حتى لا ينشغل عن الدعوة بكسب الرزق وكان هذا مبدأ فى الإسلام، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، فأصبح لولى أمر المسلمين مرتبا فى بيت مال المسلمين حتى يتفرغ لشئونهم، وهذا هو ما فهمه أصحاب رسول الله، فإن أبا بكر رضى الله تعالى عنه بعد أنه اختاره المسلمون خليفة توجه إلى السوق كعادته للتجارة، فقابله عمر رضى الله عنه وقال له ماذا تصنع فى السوق. قال أعمل لرزقى وزرق عيالى، فقال له قد كفيناك ذلك، أو قد كفاك الله ذلك. مشيرا إلى هذه إلى هذه الآية، فإن فيها قول الله (فأن لله خمسه) فمرتب الخليفة من هذا الخمس هذا هو الحديث الذى يستهدى به الكتيب فى حتمية القتال لنشر الإسلام فهو استدلال فى غير موضعه، إيراد للنص فى غير ما جاء فيه ولا يحتمله وإلا - على زعم هذا الكتيب - كان الحديث مناقضا للقرآن. وذلك ما لا يقول به مسلم. أما ما نقله الكتاب من قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش (استمعوا يا معشر قريش، أما والذى نفسه محمد بيده لقد جئتكم بالذبح) . فإن قصة هذا القول - كما جاءت فى السيرة النبوية (ج - 1 ص 309 و 310 طبعة ثالثة دار احياء التراث العربى بيروت 1391 هجرية - 1971 م) لابن هشام قال ابن اسحاق فحدثنى يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته. قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرها عليه من أمر هذا الرجل قط سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كمما قالوا فبينما هم فى ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول. قال فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ثم مضى، فلما رجع مر بهم الثانية غمزوه مثلها، فعرفت ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها، فوقف. ثم قال أتسمعون يا معشر قريش أما والذى نفسى بيده، لقد جئتكم بالذبح ثم استطردت الرواية إلى ما كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الذين غمزوه بالقول ثلاث مرات وهو يطوف حول البيت فى ذات اليوم واليوم التالى. فما معنى هذه العبارة الأخيرة فى قول الرسول حسبما جاء فى هذه القصة (لقد جئتكم بالذبح) . تعود إلى اللغة نجدها تقول ذبحت الحيوان دبحا قطعت العروق المعروفة فى موضع الذبح بالسكين، والذبح الهلاك، وهو مجاز، فإنه من أسرع أسبابه، وبه فسر حديث ولاية القضاء (فكأنما ذبح بغير بسكين) ويطلق الذبح للتذكيه، وفى الحديث (كل شىء فى البحر مذبوح) أى ذكى لا يحتاج إلى الذبح، ويستعار الذبح للإحلال، أى لجعل الشىء المحرم حلالا، وفى هذا حديث أبى الدرداء رضى الله عنه (ذبح الخمر، الملح والشمس. ) أى أن وضع الملح فى الخمر مع وضعها فى الشمس يذبحها أى يحولها خلا فتصبح حلالا (تاج العروس فى مادة ذ. ب. ح) فأى معنى لغوى للفظ الذبح فى هذه القصة يعتد به لا يجوز أن يكون المراد المعنى الأصلى للذبح، وهو قطع العنق من الموضع المعروف، لأن الله أبلغ الرسول فى القرآن {لا إكراه فى الدين} البقرة 256، {إنك لا تهدى من أحببت} القصص 56، {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} المائدة 92، {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين} التغابن 12، {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين} النحل 82، وهو لم يفعل ذلك، يعنى لم يذبح أحدا لا فى مكة ولا فى غيرها، ولم يكره أحدا على اتباعه، فيستبعد المعنى الأصلى لمعارضته للقرآن. وإذا يكون المعنى المجازى هو المراد بهذا التهديد، فإنهم قد غمزوه وعابوه وشتموه وهو يطوف بالبيت فهددهم بالهلاك، بأن يدعو الله عليهم كما فعل السابقون من النبياء، أو بالتطهير مما هم فيه من الشرك، يعنى أنه جاءهم بالدين الصحيح الذى يتطهرون باتباعه، وهذا المعنى الأخير هو المتفق مع ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو لقومه بالهداية إلى الإسلام. بهذا البيان - مع واقع القرآن والسنة، ومن لغة العرب التى نزل بها القرآن - يظهر بوجه قاطع الرسول صلى الله عليه وسلم لهم يهدد قومه بالذبح الذى قصده هذا الكتيب وصرف القصة إليه وهو القتل، فالرسول إنما كان يهدد بما يملك إنزاله بهم، لا بما يفوق فدرته الذاتية، فقد كان ومن تبعوه قلة، لا يستطيعون ذبخ مخالف لهم، وهو لم يفعل حتى بعد أن هاجر وصارت له عدة وعدد من المؤمنين بل إن تفسير الذبح فى هذا التهديد بالمعنى المتبادر لهذا اللفظ يتعارض مع ما عرف عن رسول الله من خلق وحكمة ورحمة بالناس، وقد أكد القرآن كل هذه الصناف لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء 107، وقال سبحانه {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنتب فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران 159، وقال {وإنك لعلى خلق عظيم} القلم 4. ثالثا - الحكم بما أنزل الله فى القرآن الكريم قول الله سبحانه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} النساء 65، وقوله {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} الإسراء 82، وقوله {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} الأنعام 155، وقوله {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} النحل 89. وفى الحديث الشريف الذى رواه مالك فى الموطأ. (تركت فيكم أمرين لت تضلوا ما تمسكتم بهما. كتاب الله وسنة رسوله) . فالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، هما المرجع فى التشريع الإسلامى، فقد اشتملا على العقائد والعبادات والمعاملات، وعلى أحكام وحكم وعلوم وفضائل وآداب وأنباء عن اليوم الآخر وغير هذا مما يلزم الإنسان فى حياته وفى آخرته. وقد أمر القرآن بالأخذ به، وبما جاء به رسول الله (أى سنته) ذلك قول الله سبحانه {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر 7، وقوله تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء 80، وقوله جل شأنه {ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} النور 63، وقوله تعالى {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} النور 51، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} المائدة 44، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} المائدة 45، وقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} المائدة 47، ذهب الخوارج إلى أن مرتكب الكبيرة كافر، محتجين بهذه الآيات الثلاث الأخير، وهذا النظر منهم غير صحيح. ذلك لأننا إذا رجعنا إلى قواعد اللغة ودلالات الحروف والأسماء نجد أن كلمة (من) الواردة فى تلك الآيات من أسماء الموصول، وهذه الأسماء لم توضع - فى اللغة - للعموم، بل هى للجنس، تحتمل العموم، وتحتمل الخصوص. قال أهل العلم باللغة والتفسير، وعلى هذا يكون المراد، والمعنى (والله أعلم) أما من لم يحكم بشىء مما أنزل الله أصلا فأولئك، أى من ترك أحكام الله نهائيا وهجر شرعه كله، هم الكافرون وهم الظالمون، وهم الفاسقون، وذلك بدليل ما سبق من الأحاديث الدالة على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج بها عن إيمانه وإسلامه وإنما يكون آثما فقط. أو أن المراد فى هذه الآيات بقول الله (بما أنزل الله) هو التوارة، بقرينة ما قبله وهو قوله {إنا أنزلنا التوراة} وإذا أخذنا هذا المعنى كانت الآيات موجهة للهيود الذين كان كتابهم التوارة، فإذا لم يحكموا بها كانوا كافرين أو ظالمين أو فاسقين، والمسلمون غير متعبدين بما اختص به غيرهم من الأمم السابقة، فقد كانت - مثلا - توبة أحدهم من ذنب ارتكبه قتل نفسه {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} البقرة 54، وحرم هذا فى الإسلام {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} النساء 29، وشرع بديلا لقتل النفس التوبة بالاستغفار وبالصدقات. وبهذا البيان يكون مجرد ترك بعض أوامر الله أو مجرد فعل ما حرم الله مع التصديق بصحة هذه الأوامر وضرورة العمل بها، يكون هذا إثما وفسقا، ولا يكون كفرا، ما دام مجرد ترك أو فعل دون جحود أو استباحة. وعلى ذلك يكون تكفير الحاكم لتركه بعض أحكام الله وحدوده دون تطبيق لا يستند إلى نص فى القرآن أو فى السنة، وإنما نصوصهما تسبغ عليه إثم هذه المخالفة، ولا تخرجه بها من الإسلام، ولعل فيما قاله رسول الله وأوردناه فيما سبق من قوله (ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل) لعل فى هذا الرد القاطع على دعوى تكفير المسلم الذى لم يجحد شيئا من أصول الإسلام وشريعته. ثالثا بلادنا دار لإسلام جاء فى ص 7 من هذا الكتيب أن أحكام الكفر تعلوا بلادنا، وإن كان أكثر أهلها مسلمين، وهذا قول مناقض للواقع، فهذه الصلاة تؤدى، وهذه المساجد مفتوحة وتبنى، وهذه الزكاة يؤديها المسلمون، ويحجون بيت الله، وحكم الإسلام ماض فى الدولة، إلا فى بعض الأمور كالحدود والتعامل بالربا وغير هذا مما شملته القوانين الوضعية. وهذا لا يخرج الأمة والدولة عن أنها دولة مسلمة وشعب مسلم، لأننا - حاكما ومحكومين نؤمن بتحريم الربا والزنا والسرقة وغير هذا، ونعتقد صادقين أن حكم الله خير وهو الأحق بالاتباع، فلم نعتقد حل الربا وإن تعاملنا به، ولم نعتقد حل الزنا والسرقة وغير هذا من الكبائر وإن وقع كل ذلك بيننا، بل كلنا - محكومين وحاكمين - نبتغى حكم الله وشرعه ونعمل به فى حدود استطاعتنا، والله يقول {فاتقوا الله ما استطعتم} التغابن 16، وعقيدتنا فيما أمر الله بقدر ما وهبنا من قوة. رابعا ما السبيل إلى تطبيق أحكام الله غير المنفذة. وهل يبيح هذا قتل الحاكم والخروج عليه. نسوق لرسم الطريق والجواب عن هذا. الحديث الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم (تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء) ، ويصلون عليكم (تصلون أى تدعون لهم ويدعون لكم، لأن الصلاة فى اللغة الدعاء) ، وشرار أئتمكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم. (أى نقاتلهم) قال لا ما أقوموا فيكم الصلاة. لا ما أقاموا فيكم الصلاة تصلون عليهم (يعنى تدعون لهم)) ومثله الحديث الذى رواه أحمد وأبو يعلى قال (يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود. فقال رجل أنقاتلهم يا رسول الله، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) . وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن أم سلمة (هند بنت أبى حذيفة) رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (انه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برىء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضى وتابع. قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم، قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة) . ومعناه أن من كره بقلبه، ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان، فقد برىء من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضى بفعلهم وتابعهم فهو العاصى. بهذه الأحاديث الصحيحة وغيرها نهتدى إلى أن الإسلام لا يبيح الخروج على الحاكم المسلم وقتله مادام مقيما على الإسلام يعمل به، حتى ولو بإقامة الصلاة فقط، وأن على المسلمين إذا خالف الحاكم الإسلام أن يتولوه بالنصح والدعوة السليمة المستقيمة كما فى الحديث الصحيح (رواه الترمذى ج - 8 ص 113 و 114 بشرح القاضى ابن العربى) (الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله، قال لله ولرسوله ولأئمة الملسمين وعامتهم) فإذا لم يقم الحاكم حدود الله وينفذ شرعه تاما، فليست له طاعة فيما أمر من معصية أو منكر، ومعنى هذا أن الحكم بما أنزل الله لا يقتصر على الحاكم فى دولته، بل يشمل كل أفراد المسلمين رجالا ونساء، وعليهم الالتزام بأمر الله فيما افتراض من طاعات والانتهاء عما نهى من منكرات. ذلك أخذا بمجموع نصوص القرآن والسنة، وإلا فإن هذا الاتجاه والفكر الذى ساقه هذا الكتاب من باب من يقرأ قول الله {فويل للمصلين} الماعون 4، 5، ويسكت ولا يتبعها بقوله {الذين هم عن صلاتهم ساهون} الماعون 4، 5، ومن يقرأ قول الله {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} النساء 43، ويسكت ولا يتبعها بقوله سبحانه {وأنتم سكارى} النساء 43، بل إن هذا الفكر ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ويقول فى دين الله بغير علم، وذلك إثم عظيم يحمله كل من يبث هذا الفكر، وعلى المجتمع مقاومته ونبذه، وعلى الدولة الوقوف ضده. والسبيل المستقيم مع أصول الإسلام فى القرآن والسنة أن نطالب جميعا بتطبيق أحكام الله دون نقصان بالأسوة الحسنة والحجة الواضحة، لا بالقتل والقتال وتكفير المسلمين وإهدار حرماتهم. هكذا أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} الأحزاب 21، وهكذا يجب أن نكون، وأن تكون دعوتنا إلى الله وإلى تطبيق شرع الله وتعميق العمل به فى السوك والحكم. خامسا - آية السيف (ص 27 - 29) وقد عنى الكتيب المعروض بها. وهى قول الله سبحانه فى سورة التوبة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة 5، ونقل الكتاب أن هذ الآية نسخت مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة، فهى ناسخة لكل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء. هذه الآية الكريمة، كما هو منطوقها واردة فى مشركى العرب الذين لا عهد لهم، حيث نبذت عودهم، وضرب الله لهم موعد الأربعة الأشهر الحرم، وقد فرق القرآن فى المعاملة بين مشركى العرب، والمشركين وأهل الكتاب من الأمم الخرى. والأمر بقتال مشركى العرب فى هذه الآية وما قبلها مبنى على كونهم البادئين بقتال المسلمين والناكثين لعهودهم، كما جاء فى آية تالية فى ذات السورة {ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة} التوبة 13، ولقد أطلق بعض الناس القول فى أن آية السيف ناسخة لغيرها من الآيات حسبما نقل هذا الكتيب، ولكن الصواب أنه لا نسخ، وأن كل لآية واردة فى موضعها، كما أن الأصل أن الإعمال مقدم على الإهمال. بل إن آية السيف جاء فى آخرها ما يوقف حكم أولها {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم} التوبة 5، فمن آمن وأسلم تائبا بذلك عن الشرك وأقام الصلاة وآتى الزكاة امتنع قتالهم وقتلهم. فالآية موجهة إلى المشركين الكافرين بأصول الدين، وغير موجهة إلى الأمر بقتال المسلمين، فالاستدلال بها على أنها آمرة بقتال المشركين وغيرهم فى غير موضعه، بل يناقض لفظها، وفى صدد المشركين أجاز القرآن التعاهد معهم والوفاء بهذه المعاهدة فى قوله تعالى {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} التوبة 7، وقوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} المائدة 1، وقوله {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} الإسراء 34، فكيف إذن يقال إن آية السيف ناسخة لأمثال هذه الآيات التى نظمت التعاهد مع المشركين وغيرهم من أهل الكتاب، وكيف يمدون حكمها إلى السملم الذى ترك فرضا من الفرائض عن غير جحود أو فعل موبقة منيها عنها تحريما، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (أمرت أن أقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها) وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحق بثلاث فى قوله (لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو فتل نفس بنفس) . فكيف مع هذا يستباح قتل المسلم الذى يصلى ويزكى ويتلو القرآن باسم آية السيف. فليقرءوا قول الله سبحانه {الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار} غافر 35، سادسا - السلاجقة والتتار هم أولئك الوثنيون الزاحفون من الشرق، أخضعوا واحتلوا بلاد ما رواء النهر وتقدموا إلى العراق، وظلوا يزحفون حتى وقعت فى أيديهم أكثر الأراضى الإسلامية. ثم من بعدهم المغول التتار المتوحشون الوثنيون الذين سفكوا دماء المسلمين بالقدر الذى لم يفعله أحمد من قبلهم.. وقد وصف ابن الأثير فظائعهم، وجعلهم مساجد بخارى اصطبلات خيل، وتمزيقهم للقرآن الكريم، وهدم مساجد سمرقند وبلخ فقال (ابن الأثير حوادث سنة 617 هجرية) (لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة، استعظاما لها كارها لذكرها، فأنا أقدم إليها رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذى يسهل عليه نعى الإسلام إلى المسلمين ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك الخ) . هؤلاء الذين حاربهم ابن تيمية وأفتى فى شأنهم فتاويه التى ولغ فيها هذا الكتيب اختصارا وابتسارا واستلالا بها فى غير موضعها. أين هؤلاء من المسلمين فى مصر وأولى الأمر المسلمين فيها، وهل هناك وجه للمقارنة بين أولئك الذين الذين صنعوا بالمسلمين ما حملته كتب التاريخ فى بطونها وبين مصر حكامها وشعبها، أو أن هناك وجها لتشبيه هؤلاء بأولئك. هذا الكتيب إنما يروج ما قال به المستشرقون من انتشار الإسلام بالسيف، وواقع الإسلام قرآن وسنة، وواقع تاريخه يقول لهم {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} الكهف 5، سابعا - فتاوى ابن تيمية التى نقل منها الكتيب تقدم القول بأنه لا وجه للمقارنة بين حكام مصر للمسلمين وبين التتار لكن هذا الكتيب قد أشار إلى فتوى لابن تيمية فى المسألة 516 من فتاويه فى باب الجهاد. وبمطالعة هذه الفتوى نرى أنها قد أوضحت حال التتار، وأ، هم وإن نطق بعضهم بكلمة الإسلام، لكنهم لم يقيموا فروضه حيث يقول وقد شاهدنا عسكر القوم، فرأينا جمهورهم لا يصلون، ولم نر فى عسكرهم مؤذنا، ولا إماما، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله، ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق، وإما زنديق منافق، لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن، وإما من هو من شر أهل البدع، كالرافضة والجهمية، والاتحادية ونحوهم، إلى أن قال وهم يقاتلون على ملك حنكسخان إلى أن قال وهو ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفرا وفسادا وعدوانا من جنس بختنصر وأمثاله إن اعتقاد التتار كان فى حنكسخان عظيما، فإنهم يعتقدون أنه ابن الله إلخ. هذه العبارت وأمثالها مما جاء فى تسبيب الفتوى تفصح عن أن ابن تيمية قد وقف على واقع حال التتار، وأنهم كفار غير مسلمين وإن نطقوا بكلمة الإسلام تضليلا للمسلمين. فما لهذا الكتيب قد ابتسر الفتوى. - إن واضع هذا الكتاب وأتباعه تصدق عليهم الآية {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون} ، أين هؤلاء التتار من جيش مصر الذى عبر وانتصر بهتاف الإسلام الله أكبر من شهر رمضان ورجاله صائمون مصلون يؤمهم العلماء، وفى كل معسكر مسجد وإمام يذكرهم بالقرآن، وبأحكام دين الله - إن هذه الأقوال الجائزة التى جاءت فى هذا الكتيب فاسدة مخالفة للكتاب والسنة {ألا ساء ما يحكمون} النحل 59، ثامنا - هذا الكتيب لا ينتسب للاسلام وكل ما فيه أفكار سياسية نرى هذا واضحا فى الكثير من عناوينه (أ) الخلافة والبيعة على القتال إن الشورى هى أساس الحكم فى الإسلام، وبهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله {وشاورهم فى الأمر} آل عمران 159، أى فى الأمور التى تتعلق بأمور الحياة والدولة، لا فى شأن الوحى والتشريع، وما يأتى من عند الله. وقال سبحانه {وأمرهم شورى بينهم} الشورى 38، وقال {لست عليهم بمسيطر} الغاشية 22، وقال {وما أنت عليهم بجبار} ق 45، والحاكم فى الإسلام وكيل عن الأمة، لذلك كان من شأنها أن تختار الحاكم وتعزلهم، وتراقبهم فى كل تصرفاتهم، ويجب أن يكون الحاكم المسلم عادلا قويا فى دينه ومقاومته لأهل البغلا والعدوان. ويتفق أهل العلم بالإسلام وأحكامه على أن (خليفة المسلمين) هو مجرد وكيل عن الأمة يخضع لسلطانها فى جميع أموره، وهو مثل أى فرد فيها فهو فرد عادى، لا امتيا زله ولا منزلة إلا بقدر عمله وعدله. فالإسلام أول من سن بتلك الآيات مبدأ الآمة مصدر السلطات. والإجماع منعقد منذ عصر الصاحبة على وجوب تعيين حاكم للمسلمين، واستنادا إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الموضع. ولم تحدد نصوص الإسلام كريا لاختيار الحاكم (ولى الأمر) لأن هذا مما يختلف باختلاف الأزمان والأماكن. ومن ثم كان الاختيار بطريق الانتخاب المباشر أو بغيره من الطرق داخلا فى نطاق الشورى فى الإسلام. وتسمية خليفقة للمسلمين أمر تحكمه عوامل السياسة فى الأمة الإسلامية على امتداد أطرافها وأقطارها، وليس من الأمور التى تتعطل من أجلها مصالح الناس وإقامة الدين، بعد أن تفرق المسلمون إلى دول ودويلات، لكن المهم أن يكون هناك الحاكم المسلم فى كل دولة إسلامية، ليقيم أمور الناس وأمور الدين، حتى إذا ما اجتمعت كلمة المسلمين كأمة وصاروا فى دولة ذات كيان سياسى واحد بعرف العصر وأساليبه، كما هم فى واقع الدين أمة واحدة مع اختلاف لغاتهم وأوطانهم، إذا اجتمعت الكلمة حق عليهم أن يكون لهم حاكم واحد. وانتخاب الحاكم بالطرق القررة فى كل عصر، قائم مقام البيعة التى ترددت فى كتب فقهاء الشريعة، فما البيعة إلا إدلاء باالرأى والتزام بالعهد وقد كان المسلمون يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الوقوف معه وحمايته مما يحمون منه أنفسهم ونساءهم وأولادهم، فهو عهد والتزام منه بحماية الرسول وحماية دعوته، فقد كان يستوثق منهم لدينه بهذه البيعة. والقتال فى ذاته ليس هدفا - كما تقدم - وكما يقضى القرآن والسنة، وإنما هو وسيلة لحماية الدين والبلاد، ولم يكن آنذاك تجنيد إجبارى وجيش نظامى متفرغ لهذه المهمة، حتى إذا ما جيش عمر بن الخطاب ومن بعده الجيوش ودون الدواوين، لم يعد هناك مجال هلذه البيعة على القتال خارج صفوف جيش الدولة، وإلا كان هؤلاء الذى يتبايعون على مثل هذا خارجين على جماعة المسلمين، وحل قتالهم، والأخذ على أيديهم. ذلك ما يقتضيه القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، فمن خرجك على الجماعة كان الجزاء كما قال سبحانه {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} المائدة 33، ماذا يعنى لفظ الخليفة وتاريخه فى الإسلام. الخلافة اسم مصدر من استخلف، والمصدر الاستخلاف، وهذا المعنى دخل فى الاصطلاح الشرعى فى اسم الخليفة ومهمته فقط اصطلح علماء الشريعة على أن الخليفة نائب فى القيام فى سياسة الأمة وتنفيذ الأحكام، وقد توقف هذا اللقب بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه، ولم يلقب بخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الخلفاء بعده، وإنما أطلق عليهم اسم أمير المؤمنين، وهذه الإمارة اصطلاح ليس من رسم الدين ولا من حكمه فلنسم الحاكم واليا أو رئيس جمهورية أو غير هذا من الأسماء التى يصطلح عليها، إذ لا مشاحة فى الاصطلاح. فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. أيريدون إطلاق اسم خليفة رسول الله على من يحسن القيام بأمر الدين ومن يخالفة، كان أولى بهذا عمر بن الخطاب وأمثاله، وهم قد رأوا أنهم أقل من أن يحملوا هذا اللقب فاستبدلوه بأمير المؤمنين لقبا للحاكم لا غير لا يعطيه امييازا، بل هو من أفراد المسلمين ولكنه ولى أمرهم باختيارهم. (ب) الإسلام والعلم جاء فى كتيب (الفريضة الغائبة) تحت عنوان الانشغال بطلب العلم ص 22 وما بعدها إننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمر شرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم، خاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد، نترك فرض عين من أجل فرض كفاية، وحدود العلم أن من علم فرضية الصلاة فعليه أن يصلى. الخ ومن كتب هذا لم يقرأ القرآن، وإذا كان قد قرأ فإنه لم يفهم ما قرأ، أو أنه ممن آمن ببعض الكتاب وأعرض عن بعض فلنستعرض بعض ما أمر به القرآن الكريم وتوجيهاته إلى العلم والتعليم إن أول نداء فتح الله به على نبيه إيذانا ببدء الوحى قوله سبحانه {اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإسنان ما لم يعلم} العلق 1 - 5، والقراءة طريق العلم والمعرفة، ثم يذكر القرآن خلق الإنسان وتكوينه ويمن الله بنعمة العلم. وبالعلم أعلى الله قدر آدم على الملائكة المقربين فى قوله سبحانه {وعلم آدم الأسماء كلها} البقرة 31، والعلم فى الإسلام يتاول كل ما وحد فى هذا الكون، فضلا عن العلم بالدين عقيدة وشريعة وآدابا وسلوكا. والعلم جهاد ففى الحديث الشريف قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من خرج فى طلب العلم فهو فى سبيل الله حتى يرجع) رواه الترمذى عن أنس رضى الله عنه. ولقد ذكر أمامه صلى الله عليه وسلم رجلان، عالم وعابد فقال (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) رواه الترمذى عن أبى أمامه. والإسلام يدعو إلى دراسة الدين وفقه - قال سبحانه {لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} التوبة 122، ويدعوا إلى دراسة نفس الإنسان والكون فى قول الله {سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم} فصلت 53، ويدعو إلى دراسة التاريخ وأحوال السابقين من الأمم والشعوب فى قوله تعالى {أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} محمد 10، ويدعو إلى دراسة علم النبات والزراعة فى قول الله {فلينظر الإنسان إلى طعامه. أنا صببنا الماء صبا. ثم شققنا الأرض شقا} عبس 24 - 26، وإلى دراسة الحيوان فى قوله الله {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الغاشية 17، وإلى دراسة الفلك فى قول الله {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} يس 37، وإلى دراسة ا

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...