عنوان الفتوى :
أشكركم على كل ما تقدمونه، وأنا على كامل الثقة من سعة صدركم -جزاكم الله خيرًا-. لم أجد غيركم أحدًا ألجأ إليه وأستشيره في عدة مسائل؛ لأن مشكلتي معقدة جدًّا. منذ العام 2005 تعلق قلبي بابنة خالتي، وقررت أنها ستكون زوجتي، ولكن كان هناك حديث عن علاقتها بشخص آخر في العائلة. وفي 2010 تقدمت لخطبتها، وأول ما سألتها عن علاقتها بهذه الشخص أنكرت بشدة، وقالت: إنه مثلك تقدم لخطبتي، وما زال تحت الدراسة من أبي وعائلتي مثلك، ووافقوا على الزواج، لكني كنت أحس أنها ليست طبيعية، أو مجبرة، ومضى عام وتزوجنا -بحمد الله- عام 2011، وعشنا حياة لا تخلو من المشاكل العادية، لكنها كانت طبيعية إلى حد كبير. وأنجبنا ابنًا وبنتًا -بفضل من الله -، ولكن في رمضان الماضي حدث خلاف شديد بيني وبينها، وكانت حاملًا بابنتنا الصغرى، وغضبت جدًّا وضربتها ضربات صغيرة على كتفها، فاستغاثت بأهلها، وبحكم قرب البيت أتى أخوها مسرعًا، وبعده أمها، ثم إن أخاها ضربني في غرفة نومي، ولم أستطع حتى الدفاع عن نفسي، فطار عقلي، وطلقتها عدة طلقات، لا أعلم عددها. وذهبت إلى بيت أهلها، وتدخل الكثير من الناس، فكلما أتوا ودار الحديث أغضب بشدة، وأطلقها أمامهم ثانية، وثالثة، وبعد العديد من المحاولات، والقليل من الهدوء وقع أهلها على وثيقة عرفية بعدم التعرض بشيك عالي القيمة، وعادت إلى البيت وجامعتها قبل ولادتها، فما الحكم الشرعي في ذلك الطلاق، هذا أولًا؟ ثانيًا: مر عام كامل، لكني سافرت إلى الخليج، وأثناء حديثنا في يوم من الأيام صارحتني بعلاقتها السابقة مع ذلك الشخص، وأنها فعلًا كانت على علاقة حب كبيرة معه، استمرت لعدة سنوات، وأنها فعلًا كانت تحبه، وكانت لا تمر ساعة إلا ترن على هاتفه، وكانت هناك مقابلات بينهما، وعلاقة حب كاملة بينهما، إلا أنها أدركت أنها لم تكن تحبه، وحين سألتها خافت أن تخسرني؛ لأنها تعلم يقينًا أني إذا تأكدت من تلك المسألة فلن أقدم على الزواج بها، ومنذ أن صارحتني وأنا أشتعل غضبًا، ونارًا، وأشعر أني خدعت، وتم التلاعب بي، فماذا أفعل؟ أعلم يقينًا أني أطلت عليكم، ولكني أتمنى منكم المساعدة، فأنا لا أريد أن أكمل حياتي حرامًا إن كانت طلقت مني، وإن لم تكن طلقت، فماذا أفعل في قصتها التي أنكرتها؟ أرجو منكم إجابة شافية؛ لأنه سيتحدد بموجبها مصير هذا البيت؛ مهما كانت الإجابة فسأنفذها لأن كل ما نسعى إليه هو رضا الله سبحانه، وشرع الله نافذ فوق الرقاب، وصراحة لا أثق بمن قالوا: إن كل ما قلته من طلاقات يعد طلقة واحدة في أسوأ الحالات؛ لأنه لا طلاق في إغلاق، أرجو أن أكون أوضحت المشكلة بإيجاز -جزاكم الله خيرًا-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دمت تلفظت بصريح الطلاق مدركًا غير مغلوب على عقلك، فقد وقع طلاقك، ولو كان وقت الغضب الشديد، قال الرحيباني الحنبلي –رحمه الله-: وَيَقَعُ الطَّلَاقُ مِمَّنْ غَضِبَ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ كُفْرٍ، وَقَتْلِ نَفْسٍ، وَأَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَطَلَاقٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وإذا كررت لفظ الطلاق بقصد إيقاع أكثر من طلقة وقع بعدد ما كررته، فإن طلقتها ثلاثًا بانت منك بينونة كبرى، ولا تملك رجعتها إلا إذا تزوجت زوجًا غيرك -زواج رغبة لا زواج تحليل- ويدخل بها الزوج الجديد، ثم يطلقها، أو يموت عنها، وتنقضي عدتها منه.
وإذا شككت في عدد الطلاق بنيت على اليقين، وهو العدد الأقل المتيقن.
أمّا إذا كررت لفظ الطلاق بغرض التأكيد، والإفهام، فلا يقع به إلا طلقة واحدة.
وهذا الذي نفتي به في طلاق الغضبان، وتكرار الطلاق هو قول جمهور أهل العلم، لكنّ بعض العلماء لا يوقع طلاق الغضبان إذا اشتد غضبه، ولو لم يزل عقله بالكلية، وبعضهم لا يوقع الطلاق المتتابع من غير رجعة، أو عقد، وراجع الفتوى رقم: 11566، الفتوى رقم: 192961.
وعليه؛ فما دام في المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم، فالذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم و دينهم.
وأما بخصوص ما صارحتك به زوجتك من علاقتها السابقة بذلك الشخص، فلا تلتفت إليه، وقد كان عليها أن تستر على نفسها، ولا تخبرك بها، وينبغي عليك أن تستر عليها، وتصفح عن هذا الماضي، ما دام الأمر يتعلق بالماضي.
والله أعلم.